أزمة سياسية تدور رحاها في موريتانيا هذه الأيام، وذلك على خلفية التعديلات الدستورية التي اتفق عليها الفرقاء السياسيون في جلسات الحوار الأخيرة، قبل أن يختلفوا في الوقت الراهن، فبينما أصرت الحكومة الموريتانية على تمرير التعديلات داخل البرلمان، رفضِت المعارضة تلك الخطوة، واعتبرتها غير دستورية؛ لعدم تمريرها عن طريق استفتاء شعبي. ووافق البرلمان البرلمان الموريتاني، الخميس، لصالح إجازة مشروع لتعديل دستور البلاد قبل إحالته إلى مجلس الشيوخ، وسط رفض من جانب المعارضة، حيث أيد 121 نائبًا التعديلات الدستورية، بينما صوت 19 نائبًا ضدها، وامتنع نائب واحد عن التصويت. ورأت أحزاب معارضة أن تعديل الدستور الموريتاني في ظل غياب توافق سياسي أمر غير مقبول، وتوعدت بالسعي إلى إفشاله عبر وسائل النضال الشعبي، داعية مجلس الشيوخ لرفض المشروع، الذي في حال الموافقة عليه، يمكن لرئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز عرضه على الشعب في استفتاء شعبي أو تمريره عبر جلسة مشتركة للنواب والشيوخ. وتشمل أبرز التعديلات الدستورية إلغاء غرفة مجلس الشيوخ البرلمانية، ومحكمة العدل السامية، وإنشاء مجالس جهوية (إدارية) للتنمية، وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة، وتغيير العلم الوطني، ودمج المجلس الإسلامي الأعلى ومؤسسة وسيط الجمهورية في مجلس واحد، تحت لواء المجلس الأعلى للفتوى والمظالم. وتثير التعديلات الدستورية المقترحة خلافًا بين النظام الموريتاني والمعارضة، ففي حين قاطعت بعض فصائل المعارضة الحوار برمته، وافقت عليه فصائل معارضة أخرى ولكن بتحفظ، ويرى الحزب الحاكم أن التعديلات ضرورية وأنها تدخل ضمن صلب اختصاصات الرئيس والمجلس التشريعي للبلاد، وتهدف لجعل الحياة التشريعية في البلاد ديمقراطية، من خلال إلغاء مجلس الشيوخ الذي يتهمه الرئيس بعرقلة إصدار القوانين. لكن تتوجس المعارضة، خاصة المتشددة منها، من أن يكون التعديل غطاء لرغبة الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، في مد فترته الرئاسية، وهو الأمر الذي ينفيه الرئيس، ونظم أنصار المعارضة في موريتانيا السبت في شوارع العاصمة نواكشوط، مسيرة مناهضة لتعديل الدستور، ودعا نشطاء المعارضة المنضوون تحت لواء منتدى الديمقراطية والوحدة، إلى التصدي لتعديل الدستور ورفض تغيير علم البلاد ونشيدها. المعارضة التي تتكون من نحو 15 حزبًا وعلى رأسها ثلاثة أحزاب رئيسية، وهي اتحاد قوى التقدم والتكتل وكتلة المنتدى، وترفض التعديلات الدستورية، تؤكد أن السلطات تصر على تمرير تلك التعديلات ضد إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب والطبقة السياسية، موضحه أن التعديلات الدستورية المقترحة لا تكتسي أي طابع استعجالي، ولا تحمل أي حل للمشاكل العميقة التي تعاني منها البلاد، خاصة الأزمة السياسية المتمثلة في عدم حياد الدولة واختطافها لصالح النظام ضد الفرقاء السياسيين الآخرين. لكن هناك جزء آخر من المعارضة، وهو الذي شارك في الحوار، لديه نظره مختلفة، فهو يوافق على التعديلات الدستورية، لكنه يؤكد على ضرورة تمريرها عبر استفتاء للشعب، وما أربك هذه المجموعة التي توصف بالمعتدلة هو أن الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز كان قد أكد فى خطاب اختتام الحوار الوطني قبل أشهر أن التعديلات لن تتم إلا عبر استفتاء شعبي، إلا أنه عاد ليقول إنها ستتم عبر تصويت داخل البرلمان. وتنص المادة 99 من الدستور الموريتاني في فقرتها الأولى على أنه: يملك كل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مبادرة مراجعة الدستور وتعديله، من خلال عرض تلك التعديلات على الشعب مباشرة عن طريق الاستفتاء، أو يعرض تلك التعديلات على البرلمان مجتمعًا في مؤتمر. وتنص المادة 101 على أنه: لا يقدم مشروع المراجعة للاستفتاء إذا قرر رئيس الجمهورية أن يعرضه على البرلمان مجتمعًا في مؤتمر، وفي هذه الحالة لا يصدق على مشروع المراجعة ما لم يحصل على أغلبية ثلاثة أخماس (3/5) من الأصوات المعبر عنها. لم تكن هذه المرة الأولي التي يتم فيها تعديل الدستور، ففي عام 2006 أدخل مجلس الحكم العسكري الانتقالي في موريتانيا تعديلات على دستور 1991، وعرضها على استفتاء عام في 25 يونيو 2006، فوافق عليها الشعب بأغلبية كبيرة، وكان من أهم التعديلات الدستورية: تقليص فترة الولاية الرئاسية إلى خمس سنوات ومنع تجديدها أكثر من مرة واحدة، وعدم ترشح من تجاوزت أعمارهم 75 عامًا للرئاسة, منح رئيس البلاد صلاحيات واسعة منها تعيين رئيس الوزراء، لكنها أعطت البرلمان الحق في الاعتراض على قرارات الحكومة أو سحب الثقة منها، كما حظر الدستور الجديد على الرئيس تولي أي منصب حزبي.