مر 41 عامًا على يوم الأرض الفلسطيني، حيث يحيي الفلسطينيون اليوم الثلاثين من مارس كل عام ذكرى حدث محوري في الصراع على الأرض مع الكيان الصهيوني، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُنظم فيها العرب في فلسطين منذ عام 1948 احتجاجات جماعية وطنية؛ ردًّا على السياسات الصهيونية المتعجرفة. تعود أحداث هذا اليوم إلى قيام سلطات الاحتلال بمصادرة آلاف الأراضي ذات الملكية الخاصة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذات أغلبية سكانية فلسطينية في الجليل، ومنها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد، وعم إضراب فلسطيني عام حينها ومسيرات من الجليل إلى النقب، واندلعت مواجهات، أسفرت عن سقوط ستة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات. واستهدف الاحتلال بمصادرة هذه الأراضي الفلسطينية بناء المستوطنات الجديدة في نطاق خطة تهويد الجليل وتهجير سكانه، وبينما أعلن الفلسطينيون في أراضي 48 إضرابًا عامًّا، حاولت القوات الصهيونية كسر الإضراب بالقوة، الأمر الذي أدي إلى صدام عنيف بين المواطنين والقوات الإسرائيلية، كانت أوسعها عنفًا في قرى سخنين وعرابة ودير حنا. وبحسب الإحصائيات والتقارير السابقة للجنة القيادة العليا لفلسطينيي 48 فإن الاحتلال صادر منذ نشأته من العرب نحو مليون ونصف المليون دونم حتى عام 1976، ولم يبقَ بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، عدا ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضي المشاع العامة، في حين أكد مؤرخون أن مصادرات الأراضي بهدف التهويد بلغت ذروتها في عام 1976 بذرائع مختلفة، منها إنشاء قوانين غير شرعية، مثل خدمة الصالح العام أو تفعيل ما يعرف بقوانين الطوارئ الانتدابية. وبالإضافة إلى الاستفزازات الإسرائيلية في ذلك الوقت، والتي استهدفت الأرض الفلسطينية، كان صدور وثيقة "كيننغ" السرية في أول مارس عام 1976 أحد أسباب الاتجاه نحو الإضراب العام الفلسطيني، حيث صدرت هذه الوثيقة من قبل متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية "يسرائيل كيننغ"، وسميت فيما بعد باسمه، واستهدفت إفراغ الجليل من أهله والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها، داعية في طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراضٍ زراعية ومحاصرتهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد للاستيطان في منطقتي الجليل والنقب. وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودي في شمال الجليل، وإقامة حزب "عربي"، يعتبر "أخًا" لحزب العمل الإسرائيلي، ويركز على المساواة والسلام، ورفع التنسيق بين الجهات الحكومية في معالجة الأمور العربية، كما شددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادي على العائلات العربية عبر ملاحقتها بالضرائب، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب والطلاب العرب إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها. هبة يوم الأرض التي اعتبرت مجدًا للشهداء عبرت عن مدى الوحدة الفلسطينية في ذلك الوقت في مواجهة الاحتلال الغاشم، فيما كان الرد الصهيوني على هذه الوحدة شديدًا عسكريًّا ، باعتبارها أصعب تحدٍّ بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، حيث دخلت قوات معززة من جيش الاحتلال مدعومة بالدبابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية، وأعادت احتلالها. ورغم مرور عشرات السنوات على هذه الذكرى، لم يمل فلسطينيو أراضي 48، بل كافة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، من إحياء يوم الأرض، الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وأنه انعطافة تاريخية في مسيرة بقائهم وانتمائهم، وتأكيد على تشبثهم بوطنهم وأرضهم، حيث اعتبر الاحتلال مسألة تغير ديموغرافية الأرض الفلسطينية أولوية له لإنجاح المشروع الصهيوني وفق الأدبيات الصهيونية، خاصة الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا عام 1897م. وبعد 41 عامًا على هذه الهبة رصد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الحكومي مدى خطورة معركة الأرض، حيث أصدر تقريرًا عن أن الاحتلال في تلك الفترة استولى على 85% من أراضي فلسطين التاريخية، وجاء في التقرير، الذي صدر أمس بمناسبة "يوم الأرض"، أنَّ إسرائيل تستولي على مساحة قدرها 277 ألف كيلومتر مربع، فيما يستغل الفلسطينيون حوالي 15% فقط من أرضهم التاريخية. وأضاف التقرير "بلغت نسبة الفلسطينيين أكثر من 48% من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية، مما يقود إلى الاستنتاج بأنَّ الفرد الفلسطيني يتمتع بأقل من خُمس المساحة التي يستحوذ عليها المستوطن الصهيوني من الأرض". وأوضح أنَّ مجموع الأراضي المصنفة ك"أراضي دولة"، وتسيطر عليها السلطات الصهيونية في الضفة الغربية أكثر من 2,247 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، أي ما يعادل حوالي 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية. وتشير البيانات إلى أن السلطات الإسرائيلية هدمت خلال العام الماضي 1032 منزلًا ومنشأة في الضفة الغربية، بما فيها القدسالمحتلة، ما أدَّى إلى تشريد نحو 1620 مواطنًا نصفهم من الأطفال، مشيرة إلى أن الكيان الصهيوني هدم خلال العام الماضي نحو 309 مبانٍ ومنشآت تجارية وزراعية في القدسالشرقية، وأصدرت 227 أمر هدم، بينما صدقت على تراخيص بناء لآلاف الوحدات السكنية في المستوطنات المقامة على أراضي القدس. دكتور جهاد حرازين، القيادي الفتحاوي، علق على يوم الأرض مؤكدًا أنه أصبح عادة فقط لدى الجميع، نسترجع فيه الذكري بكلمات أو باحتفالية أو ندوة، يتحدث فيها أحد الأشخاص، في ظل حالة التهويد وسرقة الأرض وتغول الاستيطان على كل أرضنا الفلسطينية، وفي ظل الإجراءات والاعتداءات الصهيونية على كامل قرانا ومدننا بفلسطين ومصادرة الأراضي وتوسع الاستيطان، في مشهد مريع ينذر بالكارثة، مؤكدًا أن المطلوب من الفلسطينيين أن يدقوا نواقيس الخطر؛ لحماية ما تبقى من الأرض والدفاع عنها، متسائلًا: هل سنترك الصمت المدقع يخيم على المكان وكأنه لا شيء هناك، وننتظر ما ستحمل لنا الأيام؟ إلى متى سيبقى هذا الانقسام البغيض؟ متى سيحتكم الآخرون للعقل والوطن؟ أم أن الكرسي والمصلحة الذاتية والحزبية أغلى من الوطن؟ متى سنعود موحدين ملتفين حول القيادة الشرعية داعمين لها فى معركة الصمود والتحرير؟ وأضاف الحرازين أن ذكرى يوم الأرض الأربعين في ظل الممارسات الاحتلالية التي تهدف إلى تقويض عملية السلام تدلل على أن حكومات الاحتلال المتعاقبة مستمرة في سياسة الاستيطان المتواصلة، حيث ما زالت مصادرة الأراضي. وأكد أن الجماهير هي وقود الثورة وحاميها وزخمها الثوري والأحرص على الوطن، مشددًا على أن القيادة الفلسطينية في معركتها بحاجة إلى الجماهير؛ لتلتف حولها وتدعمها فى كافة المواقف. من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، والقيادى بحركة فتح «أيمن الرقب»، إن «يوم الأرض» يوشح «بلون الدم»، مضيفًا أن الفلسطينيين يعبرون في كل أماكن تواجدهم عن رفضهم الاحتلال الصهيوني الذي سيطر على الأرض بقوة الحديد والنار. وأضاف القيادى الفلسطيني في تصريح ل "البديل" أن احياء الفلسطينيين يوم الأرض هو إعلان تمسكهم بأرضهم وحرصهم على إعادتها من المحتلين مهما طال الزمان، وأن هذا حلم يرثه جيل بعد جيل، مؤكدًا أنهم في هذا اليوم ينتفضون؛ ليسقطوا مقولة جولدامائير، رئيسة حكومة دولة الاحتلال في الستينيات: كبارهم يموتون وصغارهم ينسون.