أصبحت العاصمة الروسية موسكو في نشاط دبلوماسي كبير مع القوى العالمية والإقليمية المعنية في عدد من الأزمات الجارية بمنطقة الشرق الأوسط، حيث اجتمع أمس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في زيارة رسمية تستغرق يومين، سيناقش كلاهما القضايا الهامة، ويشاركان في جلسة رفيعة المستوى لمجلس التعاون بين روسياوتركيا. في الوقت نفسه يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موسكو للقاء بوتين، ويبحثان الوضع الراهن في الشرق الأوسط وجوانب التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، كما سيلتقي وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو خلال الأسابيع القادمة، وهو أول لقاء لوزير خارجية بريطاني للبلاد منذ عام 2012. دبلوماسيون سويسريون رفيعو المستوى يشاركون فيما يسمى "تشكيلة جنيف"، والتي تهدف إلى حل النزاع السوري، بجانب بعض المسؤولين العسكريين والسياسيين من إيران، سيلتقون في موسكو، للوصول إلى حل بشأن الحرب السورية، كما أن وزير الخارجية الألماني، سيجمار غابريال، سيقوم بزيارة لموسكو للقاء نظيره الروسي. هذا التحول الدراماتيكي الكبير في النشاط الدبلوماسي الروسي يأتي وسط تزايد عدم الاستقرار في ليبيا، وانهيار تنظيم داعش الإرهابي في سورياوالعراق، وارتفاع التوترات في منطقة الجولان، وجولة جديدة من الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية. القانون الإسرائيلي الجديد والذي يشرع بأثر رجعي بناء 4 آلاف وحدة استيطانية يهودية على الأراضي الفلسطينية، خاصة في الضفة الغربية، بجانب الاستراتيجية الفلسطينية واحتمالات المواجهة بين الطرفين، وانهيار داعش، والتوترات بين العرب وإسرائيل، مع ازدياد النشاط الإرهابي، كل هذا سيؤدي لتدهور الحالة الأمنية في إسرائيل والمنطقة. وفي الوقت نفسه يسمح الصراع السوري لحركة المقاومة حزب الله بالحصول على العديد من الوسائل والمصادر المجانية فيما يتعلق بالصراع السوري الإسرائيلي والحدود الإسرائيلية اللبنانية، وهذا يعد سببًا أيضًا لمزيد من التصعيد في ظل الضربات العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد حزب الله وأهداف الجيش السوري. الموقف المتشدد المعادي لإيران والموالي لإسرائيل من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أزمة أخرى متوقعة، ومن جهة أخرى تدعم حكومة ترامب إسرائيل في المواجهة المتزايدة مع طهران، لوضع حد للتعاون الروسي الإيراني والنفوذ الإيراني في المنطقة. كما أن لدى البيت الأبيض خططًا واسعة من العمليات العسكرية على داعش في الرقة ودير الزور بسوريا والموصل في العراق، وتلعب إيران دورًا رئيسيًّا في كلا البلدين، بجانب قوات التحالف التي تقودها الولاياتالمتحدة والتي تتعاون مع إيران في العراق، كما يلعب التحالف الروسي السوري الإيراني دورًا في المواجهة شمال سوريا، حيث تسعى تركيا إلى قمع الأكراد هناك، وبالتالي في جميع الحالات سيتم الضغط على البيت الأبيض للتعاون بشكل مباشر أو غير مباشر مع طهران. وفي هذه الحالة ستسعى أنقرة إلى منع إنشاء دولة كردية في شمال سوريا، وستحاول تعزيز قوتها العسكرية ونفوذها السياسي بشكل كبير، ويأتي ذلك بالمشاركة في معركة الرقة التي تقودها الولاياتالمتحدة، ولكن ما هو غير ممكن حدوثه هو تخلي واشنطن عن الأكراد. كل ما يحدث حاليًّا يسمح لروسيا أن تركز جيدًا في إعادة صياغة موازين القوى في الشرق الأوسط، خاصة في فترة ما بعد داعش. ما يحدث حاليًّا من اجتماعات وأحداث يمكن مقارنته بمؤتمر طهران عام 1943، حين كان كل اللاعبين الرئيسين يفهمون أن العلاقات الإقليمية ستتحول بشكل دراماتيكي، ولكن احتمالات هذا التحول ليست واضحة. سوث فرونت