كتب: جمال عبد المجيد – أحمد الأنصاري – سيد عبداللاه محمد الحسيني – محمد ربيع – بسمات السعيد – بريهان محمد تتعدد مصادر الحصول على الثروة السمكية في مصر، فما بين البحار والأنهار، والبحيرات العملاقة، وآلاف المزارع، تنتج الدولة الأسماك بكميات هائلة، وبالرغم من وفرتها الكبيرة، فإن أسعارها ارتفعت بشكل كبير في الستة أشهر الأخيرة، ما دعا كثيرا من المواطنين للتساؤل عن أسباب ارتفاع الأسعار، والمطالبة بالسيطرة عليها. وتعد الأسماك من أهم مصادر الدخل القومي وتسهم بشكل كبير في توفير البروتين الحيواني والاستعاضة به عن اللحوم الحمراء والدواجن التي ارتفعت أسعارها بحيث لم يعد قطاع عريض من الشعب يستطيع تناولها، ويمثل قطاع القناة وسيناءوالبحر الأحمر المورد الأكبر لحصيلة مصر من الأسماك، إذ يعطي 70% من حجم الإنتاج الكلي لمصر، لتعدد البحيرات ومناطق الصيد في البحر الأحمر، فضلًا عن آلاف المزارع التي تنتشر بمحافظات الوجه البحري، وتقل تدريجيا بجنوب مصر وتختفي ببعض محافظات الصعيد. يقول الدكتور أحمد حنفي، الخبير الاقتصادي والتنموي، إن خريطة الاستزراع السمكي في مصر لا تسير فى مسارها الطبيعي، إذ تفقتد لكثير من الخطط الحقيقية وغياب الدور الفعال للهيئة العامة للاستزراع السمكي، ووفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة "فاو" فان إجمالي ما ينتجه العالم من الأسماك سنويا يقدر بنحو مليار و600 مليون طن سنويا، وتنتج المزارع السمكية ما يقرب من 73 مليون طن، وتحتل مصر المركز الخامس من حيث إنتاج المزارع السمكية في العالم بعد الصين والهند وفيتنام وبنجلادش. وأوضح حنفي ل"البديل" أن الجهاز المركزي للمحاسبات كشف مؤخرًا عن وجود فساد كبير بقطاع البحيرات وخاصة في سيناء، تسبب في ضياع ما يقرب من 50 مليون جنيه على الدولة، بالإضافة إلى 14 مليون جنيه أخرى ذهبت لمستشارين بهيئة الثروة السمكية، ورغم ذلك بلغت حجم الإنتاج السمكي في مصر نحو 2 مليار جنيه تقريبًا، ما أكد أن المنظومة الإدارية الحالية للهيئة السمكية تعاني فسادًا كبيرًا، ولا تقوم باستغلال الكثير من المناطق لتطوير ذلك القطاع شديد الأهمية، وهو ما ينعكس بمزيد من المشكلات على مصر والمواطنين. وانتقد الخبير الاقتصادي، عدم الاستغلال الأمثل لبحيرات "قارون، والمنزلة، والبردويل، والبرلس وقارون" مشددا على أهمية عمل مزارع سمكية على ضفاف تلك البحيرات، إذ لا تكلف الدولة مبالغ مالية كبيرة، وفي نفس الوقت ستعود بمكاسب كبيرة على المواطنين وتزيد الإنتاجية بنسب كبيرة، وكذلك استغلال المصارف الزراعية والتي في كثير من الأحيان تكون مياهها معالجة، وهي موجودة بمساحات هائلة، واصفا من يتهمون "التماسيح" بأكل الأسماك والقضاء على كميات كبيرة منها ببحيرة ناصر بالفشلة، لأنهم لا يعلمون أن التماسيح تأكل مرة أو مرتين شهريًا، وتعد كنزًا غير مستغل بمصر لأن ثمن التمساح يقترب من 10 آلاف جنيه، ما يعني ثروة بعشرات الميارات، إذا تمت العناية بها واستغلالها جيدا من قبل الدولة. وناشد حنفي، المسؤولين استغلال رأس الدلتا برشيد ودمياط، وكذلك منطقة القناطر، وشواطىء البحرين الأحمر والمتوسط، التي تمتد لمسافات هائلة، مؤكدا أن تلك المناطق كنوز حقيقية ولكنها غير مستغلة بشكل جيد، وإذا تم النظر إليها وتنفيذ مزارع بها بمبلغ مليار جنيه تقريبا ستعود بالنفع على الاقتصاد بما يقرب من 7.3 مليار جنيه سنويا. حنفي، طالب بضرورة تطوير التعامل مع منظومة الاستزراع السمكي، وعدم الاعتماد على هرمنة الأسماك لأنها تقلل جودتها وتحمل الدولة أعباء مالية، وضرورة استغلال بعض الجزر النيلية في عمل مزارع كجزيرة الوراق ذات الموقع المتميز، متسائلا: لماذا لا يتم عمل أحواضا سمكية للشباب هناك وتحويلها لمنطقة كبيرة لإنتاج الأسماك تساعد في تشغيل العاطلين، بدلا من تركها تتحول إلى منطقة عصابات وتجارة المخدرات؟. الدكتور علاء جاد الكريم محمود، أستاذ بيولوجيا الأسماك والاستزراع بجامعة الأزهر بأسيوط، قال إن الاستزراع السمكي في مصر أحد أهم الصناعات، ويمثل مصدرًا هامًا لقطاع كبير من الأفراد بعدد من المحافظات. وأضاف جاد الكريم ل"البديل" أن هناك مشاكل مرتبطة بالأداء الحكومي مثل مشكلات "العلف" الذي يعد المشكلة الأكبر في الاستزراع السمكي، موضحا أن هناك مكونا رئيسيا لعلف السمك يمثل 60٪ يسمى "مسحوق السمك" وهو منتج يتم استيراده من الخارج وتكلفته مرتفعه جدًا وزادت أكثر مع ارتفاع سعر صرف الدولار، فأصبح هناك عائق أمام استيراده مما أثر سلبا على الاستزراع، وطالب بالاستعانة ببدائل وحلول من الممكن أن تكون من أصل نباتي أو أصل حيواني. وأشار أستاذ بيولوجيا الأسماك إلى أنه تم عمل عدة أبحاث خلال الفتره الماضية، تم فيها استخدام اليرقات التي تنمو على "الجبنة" وأعطت نتائج متقدمة في سبيل إنتاج أنواع بديلة للعلف المستورد، وبالمقارنة بأسعار المستورد فإنها تعتبر غير مكلفة نهائيا. من ناحية أخرى، ارتفعت أسعار الأسماك بكافة أنواعها بنسبة تقترب من 45%، بكافة الأسواق، بعد أن كانت تعتبر البديل المناسب للحوم والدواجن التي ارتفعت أسعارها وخرجت عن السيطرة. المهندس رجائي عبد الفتاح، رئيس الغرف التجارية ببني سويف، أقر بارتفاع في الأسعار غير مبررة، مؤكدا في الوقت نفسه، أن ضبط الأسعار بسوق الأسماك أو غيرها يتماشى مع العرض والطلب، وقال: إذا كنا نريد ضبط السوق في سلعة معينة فعلينا كدولة زيادة العرض منها، لافتا إلى أن الزيادة السكانية أحد أسباب المشكلة، وقال: حتى وإن لم تكن هناك زيادة فى أسعار العملات الأجنبية فإن مشكلة أسعار السلع كانت ستفرض نفسها لأن الإنتاجية ثابتة والطلب متزايد. من جانبه، قال عابد محمد الكواتيجي، شيخ الصيادين بالمقصبة بمحافظة الغربية، إنه يتوجب على الدولة تطوير التشريعات المنظمة وتشغيل السوق المركزي للسيطرة على أسواق الأسماك نظرا لحيوية هذا القطاع بالنسبة للمواطنين، بالإضافة إلى زيادة المعروض في السوق المحلي، وتدريب وتأهيل الصيادين والعاملين في المهن المرتبطة به على التقنيات الحديثة وتطوير المنظومة ككل، مستنكرًا أن نمتلك كل تلك الموارد المائية ونعاني من إنتاج الأسماك وارتفاع أسعارها. يذكر أن الدولة بدأت مؤخرا في مشروع الاستزراع السمكي بمحور قناة السويس ا،لذي يعد الأكبر من نوعه على مستوى العالم، للتغلب على مشكلات الأسماك ولتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، وسد حاجة مصر من الغذاء وبروتين الأسماك، وهو مشروع ينفذ على مساحة 5 آلاف فدان، ويضم 3828 حوضًا، وتبلغ تكلفة البنية الأساسية الخاصة به 650 مليون جنيه.