لم يكن الطريق أمام السيد عبد الفتاح دخان معبداً بالمشكلات السياسية؛ فدبج ميثاق حماس الأول عام 1988 ليستشهد في المقدمة باقتباسات لمؤسس جماعة الإخوان (حسن البنا)، ويقول بلغة الجمود والتعنت بأنَّ: الواقع لا يحتاج لعلمانية كمنظمة تحرير تعتمد السلام على أنه هو الحل، ما خلق حينها ثنائية فلسطينية جاءت لمصلحة إسرائيل دون غيرها. ما إن انقلبت الموازين في الفاتح من مايو/ أيار 2017، حينما أعلن السيد خالد مشعل وثيقة حماس الجديدة، وعلى ما يبدو أنها لم تُخط بيد شخص واحد، والسبب أنها حملت في طياتها الكثير من الغموض والتشتت واللعب بالألفاظ، وأبدت الكثير من المرونة والانفتاح على العالم الخارجي والكلام الفضفاض. لكن "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي"، هذا ما يقوله الراضخون لأمر الواقع الذي أملي عليهم، تسعة وعشرين عاماً من دراسة الواقع تنتهي باعتراف ضمني بوجود إسرائيل، وتفاوض على ما تم التفاوض عليه مسبقاً، وتطرحه نفسه اليوم كبديل، وتؤكد على ثنائية الدور الفلسطيني مجدداً، تحت عنوان الشراكة الذي يحتمل أكثر من معنى يسهل تأويله. أكدت الوثيقة على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها على أنها صيغة توافقية وطنية مشتركة، ولم تذكر الوثيقة مع من ستبقى الأراضي، ومن الذي سيدفع التعويضات للاجئين؟، وذكرت أيضاً أن منظمة التحرير الفلسطينية إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية. ولم تنوه إلى الاعتراف المتبادل بين الاحتلال والمنظمة، حماس المُكرهة على تعديل مسارها وليست البطلة أمام جماهيرها تحاول وبعد كل المتغيرات الإقليمية والدولية أن تجد لنفسها مكاناً بعد أن وضعتها عدة دول في الخليج العربي على لائحة الإرهاب وعداؤها المبطن لمصر، والتقارب الإيراني الأمريكي بشأن الملف النووي، أما على صعيدها الداخلي والذي تعاني منه منذ انتهاء حرب 2014 من ضائقة مالية وسياسية داخلية بما يتعلق بفشل حكمها في قطاع غزة، فقد سعى كل كذلك إلى إصدار وثيقة لا تحرج فيها نفسها أمام جماهيرها المعبأة كرهاً للسلطة وأساليبها، وأن تكسب لنفسها نقاط تساعدها في حال لعبت دور البديل عن منظمة التحرير أو قيادة منظمة التحرير إذا تم اصلاحها من جديد، لذلك انطلقت حماس تباغت زيارة الرئيس الفلسطيني لواشنطن بتعديل مسارها السياسي وليس من باب المصادفة اختيارها لهذا التوقيت، لتكون شريكاً فعليًّا في أي مسار تسوية مستقبلي، بالنأي بنفسها عن المفاوضات المباشرة أو الاعتراف بدولة الاحتلال. استفاق الفلسطينيون إذا على حوار مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على قناة CNN الأمريكية وكأنها بمثابة مفتاح الحوار المستقبلي، نعت فيه مشعل الرئيس الأمريكي ترامب بالجرأة والقدرة على التغيير، وأعرض وكرر أنه فرصة ليلتقطها العالم الغربي ليأتي معنا في طريق تسوية القضية الفلسطينية.