لقبه البعض ب "حارس تراث مدينة دمنهور"، ولكن اللقب الأشهر والأحب إليه هو "جبرتي دمنهور". فقد قضى عمره فى توثيق كل تفاصيلها التاريخية، وجاب كل مصر بحثًا عن صور نادرة ووثائق غير متداولة لتاريخ المدينة التي عشقها واعتبرها تستحق. هو الباحث خالد معروف، أحد عشاق التاريخ، والذي يتهم الدولة بأنها غير جادة في حماية تراث الوطن بدمنهور، خاصة المنشآت ذات الطابع التاريخي والأثري المتميز، مؤكدًا أنه لو كانت هناك جدية، لشرعت القوانين التي تمنع هدمها، إلا أن سطوة الاستثمار العقاري أقوى بكثير من تلك القوانين؛ نتيجة غياب الإرادة الرسمية لمواجهة هذا التعدي السافر. بدأ معروف اهتمامه بالتوثيق للمدينة منذ منذ الصغر، وخلال دراسته الجامعية كان شغوفًا بدراسة تاريخ مصر بصفة عامة وتاريخ دمنهور بصفة خاصه، رغم دراسته لإدارة الأعمال في كلية التجارة بجامعة الإسكندرية والتي أنهاها عام 1975. قال إن كتب التاريخ في مراحل التعليم المختلفة منذ المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية تتميز بالتعتيم والتجاهل، ربما المتعمد لمدينة دمنهور القديم ودورها المؤثر في تاريخ مصر بصفة عامة؛ لذلك قرر التفرغ لتوثيق تاريخ المدينة بكل الوسائل. وأثاره تقاعس الدولة أمام هدم العديد من الأبنية التراثية العريقة؛ من أجل الاستثمار العقاري، دونما النظر إلى تاريخ وقيمة المباني، وكذلك هدم عدد من المنشآت الحكومية التاريخية، ومنها مستشفى الرمد القديم الذي أنشئ في عام 1916. وأشار إلى أن الدولة لا تقوم بواجبها بشكل كافٍ لحماية التراث إلا بعد تشكيل لجنة لفحص المباني والوقوف على وضعها الأثري والإنشائي، وهو ما جعله حريصًا على جمع كل الوثائق والصور النادرة عن دمنهور وتحمل تكاليف باهظة وجهد كبير؛ فى سبيل الحفاظ على تراث أحب مدن العالم إلى قلبه؛ حتى يترك للأجيال القادمة وثائق، خاصة أن الآثار والمنشآت تندثر للأسف، ولا يبقى منها سوى الصور والوثائق. ونظرًا لغياب وزارة الآثار عن دورها؛ قام معروف بهذا الدور، ووثق كل تفاصيل المدينة ورموزها ومعاركها، من خلال أكبر موسوعه مصورة لمدينة مصرية. حيث يستعد الآن جبرتي دمنهور لإصدار كتاب يجمع كافة الصور النادرة والحكايات والوثائق حول تاريخ دمنهور ورموزها وأعلامها، وسوف يتضمن الكتاب عددًا من الصور التي لم تعرض أو تنشر من قبل، وقد تحمس الدكتور محمد سلطان، محافظ البحيرة، لطباعه الكتاب على نفقة المحافظة وتوزيعه على المدارس والهيئات الحكومية، وسوف يكون عنوانه "دمنهور صور وحكايات". لم يكن اهتمام معروف بدمنهور فقط لأنه أحد أبنائها، وإنما لأنها مدينة ذات تاريخ عريق؛ فقد كانت عاصمة لمملكة الغرب، ثم مملكة الوجه البحري، قبل قيام الملك مينا بتوحيد القطرين سنة 3200 قبل الميلاد، كما أنها القنطرة التي عبرت عليها جيوش الفتح الإسلامي سنة 21 ه/640 ميلادية؛ لحصار وفتح الإسكندرية عاصمة مصر وقتها. وفي أزقتها وحواريها وشوارعها وعلى أسوارها دارت معارك دامية، حتى اعتقد البعض أن اسمها يعني "الدم نهور"، كما كانت الصخرة التي تحطمت عليها طموحات محمد بك الألفي زعيم المماليك في خلع والي مصر محمد علي باشا؛ لأنه لو سقطت دمنهور في يد الألفي لسقط الوالي محمد علي. وهى المدينة التي أنجبت الكثير من الأعلام والمشاهير الذين لعبوا دورًا دينيًّا وعلميًّا وأدبيًّا وسياسيًّا وعسكريًّا ورياضيًّا وفنيًّا في تاريخ مصر. وهى من أقدم ثلاث مدن مأهولة في العالم حتى وقتنا الحالي بعد دمشق (سوريا) وأريحا (فلسطين) منذ ما يزيد على سبعة آلاف عام. وحول تسمية المدينة ومعنى الاسم في اللغات المختلفة، يرى معروف أن دمنهور كلمة هيروغليفية قديمة، تتكون من ثلاثة مقاطع "دي – مين- حورس"، وتعني مدينة المعبود حورس، أو المدينة التي بها معبد حورس. مشيرًا إلى أن الباحث الألماني أدولف إرمان أكد في كتابه "ديانة مصر القديمة"، والمطبوع سنة 1894 أن أقدم معبد لحورس أُقيم في "بحدت" أو "بهدت"، وهي دمنهور، وأطلق عليها الإغريق القدماء "هرموبوليس بارفا". و"هرمس" هو إله الحكمة عندهم. ولافت جبرتي دمنهور إلى اشتقاق اسم "هرمس" من كلمة "حورس"، وأن اسمها في اللغة القبطية القديمة "تمنهورو"، وتعني بلدة الصقر.