يعد القمح من أهم المحاصيل عند المصريين على مر العصور، فلا تكاد مائدة تخلو من الخبز الذي يصنع من القمح، ولذلك كان موسم الحصاد عند الفراعنة من أهم المواسم الزراعية، فجعلوا له عيدًا يعرف بعيد الحصاد، كانت تقدم فيه العطايا ل "رع نينت" ربة الحصاد، حيث يقدم لها وعاء ماء تعلوه سنابل القمح، ظازجة أو مطبوخة "البليلة"، كما تعلق السنابل على أبواب البيوت. وظلت مصر تحتفل به حتى وقت قريب، ولعلنا نذكر تلك الاحتفالات في الإذاعة المصرية من خلال الأغنية الشهيرة التي كان يتغنى بها المطرب فايد محمد فايد، وهي "القمح الليلة الليلة، الليلة عيده، يا رب تبارك تبارك وتزيده". وتحتفل بعض الأقاليم المصرية إلى الآن بعيد الحصاد على طريقتها الخاصة، حيث يقيم أهل سيوة ولائم طعام جماعية، ويستثمرون المناسبة أيضًا في مصالحة المتخاصمين وإبرام عقود الزواج وإعلان الأفراح، حسبما أشار الأستاذ سامي حرك في كتابة "الأعياد". وتستطيع أن ترى أهمية محصول القمح عند الفراعنة من خلال تلك الصور التي نقشت على جدران معابدهم، مثل صورة رمسيس الثالث على أحد جدران معبده بمدينة الأقصر من الأسرة العشرين وهو ممسك بمنجل، ويفتتح موسم الحصاد. وكان يتم تقديم بشائر أو باكورة المحصول للإله المحلي من خلال عروس القمح، حيث تضفر من سنابل القمح وسيقانه في شكل العلامة الهيروغليفية "عنخ"، وهي رمز فصل الحصاد، وتعني "الحياة"، وكانت تقدم أيضًا إلى الإله "مين" إله الإخصاب والتناسل والإلهة "رننوت" أو "رنوت" إلهة الحصاد وابنها الإله "نبرى" إله الحبوب، وتقدم لصاحب المزرعة دليلًا على وفرة المحصول، ولا نزال حتى اليوم نضفر عروس القمح، ونعلقها في منازلنا في الريف؛ رمزًا للخير. تستمر أعياد الحصاد طوال شهر "برمودة"، ويكون للآلهة المحلية نصيب فيها، فهي فرصة الفلاحين للترويح عن أنفسهم بعد عناء العمل الزراعي طوال الشهور السابقة، وفي موسم الحصاد أيضًا يحتفل بالإلهة إيزيس رمز أرض مصر وخصبها، فيحملون السلال وهي مليئة بسنابل القمح؛ اعترافًا بفضلها هي وزوجها أوزوريس على الزراعة والمزارعين، ويصاحب الاحتفال بعيد الحصاد ألعاب رياضية ورقص وغناء، ونشاهد ذلك في مناظر عيد المعبودة "حت حور" بمناسبة الحصاد، كما نشاهد ذلك على جدران مقبرة "إن تف أوكر " ب "طيبة" من الدولة الوسطى، حيث نرى الرجال والنساء يرقصون ويؤدون ألعابًا بهلوانية، بينما العمال يخزنون الحبوب في الصوامع الكبيرة.