منذ أن تولى السيسي حكم مصر وقبل ذلك، والواقع يأبى إلَّا أن يكذبه، فقد بدأ جولته كاذبًا عندما صرح بعدم ترشحه لرئاسة الجمهورية بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ثم أثناء حملته تحدث عن دَين مصر الذي وصل في أبريل في 2014 إلى 1,7 تريليون جنيه، وكان يستنكر ذلك جدًّا قائلًا: «هل ده الورث اللي هنسيبه للأجيال الجايه؟» وكأنه بالفعل يعمل على حياة أفضل لهذه الأجيال، لتكون نتيجة حرص سيادته على تقلص الدين أنه وصل في أبريل 2017 إلى 3,4 تريليون جنيه. تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر ليبدأ عرض مسرحيته الهزلية، وكانت أول وعوده «اصبروا معايا سنتين، وهتشوفوا إن شاء الله تباعًا.. قلت اصبروا معايا إيه؟ سنتين!» مضت هذه الأيام عجافًا من الحريات، فلم نر فيها إلَّا الاعتقال وسوء المعيشة على مستوى التعليم والصحة والزراعة والاقتصاد، وفي هذه الفترة أيضًا تبخرت وعود سيادته، فلم نر شيئًا ولم يف بأي شيء مما قاله، وأبرزها الأسعار التي كلما تحدث عن انخفاضها ارتفعت، ومنها أيضًا مشروع المليون فدان، ودخل قناة السويس الجديدة وغيرها الكثير. ومما روج له الرئيس السيسي أيضًا سوء الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وحديثه عن الفكة والتبرعات التي لا يطلبها إلَّا من الطبقة التي تحيا خيالًا لا أكثر، فنحن نؤمن أن مصر تمر بأسوء حالاتها الاقتصادية، ولكننا نؤمن أيضًا أن هذا الفقر والسوء لطائفة فقط من الشعب المصري دون غيره، فلا يعاني من تدهور الاقتصاد وغلاء الأسعار سوى هذه الطائفة التي يلح عليها سيادته كل يوم كي تتبرع وكي تقف جوار مصر لتخطي الأزمة. وفي الندوة التي أعدت للحديث عن الصناعات الصغيرة والمتوسطة للصعيد، ألح الرئيس على فكرة الفقر بشكل كبير قائلًا: «محدش قالك إنك انت فقير أوي؟! لأ يا ريت حد يقول لكم إننا فقرا أوي فقرا أوي..» ولكن اليوم حدث أمر عجيب فهذا الشعب الذي يتحدث عنه الرئيس ويكاد يبكي على فقره، استطاع أحدهم أن يشتري لوحة سيارة ب2 مليون جنيه، فحسب ما جاء في عدد الشروق أمس الأحد 30/4/ 2017 باعت إدارة النظم والمعلومات التابعة لوزارة الداخلية لوحة معدنية تحمل أرقام «أ ه م 1» بمليون وتسعمائة وسبعين ألف جنيه في مزاد علني على موقع «لوحتك دوت كوم» وشهد هذا المزاد منافسة كبيرة بين رجال أعمال مصريين. فهل هذه هي مصر وهذا هو الشعب الذي يتحدث عنه الرئيس أم أنه يحكم بلدًا آخر، أم أنه أُقِر له بحكم طبقة مصرية فقط؟! من هنا يجب معرفة أننا لسنا فقراء كما يريد أن يوهمنا سيادته، فمصر من أغنى الدول على الإطلاق، لكنها فقيرة لعقول تديرها وتعمل على الاستفادة من مواردها، وأصبحت حكرًا على طائفة دون أخرى، فلا يستطيع حاكم أن يفكر خارج الدائرة، كما لا يستطيع أن يرى هذه الطبقات التي ربما عمي عنها عمدًا؛ لأن ردة فعلها ستكون أقوى من هؤلاء الذين لا يتحدث الرئيس عن غيرهم.