شهد حي عابدين واحدة من أهم الثورات المصرية ضد الظلم والاستبداد والعبودية فى عصر الملكية، في 9 من سبتمبر عام 1881، حينما ذهب أحمد عرابي إلى قصر عابدين حيث يسكن الخديوي توفيق، وعرض عليه مطالب الجيش والأمة. تعود تسمية حي عابدين إلى القائد العسكري عابدين بك، أحد كبار قواد الجيش، الذي شارك محمد علي باشا في الحملة التي خرجت إلى الجزيرة العربية لمحاربة الدولة السعودية الأولى، الحرب التي انتهت بسقوطها، وعقب عودته إلى مصر عام 1825، لقى مصرعه بعدها بعامين، وكان يملك قصرا صغيرا، ويضم عددا من الحدائق حوله، وبعد وفاته اشتراه الخديوي إسماعيل من زوجة عابدين بك، وحوله إلى قصر كبير، أصبح مقرا للحكم عام 1872، وتم فتح طرق حوله، ومع ثورة 23 يوليو عام 1952، تحولت سرايا عابدين إلى أحد القصور الرئاسية، وفقاً لقرار مجلس قيادة الثورة. وبعد أن كان حي عابدين عبارة عن برك ومستنقعات وكثبان رملية، أنشأتها قوات الاحتلال الفرنسي، تحول إلى أحد أهم أحياء القاهرة، ويتميز بطرازه المعماري الفريد الذي يشبه باريس، كما أنه قلب العاصمة قديمة، وحاليا مقر الحكم إلى الآن؛ حيث يتمركز فيه الوزارات والهيئات الحكومية والدبلوماسية ومقر المصالح الحكومية ومجلس الوزراء ووزارات المالية والعدل والداخلية وغيرها. ويتفرع من حي عابدين عدد من الشوارع المهمة التي تربط ميدان عابدين بميدان التحرير والسيدة زينب، ومن الجنوب شارعي نوبار ومحمد فريد، وشمالاً شارع 26 يوليو، ومن الشرق شارع بورسعيد، وغرباً شارع الشيخ ريحان مع حدود حي غرب حتى ميدان التحرير، ويقع القصر والميدان على مساحة 9 أفدنة، وتكلف تشييد القصر 665 ألفا و570 جنيها. ولم يقتصر حي عابدين على كونه مقرا للحكم، لكنه ضم منزل الشخصيات السياسية في ذلك الوقت، فسكن به سعد باشا زغلول وحسين باشا رشدي ومحمود باشا، كما يضم أيضا مقررات الصحف الكبرى مثل روز اليوسف، وعددا من السفارات والمصالح الحكومية. كانت قلعة صلاح الدين الأيوبي مقر الحكم منذ عهد الأيوبيين والعثمانيين حتى مجيء محمد علي باشا، لينتقل الحكم بعد ذلك إلى قصر عابدين مع تولي الخديوي إسماعيل الذي كان يحلم بتحويل مصر إلى قطعة مصغره من باريس، واختير حي عابدين مقرا للقصر لموقعه المتميز على مشارف القاهرة الخديوية، ويعد من أشهر القصور المصرية التي عاصرت العهد الملكي والجمهوري معا. ويعد قصر عابدين تحفة معمارية، حيث يضم عددا من القاعات ومكتبة تحوي نحو 55 ألف كتاب ومسرح به مئات الكراسي المذهبة يستخدم في العروض الفنية الخاصة بالضيوف وصالونات فخمة تستخدم في استقبال الوفود الرسمية خلال زيارتها لمصر، كما يضم عددا كبيرا من الأجنحة التاريخية، منها الجناح البلجيكي الذي صمم لإقامة الضيوف المهمين، وسمي كذلك لأن ملك بلجيكا أول من أقام فيه، فضلاً عن المتحف الذي يكشف عن حياة الأمراء وكيف عاشا الخديوين بمصر قديماً. منذ ثورة يوليو، تحول "عابدين" إلى أحد القصور التابعة للدولة، إلا أن الرئيس محمد نجيب نزل بالقصر، لكن لمدة عام واحد فترة حكمه، والرئيس أنور السادات، نزل به ولغى ما أقره الرئيس جمال عبد الناصر الذي رفض النزول بالقصر تطبيقاً لمبادئ العدالة الاجتماعية، وأمر بفتح القصر للجمهور وتحويله متحف تاريخي، لكن استمر القصر ضمن مقرات الرئاسة في عهود السادات ومبارك ومرسي وصولا إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.