هو أول السبعة مولدا، وأعلاهم سندا، إذ استقبل الدنيا سنة 21 هجرية، وتلقى القرآن عن الصحابة وأكابر التابعين، بل يغلب أن يكون قد قرأ على عثمان نفسه، مع ورع وضبط وعلم وفقه، شهد به الأكابر الأعلام، وناهيك برجل كان عمر بن عبد العزيز يأتم به في الصلاة وهو خليفة المسلمين. عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة بن عامر اليحصبي، شيخ الإقراء ببلاد الشام، وإمام المسجد الأموي، وقاضي دمشق، أحد القراء السبعة الكبار المشتهرين، قرأ على أبي هاشم المغيرة بن أبي شهاب عبد الله بن عمرو بن المغيرة المخزومي، وقرأ على أبي الدرداء عويمر بن زيد بن قيس، كما قطع بع الحافظ أبو عمرو الداني، وقرأ المغيرة على عثمان بن عفان، وقرأ أبو الدرداء وعثمان على رسول الله صلّى الله عليه وسلم. يصفه أبو علي الأهوازي قائلا: كان عبد الله بن عامر إماما عالما، ثقة فيما أتاه، حافظا لما رواه، متقنًا لما وعاه، عارفا فهمًا، قيمًا فيما جاء به، صادقا فيما نقله، من أفاضل المسلمين، وخيار التابعين، وأجلة الرَّاوين، لا يُتَّهم في دينه، ولا يشكُّ في يقينه، ولا يُرتَاب في أمانته، ولا يُطعن عليه في روايته، صحيحٌ نقلُه، فصيحٌ قولُه، عاليًا في قدره، مُصيبا في أمره، مشهورا في علمه، مرجوعا إلى فهمه، ولم يتعدَّ فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولا يخالف فيه الخبر، ولي القضاء بدمشق، وكان إمام جامعها، وهو الذي كان ناظرا على عمارته حتى فرغ. أما إمام أئمة القراءات محمد بن الجزري فيقول: ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمائة. وقد اشتهر عن ابن عامر راويان، هما هشام وابن ذكوان، فالأول هو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير بن ميسره السلمي الدمشقي، ولد سنة 153 هجرية، وتوفي 245، إمام أهل دمشق وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ومفتيهم مع الثقة والضبط والعدالة.. وصفه الدار قطني بأنه صدوق كبير المحل، وكان فصيحا علاَّمة واسع الرواية.. قال عن نفسه مرة: ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة، وقال الأصبهاني: رزق هشام كبر السن وصحة العقل والرأي فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث. وأما الثاني، فهو أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان بن عمرو، ولد سنة 173 للهجرة، وتوفي 242، وهو إمام شهير ثقة، شيخ الإقراء بالشام وإمام الجامع الأموي، انتهت إليه مشيخة الإقراء بدمشق بعد هشام.. قال أبو زرعة الدمشقي: لم يكن بالعراق ولا بالشام ولا الحجاز ولا بمصر ولا بخراسان في زمن ابن ذكوان أقرأ عندي منه. قال الإمام الشاطبي في حرز الأماني: وأمَّا دمشقُ الشامِ دارُ ابن عامرٍ.. فتلك بعبدِ الله طابت مُحَلَلا.. هشامٌ وعبدُ الله وهو انتسابه.. لذكوانَ بالإسنادِ عنه تُنقَّلا. ومن المعالم الأساسية لقراءة ابن عامر أنه: يقرأ بالتوسط في المدين المتصل والمنفصل، ويدغم من رواية هشام ذال إذ في بعض الحروف نحو ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا ) ويدغم من الروايتين الدال في الثاء نحو ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ ) والثاء في التاء في ( لَبِثْتُمْ ) حيث وقعا، والذال في التاء نحو ( اتَّخَذْتُمْ ) كيف وقعت، ويغير من رواية هشام وحده الهمز المتطرف عند الوقف على تفصيل يعلم من محله، ولهشام في الهمزة الثانية من الهمزتين المتتاليتين في كلمة تسهيل الثانية وتحقيقها مع الإدخال، إذا كانت مفتوحة، وله التحقيق مع الإدخال وعدمه إذا كانت مكسورة أو مضمومة. ومن أصوله من رواية هشام إمالة ألف (إِنَاهُ) في (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) في الأحزاب، وألف (مَشَارِبُ) في يس، وألف (عَابِدُونَ) و(عَابِد) في الكافرون، وألف (آنِيَةٍ) في (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) بالغاشية. ويميل من رواية ابن ذكوان الألف في الألفاظ الآتية ( جَاءَ – شَاءَ – زَادَ ) حيث وقعت وكيف وردت، وكذلك ( الْمِحْرَابَ – إِكْرَاهِهِنَّ – كَمَثَلِ الْحِمَارِ – الإِكْرَامِ – عِمْرَانَ). وانفرد هشام بقراءة لفظ (إِبْرَاهِيم ) في 33 موضعا من القرآن بفتح الهاء وألف بعدها (إبراهام).. يقرأ من رواية ابن ذكوان ( وَإِنَّ إِلْيَاسَ ) في الصافات بوصل الهمزة. وقرأ ابن عامر قرأ ابن عامر (وما أنسانيهِ إلا) بالكهف (عليهِ الله) بالفتح بكسر الهاء مع القصر وروى إسكان الهاء من (خيرا يرهْ، وشرا يرهْ) بالزلزلة كما روى (أرْجِهْ) بالأعراف والشعراء بهمزة ساكنة وضم الهاء وصلتها بالواو (أرجئه). وانفرد ابن عامر من روايتيه ذكر انفراد ابن عامر من روايتيه بقراءة عدة أفعال مضارعة بالتاء بدلا من الياء أو النون، في 9 مواضع ( تغفر لكم ) بالبقرة، ( أفحكم الجاهلية تبغون ) بالمائدة، (وما ربك بغافل عما تعملون ) الأنعام، ( إذ تتوفى الملائكة) بالأنفال، ( وبرحمته هو خير مما تجمعون ) بيونس، ( ولا تشرك في حكمه أحدا ) بالكهف، (ولا تسمع الصم) بالأنبياء، ( أو لم تكن لهم آية ) بالشعراء، ( فاليوم لا تؤخذ منكم ) بالحديد.