عكس الملتقى الإيراني الروسي، الذي عقد في مكتب الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية الإيرانية أمس، والذي يستمر ليومين، سياسة التقارب الأخيرة بين موسكووطهران حول العديد من ملفات الشرق الأوسط، في ظل علاقات جمعت بين البلدين، واستمرت لأكثر من خمسة قرون، شهدت مراحل متباينة على مر العصور. المنتدى في رسالة وجهها وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، من موسكو إلى المسؤولين الإيرانيين، بمناسبة مرور 515 سنة على العلاقات الثنائية، وصف لافروف إيران بالشريكة القديمة والجارة اللطيفة، وأكد أن البلدين يحاربان الإرهاب الدولي والتطرف، ويعملان على حل الأزمة السورية، وأكد لافروف أن موسكو تدعم تطوير التعاون مع طهران بكل المجالات، ومنها الدفاعية والثقافية. وبدوره اعتبر وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، العلاقات مع روسيا عنصرًا مهمًّا لأمن واستقرار وتنمية آسيا الوسطى والشرق الأوسط. العلاقات الروسية الإيرانية تحدث لافروف عن خصوصية بنائه للعلاقات الروسية الإيرانية، القائمة على مبادئ تكافؤ الحقوق والاحترام المتبادل للثقة والصداقة، وتلك تصريحات واضحة تتجاوز حدود اللباقة الدبلوماسية إلى ما هو أعمق. ويجمع خبراء العلاقات الدولية على أن العلاقات الروسية الإيرانية بما تملكه من رصيد تاريخي، شهدت دائمًا مدًّا وجزرًا، وهما من أكثر الأنماط التي وصفت بالواقعية بين الدول الكبيرة والدول المستقلة والمؤطرة علاقاتها بوقائع الجغرافيا والمصالح الاقتصادية والأمن. وتمتد العلاقات بين روسياوإيران، منذ عصور الدولة السامانية، وتعرضت إلى مجموعة من التوترات، كحادثة اغتيال السفير الروسي في إيران 1829 لاتهامه بالتهتك الأخلاقي، وقد اضطر هذا الحادث الشاه الفارسي إلى أن يرسل مع ابنه إلى القيصر الروسي نيقولاي الأول فدية عن قتل السفير الروسي، وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين شهدت تحسنًا بعد انتصار ثورة البلشفيين في عام 1917، فإن إيران بقيت بعد ذلك ميدانًا للتنافس بين السوفييت والأتراك والبريطانيين، والأمريكيين فيما بعد. وبعد زوال الحاجز الأيديولوجي بين البلدين بانهيار النظام الشيوعي في عام 1991، ولمواجهة الضغوط الأمريكية المتنامية على طهران، بدأ الجانب الإيراني في جس نبض الجانب الروسي حول تطوير التعاون بين البلدين، وشهد عام 1992 بداية التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة النووية، عندما وقّع البلدان اتفاقية بشأن التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وتبدو علاقات طهرانوموسكو اليوم في فترة من المد الذي عززته أزمات المنطقة في السنوات الأخيرة، فالحرب في سوريا بلورت التعاون بين روسياوإيران إلى التعاون العسكري، وعلى الرغم من اتساع هامش الحركة السياسية لروسيا في سوريا مقارنةً بإيران، لكن حتى الآن لم يتأثر التنسيق المباشر ميدانيًّا وعسكريًّا، والذي أفضى إلى اتفاقات مشتركة عند مفاصل الأزمة السورية، وليس آخرها البيان المشترك الروسي الإيراني في العاصمة الكازاخية آستانة، وحتى قبل هذه الحركة محاولة تسوية الأوضاع في سوريا، ونسق الجيش الروسي والإيراني في سوريا في معارك شديدة الأهمية أبرزها في مدينة حلب وريفها، فإيران كانت تحتاج من روسيا الفيتو الذي تمتلكه في مجلس الأمن ما يؤمن ظهر طهران دوليًّا، بالإضافة لاحتياجها للطائرات الروسية التي دعمت موقف إيران العسكري في سوريا، في المقابل احتاجت روسيا الوجود الإيراني البري والقوات الحليفة المدعومة من طهران التي تقاتل إلى جانب الجيش العربي السوري. وتتفق الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع روسيا على حتمية الحل السياسي في سوريا، وهو الأمر الذي بات جليًّا في آستانة، على الرغم من انتصارهما في معركة حلب عسكريًّا، ويوحد الموقف الروسي والإيراني الذي أضيف له الموقف التركي لاحقًا، وجود عدو مشترك يهدد مصالحهما. الاقتصاد والمعدات العسكرية ازداد حجم التجارة بين البلدين مقارنةً بالعقود الماضية، حيث أعلن رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية – الروسية رمضان علي سبحاني عن ارتفاع بنسبة 80 في المائة في حجم التبادل التجاري بين البلدين. عسكريًّا يعد التعاون النووي أساسيًّا في علاقة طهرانوموسكو، خاصة بعد تخلي الولاياتالمتحدةالأمريكية عن تطوير البرنامج الإيراني إثر قيام الثورة الإسلامية الإيرانية وسقوط الشاه. كما تبدو إيران متمسكة إلى حد كبير بسوق السلاح الروسي، بالرغم من توسيع رقعة ترسانتها العسكرية من دول أخرى كالصين، فالمنظومة الدفاعية الجوية العسكرية لإيران روسية الصنع، كما أن منظومة الصواريخ الدفاعية روسية أيضًا وأبرزها منظومة "إس-300". وتحت عنوان "السلاح الروسي في الطريق إلى إيران، الهدية التي تقلق اسرائيل" قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن "بعثة أمنية روسية توشك على استكمال مفاوضاتها مع الحكومة الإيرانية على صفقة سلاح ضخمة تزود موسكو بموجبها طهران بمقاتلات من طراز سوخوي 30، وتستأنف تشغيل خط الإنتاج لدبابات من طراز تي 72 في إيران، كما تشمل هذه الصفقة تزويد إيران بصواريخ ياخونت المطورة المضادة للسفن ووسائل قتالية أخرى.