في الوقت الذي تعددت فيه المبادرات الخليجية والعربية لإنهاء التوتر السعودي الإيراني، وتخفيف حدة الخطاب العدائي بين الجانبين، قدمت الصين أيضا مبادرة لحل الخلافات بين البلدين، معتمدة على العلاقة الطيبة التي تجمعها بالطرفين، ورغم أن دور الصين كان يقتصر خارجيًا على لعب أدوار إقليمية تمسها جغرافيًا، مثل الملف النووي الكوري، لكن الفترة الأخيرة، شهدت تحولا بارزا في حدود هذا الدور؛ فأصبحت مهتمة أكثر بشؤون الشرق الأوسط؛ بهدف الحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة. وجاءت المبادرة على لسان وزير الخارجية الصيني، وانغ إي، الذي أكد أن بلاده تأمل أن تحل السعودية وإيران الخلافات القائمة بينهما من خلال المساواة والتشاور الودي، مضيفًا: "باعتبار الصين صديقاً مشتركاً لكل من إيران والسعودية، فإنها على استعداد لأن تلعب الدور المطلوب منها إذا لزم الأمر". وجاء الحديث قبل أيام قليلة من الزيارة التي يخوضها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، إلى الصين منتصف الشهر الجاري، في إطار جولة آسيوية واسعة تشمل سبع دول تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع دول شرق آسيا، على رأسها الصين أكبر مستوردي نفط المملكة، وبيع حصة من شركة أرامكو السعودية إلى بكين، والبحث عن أماكن أكثر أمنا للاستثمار في ظل التهديدات الأمريكية بتجميد أموالها، واحتمالية مصادرتها في حال المضي قدما في العمل بقانون محاكمة الدول الداعمة للإرهاب "جيستا" أمام محاكم أمريكية. وتشهد العلاقات بين السعودية وإيران أزمة دبلوماسية في السنوات القليلة الماضية؛ بسبب خلافات في ملفات الشرق الأوسط، أبرزها الملفين السوري واليمني، لكن مراقبين يرون أن تعدد المبادرات الدولية لحل الخلافات يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات انفراجة، فهناك مؤشرات تؤكد أن البلدين باتا أقرب من أي وقت مضى للحوار، وحل الخلافات بينهما بالطرق الدبلوماسية. وعزا كثيرون ذلك إلى وجود مفاوضات واسعة بين الجانبين بشأن مشاركة الإيرانيين في مناسك الحج للعام الجاري، حيث زار وفد إيراني في الأسابيع القليلة الماضية الرياض للتباحث حول شروط مشاركة الحجاج الإيرانيين في أداء مناسك الحج للعام الجاري، بعد تلقي دعوة من الجانب السعودي، فضلا عن مؤشرات بوجود مرونة في المفاوضات المتعلقة بهذا الملف وإزالة غالبية العقبات التي تحول دون عودة الحجاج الإيرانيين، الأمر الذي يعكس رغبة مشتركة أقوى في الحوار، وتسوية الخلافات، كما أن يرى مراقبون أن المبادرة الصينية تأتي في وقت حسم فيه ملفات خلافية كالملف اللبناني، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عن وجود تعاون إيراني – سعودي في التسوية اللبنانية؛ من انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس الحكومة. ولم تكن المبادرة هي الأولى حول الإعلان عن دور صيني في حل الخلافات السعودية الإيرانية في المنطقة؛ فخلال زيارة للرئيس الصيني، شي جين بينج، للسعودية وإيران في يناير العام الماضي، طرحت هذه المسألة من قبل، إلا أنها لم تحقق الهدف منها، لاسيما أن الزيارة كانت في أوج توتر العلاقات السعودية الإيرانية، لكن في الوقت الحالي، يرى مراقبون أن الظروف تغيرت، وكثير من ملفات المنطقة أصبحت محسومة. من جانبها، رحبت السفارة الإيرانية في بكين بالوساطة الصينية، وأعربت عن استعدادها للحوار مع الرياض، بينما لم يصدر أي رد فعل عن الرياض تجاه المبادرة، لكن يرى مراقبون أن الظروف السعودية تغيرت في الأشهر الأخيرة، وربما باتت القيادة السعودية أقرب أكثر من أي وقت مضى لفتح قنوات الحوار مع إيران، خاصة بعدما تفاقمت أزمتها المالية، ولم تحقق حربها في اليمن الأهداف التي انطلقت من أجلها، ولعب الدور الروسي دورا كبيرا في ملفات المنطقة على حساب الحليف الأمريكي، وخسارة معاركها في سوريا بعد استعادة الجيش السوري لمدن حلب وتدمر ومنبج. وبالمقارنة بالوساطات الأخرى، يرى مراقبون أن فرص الوساطة الصينية في النجاح، أكبر من فرص أي وساطة أخرى، لاسيما أن الصين دولة كبرى ولها دوافع عدة لنجاح مثل هذه المبادرات كتعظيم الدور الصيني في المنطقة والمحافظة على التوازن الدولي مع روسيا وأمريكا في العلاقات الملفات الخارجية، كما أنها تسعى في غضون عدة سنوات أن تكون أقوى اقتصاد في العالم.