يعد التطريز من أهم الحرف التي تمارسها النساء في فلسطين بشكل عام لأسباب عديدة أهمها أن هذه الحرفة الغنية بالمعالم التراثية تساعد في الحفاظ على الأشكال الفلسطينية للملابس بشكل كبير. عدد كبير من النساء في قطاع غزة يلجأن للتطريز لأن لا سبيل لديهن للعمل بشكل آخر، فيذهبن للتطريز في بيوتهن وبيع ما ينتجونه في الأسواق وغالبا ما يكون البيع بشكل شخصي أو بناءً على طلب الزبائن. سميرة تومان، المرأة الخمسينية، قضت أكثر من 40 عاما من حياتها في مجال التطريز، وكان هدفها أن تحمي أسرتها من الفقر، نتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها، كغالبية الأسر الفلسطينية في قطاع غزة، حيث بلغت نسبة البطالة والفقر في القطاع أكثر من 70% خلال السنوات الأخيرة. بدأت تومان أثناء مرحلتها الدراسية بتعلم التطريز، فكانت تشتري الأبر والخيوط من مصروفها الشخصي بهدف التعلّم لتمرن نفسها على التطريز، فوضعت مهاراتها في حرفة لا تعيقها ولا تؤثر بأي شكل سلبي على حياتها، حيث استمرت فيما بعد بالتطريز في بيتها. وأكدت تومان، خلال حديثها ل"البديل"، بأن التطريز ساعدها ماديا، حيث كان زوجها يعمل في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة قبل عام 2000، وبعد الانتفاضة وإغلاق الطرق أمام الفلسطينيين في قطاع غزة من العمل في الداخل المحتل، افتتح زوجها بقالة صغيرة ليتمكن من إعالة أسرته، لكن تومان تشير إلى أن البقالة لم تكن تكفي لسد حاجات الأسرة. ومع مرور الوقت، بعدما أصبحت تومات محترفة في مجال التطريز، وصارت هذه الحرفة تُدّخل عائدا ماديا مقبولا لها، أصبحت توسع عملها وتبتكر طرق تطريزية جديدة في التراث الفلسطيني، ثم أصبحت تعلّم بعض النساء ذات الوضع الاقتصادي الصعب، على هذه الحرفة لتضمن لهن دخلا ولو كان محدودا. وتضيف تومان، بأنه لم يعد باستطاعتها ترك هذه الحرفة، بل علمت بناتها الخمس التطريز، حتى أن واحدا من أبنائها الشباب، كان مهتما لهذا العمل لجماليته، وتعلّم التطريز أيضا. ومن وجهة نظر تومان، فالأمر لا يتعلق بالعمل والعائد المادي فقط، حيث تقول إن واجبنا أن نعلّم أطفالنا هذه الحرفة للحفاظ على تاريخهم وتراثهم، لأن هذه الأمور البسيطة، دلائل قاطعة على أحقيتنا في هذه الأرض من خلال تراثنا. ومنذ عام 2008، تعرض تومان منتجاتها في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وتحظى بسمعة جيدة بين تجار الملابس والمؤسسات المحلية في القطاع، وتعمل باستمرار على توسيع أعمالها. وقدّمت مؤسسات مثل مركز شؤون المرأة مساعدات لتومان، وهي مؤسسة غير ربحية تقوم بمساعدة النساء في قطاع غزة على إبراز مهاراتهن في أي مجال يحبونه، وقامت المؤسسة بتزويد تومان غرفة متواضعة تعلّم فيها من رغبن من النساء أن يتعلمن حرفة التطريز. وتقول إن الفصول التعليمية لحرفة التطريز تجري على أفضل وجه، مشيرة إلى أن أكثر من 40 شخصا تعلم التطريز في العام الماضي، وكثير منهم بدأوا مشاريعهم الخاصة. وتختم تومان حديثها مع البديل بقولها إنها تؤمن حقا برسالتها، وهي أن تعلّم النساء كيف يكن فنانات، حيث تساعدهن بتعليمهن مهارات بسيطة تساعد في تحسين وضعهن الاقتصادي، إضافة إلى أن العمل لساعات بالأبرة والخيط يساعد على الاسترخاء والتخلص من التوتر.