يبدو أن شبح الصحراء الغربية "البوليساريو" سيظل يطارد المغرب في المحافل الإقليمية والدولية؛ فبالأمس لوّحت الحكومة المغربية بإمكانية إنهاء الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، حال عدم التزامه بتطبيق الاتفاق الزراعي بين الطرفين، بعدما أصدرت محكمة بالاتحاد قرارا يقضي بعدم سريان الاتفاق على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليه، وهددت المغرب بإبرام شراكات اقتصادية مع روسيا والصين واليابان. قالت الحكومة المغربية الثلاثاء، إنها ستنهي التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي ما لم ينفذ اتفاقا زراعيا، وذلك بعد أسابيع من إصدار محكمة بالاتحاد حكما يقضي بعدم سريان الاتفاق على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليه، وأصدرت وزارة الزراعة المغربية، الاثنين، بيانا حثت فيه الاتحاد الأوروبي على عدم منع المنتجات المغربية، من دخول السوق الأوروبي. مسار التوتر بين الاتحاد والمغرب يأتي بعدما أقرت محكمة العدل الأوروبية أن الاتفاقية الزراعية بين المغرب وأوروبا لا تشمل منطقة الصحراء الغربية، الأمر الذي دفع وزارة الزراعة المغربية إلى التحذير: «الإخلال بالاتفاقية قد يعني الإطاحة بالعديد من الوظائف، مما قد يؤدي لتدفق المهاجرين إلى أوروبا». الخلاف يأتي الخلاف الأوروبي المغربي، بعد شهر من إصدار محكمة العدل الأوروبية حكما بأن الاتفاقات التي تشمل تجارة المنتجات الزراعية والمنتجات الزراعية المصنعة ومنتجات الأسماك بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا تسري على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، وأشار مسؤول دبلوماسي مغربي إلى «توتر في العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، ما يشكل خيبة أمل كبيرة بالنسبة لنا». وكانت محكمة العدل الأوروبية رفضت في ديسمبر 2016 طعن جبهة البوليساريو على اتفاقية التبادل الفلاحي القائمة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب منذ عام 2012 بدعوى استغلال الثروات الطبيعية للمناطق المتنازع عليها، وقالت المحكمة إن الطعن غير مقبول، وألغت قرار محكمة الاتحاد الأوروبي الصادر في ديسمبر 2015 والقاضي بإلغاء الاتفاقية الفلاحية مع المغرب. وقال مراقبون إن الصيغة التي صدر بها قرار محكمة العدل الأوروبية تعطي سندا قانونيا يمكن استغلاله ضد مصالح المغرب، صحيح أن المحكمة الأوروبية لم تلغ الاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لكنها أقرت في الوقت نفسه بأنها لا تسري على الصحراء الغربية، قائلة إن الاتفاقيتين الموقعتين في 2000 و2012 "لا تتعلقان" بجبهة البوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية وأقامت قضية لبطلان الاتفاقيتين على أساس أن الرباط تستفيد من أراضي المنطقة المتنازع عليها. من جانبها، وصفت جبهة البوليساريو، الساعية للاستقلال بالمنطقة، حكم المحكمة في ديسمبر الماضي بأنه "انتصار رائع"، الأمر الذي كان له تبعاته على الساحة التجارية المغربية، ففي الشهر الماضي، سعت جبهة البوليساريو لدفع الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق الحكم بمنع دخول شحنة من زيت السمك متجهة من المنطقة إلى ميناء فرنسي. ويبدو التطور الأبرز في حكم المحكمة الأوروبية من وجهة نظر خبراء قانونيين، أن المحكمة خلصت إلى أن الصحراء الغربية ليست جزءا من المغرب، فالمحكمة تنظر إلى الصحراء الغربية على أساس أنها طرف ثالث في الاتفاقية، أو بالأحرى كيان قانوني بمعزل عن الدولة المغربية، ما يجعلها طرفا ثالثا فيما يتعلق بالعلاقة بين المغرب والمؤسسات الأوروبية بجميع أشكالها، وتشمل أيضا كل الشخصيات المعنوية والشركات التي تتعامل مع المغرب وتحاول شرعنة وجوده بالصحراء عن طريق الاتفاقيات والاستثمارات غير القانونية التي تتضمن المجال الصحراوي وموارده. أوراق ضغط قالت الرباط إن حكم المحكمة الأوروبية لن يؤثر على الاتفاقات التجارية القائمة بالفعل بأي حال، وأوضحت وزارة الزراعة الاثنين الماضي، أن الاتفاقات الحالية مع الاتحاد الأوروبي توفر آلاف الوظائف، وعدم تنفيذها قد يتسبب في تدفق آلاف المهاجرين على الغرب، وبذلك تكون المغرب قد لوحت بورقتي ضغط على بروكسيل، بالتوجه نحو بلدان أخرى اقتصاديًا، والثانية الهجرة. وأكدت وزارة الزراعة والصيد البحري أن غياب التزام صريح من طرف الاتحاد الأوروبي سيفرض على المغرب اختيارا حاسما بين الإبقاء على شراكة اقتصادية تم نسجها بتؤدة أو نفض اليد منها نهائيا من أجل التركيز على بناء علاقات ومسارات تجارية جديدة. وأضافت الوزارة: "مثل هذه المضايقات تهدد مسار تعاون استغرق سنوات عدة من البناء، مما قد يجعل المغرب مضطرا إلى الإعراض عنه والتركيز على شراكات أطلقها في بلدان ومناطق متعددة، خاصة روسيا والصين والهند واليابان وبلدان الخليج، فضلا عن جيراننا الأفارقة". وكان وزير الزراعة الروسي، ألكسندر تكشايوف، أشار في مارس الماضي، إلى إمكانية زيادة صادرات المغرب من الفاكهة إلى السوق الروسية، كما عبرت بلدان مثل صربيا والبرازيل وتونس وإيران عن رغبتها في الصادرات المغربية. كما تراهن المغرب على وجهات تجارية جديدة، على رأسها القارة الإفريقية، التي أجرى الملك محمد السادس خلال الأشهر الماضية، زيارات متتالية ساعدت في عودة المغرب إلى حضن الاتحاد الإفريقي بعد 33 سنة من الغياب. ويشكل ملف الهجرة واللاجئين هاجسًا خطيرًا للاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا تسطيع الدول الأوروبية في الوقت الحالي تحمل الخصومة مع المغرب، التي ناقشت الجمعة الماضية، خططًا لتقليص الهجرة إليها، حيث أقرت قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي بالعاصمة المالطية فاليتا، خطة استراتيجية لإيقاف تدفق قوارب طالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين من شمالي إفريقيا لأوروبا عبر البحر المتوسط. المغرب لم تتوانى عن إشهار ورقة الهجرة في وجه الاتحاد الأوروبي، وقالت الرباط، إن من أبرز تداعيات عدم تطبيق الاتفاق الزراعي، الخطر الحقيقي لعودة تدفق المهاجرين الذي نجح المغرب، بفضل مجهود متواصل، في تدبيره واحتوائه. الجدير بالذكر أن المغرب ضم الصحراء الغربية إليه عقب انسحاب الاستعمار الإسباني منه في 1975، وتشكلت جبهت البوليساريو في العام التالي، لتطالب باستقلال المنطقة الغنية بالثروة السمكية والنفطية، كما تحتوي على مكامن نفطية.