أمر شديد القسوة أن تعمل سيدة بمهنة الرجال وسط بيئة خشنة لا تسمح للمرأة بالعمل، لكن ظروف المعيشة الصعبة فرضت نفسها على الفتاة التي كانت تداعبها يوما ما أحلام ارتداء الزي المدرسي. في مركز البداري بأسيوط، ومع مطلع الفجر، تستيقظ "سوسن" كل يوم لتحمل الشبكة وأدوات الصيد وتستقل مركبا صغيرا فى البرد القارص، طمعا في ما يجود به القدر من رزق تستعين به على قضاء حاجات أسرتها ومتطلبات أولادها ونفقات علاج زوجها المريض. "مش كل رامي شبك صياد.. ممكن تكون صيادة".. سوسن عبد الحميد عطية، امرأة في الخمسين من عمرها، دعتها الظروف ومتطلبات الحياة لتمسك بالشباك وتحل محل زوجها الذي يعانى من عدة أمراض منذ عدة سنوات، وكانت تخرج معه على استحياء في بداية مرضة، لتمد له يد العون وقتما يلقي الشباك أو يجمعها، تساعده على قدر ضعفها كامرأة، وتمنحه بعضا من دفء الحياة في مهنة لا تعرف الدفء، حيث يمكث الرزق في جوف المياه، وكانت هي وزوجها يدا بيد من أجل تربية أطفالهما. إلى جوار خيوط الشباك تنتظر سوسن بشغف، لعلها تجني خلال رحلتها في مياه النيل، حيث تصطاد، كميات وفيرة من الأسماك لتحملها في رحلة جديدة إلى أسواق القرية لبيعها والحصول على ما يكفي للبر بمطالبها، ورغم ذلك، فلطالما عانت من شح الرزق، وبين هذا وذاك، تعلمت الصبر، ولا تزال تحلم بيوم يكفيها شر تلك اللحظات الصعبة. تستيقظ سوسن مبكرا وتعمل على تجهيز كافة الأدوات من الشباك، ثم تنطلق بصجبة ابنها الصغير إلى النهر لتأجير أحد المراكب الصغيرة بملغ يتراوح بين 20 و30 جنيها، لتبدأ مهمتها في الصيد برمي الشباك وتظل حتى الظهر، وتعود للعمل مرة ثانية حتى الليل. اضطرت "سوسن" لتعليم أولادها الذين خرجوا من المدارس مهنة الصيد تحت ضغط الظروف القاسية، ووما زاد الأمر صعوبة في الفترة الأخيرة أن آلات الري قامت بجرف الشواطئ مما جعل السمك يترك أماكنه حتى إن الشباك كثيرا ما تخرج خالية إلا من القليل من السمك فى بعض الأيام.