تمثل المنظمات اليسارية الإسرائيلية كابوسًا يؤرق سلطات الاحتلال، حيث دأبت هذه المنظمات وعلى رأسها "بتسيلم" و"كسر الصمت" على فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي في المجتمع الفلسطيني، الأمر الذي يجعلها شوكة في حلق الكيان الصهيوني، حتى إنها تثير العديد من الأزمات بين الاحتلال والدول التي تسعى إلى عقد لقاءات مع هذه المنظمات، وهو ما حدث مع بلجيكاوألمانيا. خلافات إسرائيلية ألمانية ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لقاءه المخطط له مع وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، ولم يذكر "نتنياهو" السبب، لكنه أرسل جدول اجتماعاته دون الإشارة إلى الاجتماع مع "غابرييل"، وظهر السخط الصهيوني على الخطوة الألمانية في تصريحات وزير البيئة الإسرائيلي، زئيف إلكين، المقرب من نتنياهو، حيث قال: ما لا يمكن تصوره هو أن يلتقي وزير مع جماعات تعمل ضد البلد الذي يزوره. الخطوة الإسرائيلية لم تكن مفاجأة لألمانيا على الإطلاق، حيث سبق أن هدد "نتنياهو"، أمس الثلاثاء، بإلغاء لقائه مع وزير الخارجية الألماني بسبب نية الأخير الاجتماع مع منظمات يسارية إسرائيلية تعارض الاستيطان مثل "بتسيلم"، وجاء ذلك بعد تصريحات للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية قالت فيها: من المقرر أن يلتقي الوزير الألماني مع منظمات المجتمع المدني. رافضة الإفصاح عن هوية المنظمات، إلا أن مصادر صهيونية أكدت أنها منظمات حقوقية إسرائيلية تعارض سياسة الاستيطان والتهويد التي تمضي فيها حكومة نتنياهو قدمًا رغم المعارضة الدولية المتزايدة لها، فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن "غابرييل" سيجتمع مع جماعة "كسر الصمت" التي تجمع شهادات من عسكريين سابقين إسرائيليين بشأن معاملة الجيش للفلسطينيين في الضفة الغربيةالمحتلة، ونفوذ المستوطنين الإسرائيليين على تصرفات الجيش. من جانبها قللت ألمانيا من شأن التهديد بإلغاء الاجتماع مع رئيس الوزراء الصهيوني، حيث قال وزير الخارجية الألماني: قرار نتانياهو لا يمكن استيعابه، لكن عدم الاجتماع ليس كارثة، ولا أريد افتعال حدث درامي، وأضاف: سيكون من المؤسف أن يلغي نتانياهو اللقاء على خلفية لقائي المقرر مع ممثلي المنظمتين، وهو لقاء طبيعي للغاية، إذ من الطبيعي أن يلتقي وزير يزور دولة أجنبية مواطنين من القطاعات المختلفة، من ناشطين وفنانين وكتاب ومنظمات تنتقد الحكومة، بهدف أخذ انطباع كامل عن الأوضاع فيها، ولا يمكن الحصول على صورة كاملة للوضع فقط من خلال لقاء مسؤولين في مكاتب الحكومة. الخلاف الأخير بين وزير الخارجية الألماني الذي يزور الشرق الأوسط من أجل الترويج لحل الدولتين لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، والقيادات الإسرائيلية، قد يعمق الخلافات الموجودة في الأساس بين الطرفين، حيث تشبت بعض التوترات العلاقات بين تل أبيب وبرلين، على خلفية إلغاء ألمانيا اجتماعًا سنويًّا في مارس الماضي بين زعماء ألمان وإسرائيليين كان من المقرر عقده في مايو المقبل، حيث ذكرت برلين أن إلغاء الاجتماع يأتي بسبب انشغال المستشارة بالانتخابات التي ستجرى في شهر سبتمبر المقبل، لكن العديد من المصادر الدبلوماسية أكد أن السبب الرئيسي للإلغاء يكمن في اعتراض ألمانيا على قانون التسوية الذي صدَّق عليه الكنيست في فبراير الماضي، والذي يقضي بشرعنة آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربيةالمحتلة بأثر رجعي. خلافات بلجيكية إسرائيلية الموقف الصهيوني الأخير تكرر مع بلجيكا في فبراير الماضي، حيث أمر رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، بتوبيخ السفير البلجيكي، أوليفير بيله، بعدما اجتمع رئيس وزراء بلجيكا، شارل ميشيل، مع ممثلين عن منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" ومنظمة "كسر الصمت" الحقوقية خلال زيارته للمنطقة، وأفادت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية حينها بأن ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية قلق من خطورة هذا اللقاء. ما هما المنظمتان اللتان تقضان مضاجع الاحتلال؟ منظمة "بتسيلم" الصهيونية هي مركز معلومات لحقوق الإنسان، تأسس في فبراير عام 1989 على يد مجموعة من المفكرين والقانونيين والصحفيين وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي، بهدف الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الجيش أو القادة الصهاينة في الأراضي المحتلة، وذلك من خلال توثيقها ونشرها للجمهور ووضعها أمام أصحاب القرار، ومحاربة ظاهرة التجاهل والإنكار القائمة في المجتمع الإسرائيلي. منذ عام 2000 وحتى عام 2015 حولت "بتسيلم" حوالي 739 شكوى إلى المدعي العام العسكري، إلا أن نسبة ضئيلة لا تتعدى 3.5 في المائة من الشكاوى تمت متابعتها وتحويلها إلى قضايا اتهام، فيما اختفى عدد كبير من هذه الشكاوى التي توثق السلوك السيئ لأفراد من الجيش الإسرائيلي، وانتهاكات واضحة لحقوق الإنسان. أما منظمة "كسر الصمت" فتأسست في مارس عام 2004، من قبل مجموعة من الجنود الإسرائيليين الذين خدموا في الخليل جنوبي الضفة الغربية، وجمعت المنظمة شهادات أكثر من 1000 جندي يمثلون كافة شرائح المجتمع الإسرائيلي ممن كشفوا، دون الإفصاح عن هوياتهم، عن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. نظرًا لكون هذه المنظمات تقض مضاجع الاحتلال الصهيوني، وتسلط الضوء على جرائمه، فقد أوعز نتنياهو إلى المشرعين في الكنيست بسن قانون في عام 2016 يلزم المنظمات غير الحكومية التي تتلقى أكثر من نصف تمويلها من حكومات أو هيئات أجنبية بتقديم تفاصيل عن تبرعاتها، وكان هذا القانون استهدافًا مباشرًا للمنظمات اليسارية، وفي الوقت نفسه لم يفوِّت "نتنياهو" مناسبة دون التوسل للحكومات الأوروبية بوقف دعم هذه المنظمات.