أثارت موافقة البرلمان وتصديق الرئيس السيسي السريعة على تعديل بعض أحكام قوانين "الإجراءات الجنائية"، وحالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، المخاوف والقلق بين الحقوقيين والمحامين، الذين وصفوا التعديلات بالخطيرة، بل وغير الدستورية، وتهدد ضمانات العدالة المنصفة للمواطنين. وأكد الخبراء أن النظام والبرلمان استغلا انشغال الرأي العام بقانون السلطة القضائية، وأسرعا بتمرير قانون يمس صميم العدالة وحقوق المواطنين، بينما روج أعضاء مجلس النواب لأهمية التعديلات نحو العدالة الناجزة وسرعة الفصل في القضايا الجنائية بما يحمي الأمن العام والقومي للبلاد. يقول أسامة خليل، المحامي ومدير مركز هشام مبارك للقانون، في تصريحات خاصة ل "البديل"، إن أغلب التعديلات التي جاءت بقانون الإجراءات الجنائية يمكن الطعن بعدم دستوريتها بقوة، مشيرًا إلى أنه كعادة الأنظمة السياسية استغلت انشغال الشعب عبر ضجة إعلامية بقانون السلطة القضائية واستقلال القضاء؛ لتقوم بتمرير قانون الإجراءات الجنائية بتعديلات تمس بشدة جوهر العدالة للمواطن بشكل مباشر وبتعديلات أكثر خطورة، بل تقنن الانتهاكات، وتغلق الباب على الحريات للمواطنين. وأضاف أن أبرز الملاحظات على القانون منح المحكمة الحق في رفض الاستماع للشهود بالنسبة للمتهم، عكس ما كان في القانون بالماضي، حيث كان الاستماع وجوبيًّا، موضحًا أن هذه التعديل يمنع المتهم من حقه في إجراءات تقاضى عادلة؛ لأن هؤلاء الشهود الذين يدفع بهم محامي المتهم يمثلون دليلًا لبراءته، ومن ثم فإن حرمان المتهم من إلزام القاضي بالاستماع للشهود يشكل خطورة عليه، ويفتح الباب لصدور أحكام جنائية لا تلبي الحد الأدنى من ضمانات الدفاع. وأشار إلى التعديلات الأخرى التي تشكل خطورة على حريات المواطنين، وتطلق الصلاحيات للضباط بالقبض على المواطنين وتفتيش سيارتهم ومنازلهم بكل سهولة بدون رقيب، فبعد أن كانت هناك شروط محددة يجب أن تتوافر ليقوم الضابط بالقبض، منها التلبس من خلال دلائل قوية، أو الحصول على إذن من النيابة العامة لتفتيش المنازل والقبض على المواطنين، حتى تصبح عملية القبض صحيحة وقانونية، وهذا لم يعد موجودًا في التعديل الجديد. وشدد خليل على خطورة هذه المادة؛ باعتبارها تمثل حصانة للضباط، وتفتح الباب للانتهاكات، وتقترب بقانون الإجراءات الجنائية إلى قانون الطوارئ، باستخدامه الأساليب الاستثنائية في القبض على المواطنين في أي وقت وبدون إذن نيابة. وقال طارق نجيدة، المحامي بالنقض والدستورية العليا، في تصريحات خاصة ل "البديل"، إن أبرز سلبيات تعديلات القانون جاء في المادة المتعلقة بإعطاء الحق للمحكمة بجواز سماع شهود المتهم من عدمه، وهو تعديل كارثي يجافي ضمانات حق الدفاع المقررة دستوريًّا للمتهم؛ لأن سماع الشهود الذي كان وحوبيًّا على المحكمة تحقيقًا للدفاع ليس منحة ولا نزهة بقصد تعطيل نظر الدعوى، ولكنه حق أصيل، يضع الدليل أمام المحكمة على النحو الذي يبرئ المتهم. وأوضح أن هذه المادة تشكل إهدارًا جسيمًا لحق المتهم في إجراءات تقاضٍ عادلة؛ لأن سماع المحكمة لشهود النفي أو الإثبات كان ضروريًّا، ويجب أن تسمعه حين أقرت الدعوة الجنائية من قبل النيابة العامة، التي استمعت بنفسها إلى الشهود، ومن ثم لا يصح أن تأتي المحكمة بدون التحقيق مع الشهود، خاصة إذا كان الدفاع متمسكًا بسماعهم أمام منصة القضاء من أجل براءته. وأكد نجيدة أنه يرفض تمرير مثل هذه التعديلات بحجة الأسطوانة التي ترددها الدولة بخصوص التباطؤ في فصل القضايا وأهمية العدالة الناجزة، معربًا عن أنه لا ينفي هذا البطء، ولكن لا يجوز أن يكون ذريعة للتخلص من ضمانات حق الدفاع كما جاء في التعديلات، وإلا نغلق المحاكم، وتصبح النيابة وحدها هي جهة التحقيق والمحاكمة والإدانة. ولفت إلى أن بطء العدالة له أسباب مختلفة تتعلق بهيكلة النظام القضائي في مصر، ولكن لا يجب استغلالها والإسراع على حساب حقوق وضمانات المواطنين في إجراءات تقاضٍ عادلة. وعلى الجانب الآخر أكد أن هناك بعض المواد التي جاءت منصفة ومهمة، منها ما يتعلق بالتقاضي على درجتين، عندما جعلت محكمة النقض تتصدى للقضية مباشرة في المرحلة الثانية من ناحية الموضوع، إذ سيصبح حكم المحكمة نهائيًّا وباتًّا، وهو ما يؤدي إلى سرعة الفصل في القضايا المنظورة بالمحاكم. فيما وصف أحمد فوزي، المحامي والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، في تدوينة له على حسابه الشخصي "فيسبوك"، بأنها "أخطر بكثير على مرفق العدالة ومهنة المحاماة وحقوق المواطن من قانون السلطة القضائية"، مشيرًا إلى أن حضور شاهد الإثبات ومناقشته أصبح جوازيًّا لهيئة المحكمة، وهو ما يجهز على ما تبقى من مهنة المحاماة وما تبقى من ضمان لحد أدنى لمحاكمة عادلة ومنصفة".