تتجه أنظار العالم أجمع إلى تركيا الأسبوع المقبل؛ مع إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تعزز الصلاحيات الرئاسية، ووسط التحضيرات النهائية لجميع الأحزاب السياسية المؤيدة والرافضة للاستفتاء، يكثف الرئيس رجب طيب أردوغان، من حملاته الدعائية الدينية والقومية لتأمين الأصوات اللازمة للتصويت بنعم، في حين يحاول المعارضون كشف مخططات الرئيس التركي بكل الطرق لتفويت الفرصة عليه لعدم استغلال الدين في الأمور السياسية. وأقر البرلمان التركي في 21 يناير الماضي مشروع التعديلات الدستورية الذي يشمل زيادة عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا، ولإقرار التعديلات الدستورية، ينبغي أن يكون عدد المصوتين في الاستفتاء بنعم أكثر من 50% من إجمالي الأصوات. وبحسب المشروع الذي قدم إلى البرلمان، تتمثل أبرز التعديلات الدستورية التي يطمح إليها أردوغان وحزبه، إلغاء منصب رئيس الوزراء لأول مرة في تاريخ تركيا وتولي الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، وأن تكون ولاية الرئيس 5 سنوات، ولا يحق له البقاء في منصبه لأكثر من دورتين، وأن يتولى رئيس البلاد قيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، وتكون له صلاحية إعلان حالة الطوارئ. وكلما اقترب موعد إجراء الاستفتاء، يزداد الزخم في الشارع؛ حيث زادت حالة الاستقطاب الحاد، بين مؤيدي النظام الرئاسي أو ما بات يعرف بجبهة «نعم» بقيادة حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، وبدعم من حزب الحركة القومية، وبين معسكر المعارضين له وهم جبهة «لا»، التي يتزعمها حزب الشعب الجمهوري بالتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي. ويكثف أردوغان من حملات الدعاية لتأمين الأصوات ضمن معسكر «نعم»؛ من استغلال معركته مع أوروبا، كما يحاول حشد التيار الإسلامي عبر الخطابات الدينية والشيوخ الإسلامية لضمان تمرير التعديلات الدستورية. وشن الرئيس التركي في الأيام الماضية هجومًا على بعض الدول الأوروبية واتهمها بالنازية ومعاداة المسلمين والأتراك، لكن مراقبين رأوا أن الهجمة محاولة لتأليب العصبية الدينية والقومية لدى الأتراك للالتفاف حول شخص أردوغان بترويج نفسه على أنه المدافع عن الدين والقومية التركية. كما استخدم أردوغان بحسب الصحف التركية، في حملته للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية، شيوخ ودعاة إسلاميين ومصطلحات دينية لكسب تعاطف المؤيدين، حيث أكد كاتب صحيفة جمهورية التركية، أوزجور مومجو، أن السياسيين التابعين لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، رغم أن أغلبهم لا يميل لفكرة التعديلات الدستورية، إلا أنهم سيخضعون في المقام الأول لوصاية وتوجيهات أستاذ الشريعة التركي، خير الدين كارامان، الموصوف في تركيا ب«شيخ السلطة» «وشيخ أردوغان»، وهو الذي يدعم توجه الرئيس التركي بتحويل النظام إلى رئاسي ويعمل على تسويقه بمصطلحات إسلامية. واستند مومجو لعبارات إحدى المقالات التي نشرت في إحدى الصحف التابعة لأردوغان بعنوان «الطاعة»، الذي ذكر خلالها أن العلماء هم «أولي الأمر» من الدرجة الأولى، ويأتي الإداريون والرؤساء وكل من يشغل منصبًا قياديًّا في الدرجة الثانية، ثم دعا السياسيين التابعين لحزب العدالة والتنمية الذي يريدون أن يصوتوا ب«لا» في الاستفتاء إلى الخضوع لوصاية خير الدين كارامان الذي يصف نفسه ب«ولي الأمر». وانتقد الكاتب الصحفي تسويق الشيخ كارامان لأردوغان والنظام الرئاسي من خلال استخدام مصطلحات إسلامية، من قبيل أولي الأمر، والخليفة، وغيرهما، وضرورة طاعة ولي الأمر، سواء كان عالما أو إداريًّا أو حتى موظفًا تم تعيينه من قبل السلطة الحاكمة، ولزوم تجنب مخالفة أوامره. وكان كارامان وصف في وقت سابق من سيصوتون بلا، خلال الاستفتاء الدستوري بأعداء الإسلام والمستغربين الذين تغربوا عن قيمهم، وقالت صحيفة زمان التركية، إن الشيخ خير الدين كارامان ينتقد في تركيا لمحاولاته إضفاء الشرعية على ممارسات الرئيس أردوغان، حيث سعى لتبرير ممارسات الفساد التي تورطت فيها حكومة أردوغان سابقًا بالقول «إن الفساد لا يعني اللصوصية»، اعتمادًا على الفروق اللغوية بينهما واختلاف عقوبتهما، سعيا للتقليل من شأن الفساد. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها أردوغان المنابر الدينية لإحراز مكاسب سياسية؛ فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة، دعت الشخصيات الموالية للحكومة التركية التي ظهرت على شاشات التليفزيون وزارة الشؤون الدينية لحشد الشعب التركي للدفاع عما وصفته بالديمقراطية، ووقف الرئيس التركي جنبا إلى جنب مع محمد جورميز، رئيس هيئة الشؤون الدينية، وهي المؤسسة الدينية الرسمية في تركيا، ليشجع الناس على النزول إلى الشوارع للتعبير عن التضامن مع أردوغان وحكومته ضد محاولة الانقلاب العسكرى. أما فى ليلة 15 يوليو يوم الانقلاب، أرسلت الهيئة الدينية التركية رسالة نصية إلى هواتف 110 آلاف من الأئمة من موظفى الحكومة أنفسهم، لأمرهم بدعوة المواطنين للذهاب إلى 85 ألف مسجد، وتم إلقاء القبض على جميع الأئمة الذين لم ينادوا للصلاة فى المسجد والنزول للشوارع، وفقا لصحيفة المونيتور الأمريكية. وبين محاولة الانقلاب الفاشلة والاستفتاء على التعديلات الدستورية، تشابهات كثيرة تؤكد استخدام الرئيس التركي للمنابر الدينية، لكن يرى مراقبون أن لجوء أردوغان إلى هذه السياسة الدعائية، تتسق مع شخصيته وفكره وأيدلوجيته التي توضح بما لا يدع مجالًا للشك بعده عن الدولة المدنية والعلمانية، وأكد المراقبون أنه رغم محاولات الرئيس التركي السابقة لاستخدام الدين في السياسة، إلا أن محاولة الانقلاب الفاشلة كانت نقطة تحول في العلاقات بين الهيئة الدينية بالتحديد والمؤسسات التركية الحاكمة؛ إذ تمكن رجال الدين والسياسة مع بعضهم من تدمير شعار فصل الدين عن الدولة.