ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان بمقدور مجلس الدولة إصلاح ما أفسدته النظم السياسية السابقة واللاحقة وتفريطها في مكتسبات أساسية هي من حق الشعب المصري، فالتفريط طال مجموعة من مقومات الدولة المائية والبرية وحتى الحيوية منها، حيث من المقرر أن تنظر الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، برئاسة المستشار بخيت إسماعيل، اليوم الثلاثاء، عددًا من القضايا الهامة، كاتفاقية قبرص، وحقوق مياه النيل. ترسيم الحدود مع قبرص وتيران وصنافير كان مجلس الدولة قد ناقش سابقًا قضية الجزيرتين تيران وصنافير، وأصدر حكمًا بمصريتهما، وهو الحكم الذي عارضته محكمة الأمور المستعجلة مؤخرًا. ومن المفترض أن يناقش مجلس الدولة دعوى للسفير إبراهيم يسري، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، لإلغاء قرار الحكومة المصرية، بالتوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية، التي وقعتها مصر مع قبرص عام 2004، وتأتي أهمية هذه المناقشة كنتيجة للأهمية الاقتصادية التي كانت ستعود على مصر حال لم تتنازل عن حدود لها تقع فيها كميات هائلة من الغاز لصالح قبرص، خاصة في ظل المخطط التنفيذي الذي يضعه الكيان الصهيوني في منطقة شرق البحر المتوسط، حيث يعتزم هذا الكيان مد أطول أنبوب غاز طبيعي تحت مياه البحر بالتعاون مع قبرص واليونان، ليصل هذا الأنبوب في نهاية المطاف إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا. الدعوى المقامة أمام مجلس الدولة تتهم حكومة النظام السابق؛ وعلى رأسها وزير البترول الأسبق، سامح فهمي، بالتقاعس عن الدفاع عن حق مصر في هذه الحقول لسنوات طويلة، وتقول الدعوى إن حقل "أفروديت"، الذي يقع في البلوك-12 في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس، الذي يدخل في عمق منطقة امتياز نيميد، والتي منحتها مصر لشركة شل ثم تراجعت عنها دون مبررات منطقية أواخر عام 2015، تقول الدعوى إنه يدخل ضمن حدود مصر البحرية منذ أكثر من 2000 سنة، حسبما جاء في الدعوى والتقريرين العلميين. الجدير بالذكر أن الكيان الصهيوني، وحتى سنوات قليلة خلت، كان مستوردًا للغاز الطبيعي، لكنه وبعد اكتشاف حقول للغاز في المتوسط، لم يصبح مكتفيًا ذاتيًا من الغاز فحسب، بل يسعى أن يصدر هذا الإنتاج من الغاز، حيث اتفقت إسرائيل مع دول أوروبية على مد أنبوب من الغاز الآنف ذكره على طول 2200 كيلومتر وبكلفة تتجاوز 6 مليارات دولار، لتصدير ما تقول إنه غازها الطبيعي. تبلغ احتياطيات حوض بحر المتوسط المكتشفة من الغاز حوالي 122 تريليون قدم مكعب وفق تقارير دولية ذكرت أن هذا الاحتياطي يفوق أهمية ما اكتشف في دول الخليج من نفط قبل عقود، لكن هذه الثروات الضخمة محل نزاع من المفترض أن يحسمه قانون البحار الدولي، الذي يختص بالمناطق الاقتصادية الخالصة لكل دولة، وحدد القانون هذه المناطق ب 200 ميل بحري يحق للدولة أن تمارس فيها الاستغلال والتنقيب. في العام 2011، قالت قبرص اليونانية إنها اكتشفت أحد أكبر حقول الغاز في العالم وأسمته "أفروديت" ويحوي احتياطيات تقدر مبدئيًا بقيمة 120 مليار دولار، بينما أعلنت إسرائيل اكتشاف حقل "ليفياثان" باحتياطيات تقدر بنحو 18 ترليون قدم مكعب، إلى جانب حقل آخر هو "شمشون" الذي أعلن عن بدء تطويره لصالح الكيان الصهيوني أيضًا، وتقدر احتياطياته بأكثر من 3 تريليونات قدم مكعب، وتقع الحقول الثلاثة على بعد يتراوح بين 114 و190 كيلومترا عن دمياط المصرية، وهي بذلك تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، بينما تبعد أكثر من ذلك بكثير عن حيفا بمسافة تقدر ب240 كيلومترا. في ديسمبر 2013 وقع الرئيس المصري عدلي منصور، اتفاقية مريبة بفرض منطقة تنقيب بالتنسيق على طول الحدود المصرية القبرصية، وبعمق 10كم في المياه المصرية من خط المنتصف؛ وبذلك تم إخراج حقل أفردويت رسميًا إلى الحدود القبرصية، كما أن هذا الموقف يعني أن قبرص ستواصل تطوير حقل يُتوقع أن يجلب لها 10 مليارات دولار سنويًا، بينما لن يسمح لمصر بالتنقيب في هذا الشريط بعرض 10كم. في 10 سبتمبر 2014 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرارا بالموافقة على اتفاقية إطارية وقعت آخر العام السابق بين بلاده وقبرص بشأن التعاون في تنمية حقول الغاز في مياه البحر الأبيض المتوسط. تجدر الإشارة إلى أن السفير يسري، سبق أن أقام دعوى مماثلة بذات الطلبات حول ترسيم الحدود مع قبرص، وقضت محكمة القضاء الإداري في 2013 بعدم اختصاصها ولائيا بنظر تلك الدعوى، معتبرة قرار توقيع مصر على الاتفاقية عملا من أعمال السيادة، إلا أنه وعقب صدور حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان قرار توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر للمملكة السعودية، عاد يسري وأقام دعوى جديدة طالب فيها ببطلان قرار توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص. حقوق مصر في مياه النيل تنظر المحكمة أيضًا دعوى أخرى للسفير يسري، خاصة بالاتفاقية بين مصر والسودان وإثيوبيا، اختصم فيها رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الموارد المائية والري، وأكدت الدعوى أن الاتفاقية تهدد وتضر بحصة مصر من مياه النيل، بعد بناء سد النهضة. ففي مارس من عام 2015، وقع الرئيس السيسي مع السودان وإثيوبيا وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة في الخرطوم، وتعني ضمنياً الموافقة على استكمال إجراءات بناء السد، مع إقامة دراسات فنية لحماية الحصص المائية من نهر النيل للدول الثلاث التي يمر فيها، حيث يقام سد النهضة على النيل الأزرق، أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، فيما تجاهد إثيوبيا لاستكمال بناء السد، بغض النظر عن نتائج الدراسات الفنية التي تتم بإشراف بريطاني وفرنسي، حيث أنجزت إثيوبيا أكثر من 65% من البناء، بينما تتخوف مصر من تأثير سد النهضة على حصتها السنوية من مياه النيل والبالغة (55.5 مليار متر مكعب).