لا أفق حتى كتابة هذه السطر لحل وسط لحلحلة الأزمة بين مصر والسعودية؛ فالأخيرة ترى أن النظام المصري لم يقدم ما يوازي أهمية تدفق المساعدات السعودية والدعم السياسي، ناهيك عن ضعف موارد المملكة وأزمتها الاقتصادية التي تحجم "المال السياسي" الذي هو أهم أوراق السياسة الخارجية السعودية، والذي ذهب كثير منه منذ 2013 لدعم القاهرة، وأصبح من الضروري منذ أواخر 2014 وأوائل 2015 أن يكون له مقابل. المقابل الذي أرادته الرياض من القاهرة كان غير واقعي سواء من ناحية الإمكانية أو ناحية الإرادة وضمان ردة الفعل على مستويات عديدة؛ فمن إرسال قوات لليمن أو لسوريا، مروراً بتسليم الموقف الخارجي لدولة بحجم مصر وأهمية مصر ليتذيل الموقف السعودي كتحصيل حاصل، وما تطلبه ذلك من إزاحة مصر من مواقعها في أكثر من ساحة وملف –الجامعة العربية والقضية الفلسطينية وكقاطرة لتوسيع "السلام الدافئ" مع إسرائيل..إلخ- وصولاً إلى التنازل عن جزيرتا تيران وصنافير وما سينتج عن هذا من خسارة إستراتيجية بمعايير الجغرافيا السياسية، أو ما نتج من غضب شعبي وداخل بعض مؤسسات الدولة. وأضف على هذا كله غضب المملكة من ما يعتقدوا أنه تلكؤ مصري وربما "استغفال" للرياض التي أعطت للقاهرة دون أن تحصل على مقابل يرضيها. تباين في الرؤى أدى إلى الخلاف ولا يخفى على المتابعين أن المملكة التي من المفترض أنها "حليف" للقاهرة سعت بكل قوة ودأب على الضغط على القاهرة منذ أواخر 2014 بشكل، أي في الأسابيع الأخيرة من حياة الملك عبدالله بن عبد العزيز، إبان تولي الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز ولاية العهد، وتولي نجله ولي ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان، رئاسة ديوان ولاية العهد. وذلك بدافع تعديل سياسات الملك السابق وأولويات السياسة الخارجية السعودية التي منذ أواخر 2011 تنظر إلى جماعة الإخوان وقطر وتركيا كتهديد محتمل على موقع ونفوذ المملكة في المنطقة إبان التغيرات الدرامية التي اجتاحتها منذ ذلك التاريخ، فيما كانت رؤية سلمان/نجله –النابعة من ديناميات الصراع الداخلي على الحكم في المملكة- تهدف إلى أولويات التحالف مع المحور السابق وتعديل أولويات السياسة السعودية الخارجية لشغل الفراغ الذي نتج عن رفع واشنطن غطائها السياسي/العسكري عن حلفائها في المنطقة، ولتصف الرياض دول عربية وإسلامية تحت قيادتها؛ وتجلى هذا في مسارات السياسة الخارجية السعودية طيلة العامين الماضيين من «عاصفة الحزم» والعدوان على اليمن، مروراً بسعودة الجامعة العربية وقراراتها، وصولاً إلى محاولات باءت بالفشل لحشد عربي/إسلامي تحت لواء المملكة كورقة مساومة مع واشنطن في ظل الأزمات المتصاعدة وأخرها قانون «جاستا» وانتخاب دونالد ترامب. وعن سبب الضغوط السابق ذكرها من جانب الرياض على القاهرة حسب ما قال دبلوماسي خليجي –تحفظ لى ذكر أسمه- مُطلع على كواليس محاولات الوساطة مؤخراً بين العاصمتين ل «البديل»: "تلكؤها المنهجي في عدم التعاون مع المملكة فيما يخص المنطقة وملفاتها منذ بداية حكم الملك سلمان حسب ما يرى السعوديين، فيما تختلف القاهرة في طريقة تنفيذ هذا التعاون ومداه وسقفه وترفض سياسة التبعية التي تريد المملكة فرضها على مصر ورهنها باستمرار المساعدات الاقتصادية". ويضيف المصدر الدبلوماسي الخليجي: "القاهرة شددت في الأسابيع الأخيرة على تحسين لغة التعاون بين البلدين وغلق باب المساومة والضغوط بمختلف أنواعها وعدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، خاصة وأن سياسات الرياض الخارجية لم تحقق نجاحات هامة، وإنه في أكثر من موضع كانت رؤية القاهرة التي اقترحتها كبديل عن الرؤية السعودية تجاه عدد من الملفات التي أرادت الرياض الدعم المصري الكامل تجاهها بما في ذلك الدعم العسكري أفضل وأكثر جدوى من ما رأته القاهرة أنها مغامرات طائشة، مثل المشاركة العسكرية المباشرة في اليمن أو سوريا، والتي اقترحت القاهرة بديلاً لها متمثل في القوات العربية المشتركة وتوسيع مجال عملها بشكل واعي وموضوعي لتضم ليبيا، إلا أن الرياض تجاهلت الاقتراحات المصرية ومضت في رؤيتها وهو ما خلف إحساس متزايد لدى القاهرة أن الرياض تولي مصلحة خصوم الأولى/حلفاء الأخيرة –أنقرة والدوحة جماعة الإخوان- على مصلحة مصر، وإخفاق أي حل وسط اقترحته الرياض بما في ذلك المصالحة الداخلية بين النظام المصري والمعارضة ممثله في الإخوان". من التباين إلى الأزمة على الجهة الأخرى يفيد مصدر دبلوماسي مصري أن "القاهرة شدد في كل محاولات الوساطة الأخيرة لحلحلة الأزمة بينها وبين الرياض على ضرورة ضبط لغة الحوار وعدم انجرافها نحو الصفرية، وخفض التوتر الإعلامي وكذلك عدم استعجال المملكة لقرارات داخلية مصرية تسير وفق طبيعة توازنات المشهد الداخلي المصري ما بين أزمة اقتصادية متفاقمة وحرب ضد الإرهاب، فأمور مثل المصالحة وتطبيق اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين يجب أن تأخذ مجراها الطبيعي في الداخل المصري وانتظار الظرف المناسب، وهو ما دفعت الرياض إلى تأزيمه أكثر بتصعيدها الأخير المتمثل في قطع إمدادات البترول منذ سبتمبر من العام الماضي، وإيقاف الدعم النقدي، والتصعيد الإعلامي الفج ضد النظام ومسايرة اللغة الإعلامية للإخوان". وجدير بالذكر أن الرياض مارست ضغوطاً على القاهرة طيلة العاميين الماضيين لإنفاذ شروط استمرار دعمها المادي لمصر، بما في ذلك إرسال قوات للخارج وعقد مصالحة مع الإخوان، إلا أن المملكة صعدت من هذه الضغوطات لمستويات غير مسبوقة بداية من الربع الأخير من العام الماضي، ويمكن حصرها في الضغوط الاقتصادية الممثلة بقطع الدعم عن مصر وتأزيم موقف النظام وشعبيته في الداخل عن طريق خلق أزمات في الطاقة والوقود، وضغوط سياسية ممثلة في تأليف معارضة مصرية برعاية سعودية في الخارج ليست حصرية لجماعة الإخوان، وأمنية متعلقة بشكل رئيسي بملف سد النهضة الأثيوبي ودعم السعودية لبنائه والاستثمار فيه، وكذا دعم موقف الخرطوم "المتذبذب وحسب الطلب" ودفعه لتدويل مسألة حلايب، وذلك كرد على "التلكؤ" المصري في الاستجابة للسعودية في مختلف الملفات، وعدم تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود، وكذلك التقارب المصري-الروسي على مستوى عسكري، والذي ضرب خطط السعودية لمساومة روسيا على حيز من النفوذ في المنطقة –بتصريح وزير الخارجية السعودي في النصف الثاني من العام الماضي– بتوفير القاهرة له من خلال تعزيز التعاون الأمني والعسكري بينها وبين موسكو والذي بدأ بمناورات «حماة الصداقة»، ونهاية بأحاديث "غير رسميه" عن تواجد قوات مصرية في سوريا تحت مظلة التعاون المشترك مع روسيا، وأخيراً سلوك القاهرة المنفرد في تعزيز العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة –المناهضة سلفاً للمملكة- بمعزل عن فرضية قيادة المنطقة من قبل السعودية وتصدير تلك الصورة لواشنطن، والتي لم تعتد بها القاهرة. أفق مسدود للحل أو التصعيد ويتفق المصدرين السابقين على أن كل من القاهرةوالرياض يتمسكان بمواقفهما بشكل حاد نظراً لحسابات داخلية وخارجية، وأن البلدين على الرغم من انفتاحهما على "الحلول الوسط" فإن كل منهم حتى الأن لا يريد مسايرة الأخر في رؤيته لمعالجة الاختلافات في وجهات النظر الخاصة بهما لإدارة مختلف ملفات المنطقة. بالإضافة إلى تصادم رؤيتهما في حل الخلافات الثنائية التي تراكمت فيما بينهما على مدار العاميين الماضيين، والتي لم تفلح في إنهائها زيارة الملك سلمان في إبريل من العام الماضي وما صاحبها من اتفاقية ترسيم الحدود التي فاقمت أزمة النظام المصري الداخلية، ووضعت الملك /نجله بعد انكفاء الرياض على مختلف الأصعدة والملفات الداخلية والخارجية في الفترة الماضية في خانة عدم التنازل لحفظ ما تبقى من ماء الوجه أمام الحلفاء الإقليميين وكذا أمام الداخل السعودي بما في ذلك الصورة الذهنية للأمير/الملك المنتظر محمد بن سلمان وعلاقة ذلك بصراعات الحكم داخل البيت السعودي. المحصلة النهائية حتى الأن للأزمة بين الرياضوالقاهرة تقف ما بين التسويف وانتظار كليهما لتغيرات داخلية أو خارجية تجبر أحدهم لمسايرة ما يريده الأخر –مع ضغط مستمر من جانب الرياض على مستويات عديدة- وما بين إرادة عدم التصعيد الذي سيضر كل منهما، وما بين فقدان الخلاف لمعناه السياسي على مستوى خارجي وضرورة تنسيق المرحلة المقبلة في أساسيات "التحالف" بينهم والتعامل مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية، إلا أنه في النهاية يمكن وصف التحدي والاستجابة بين البلدين في الفترة الأخيرة على أنه يدور حول معادلة تبعية تريدها السعودية وتسميها تحالف، وما بين علاقة شراكة تريدها مصر قائمة على تقاطع المصالح وليس إملاء شروط واشتراطات، وحتى الأن يبدو أن لا حل وسط يوفق ما بين ما يريده كل منهما، وأن حيز التوتر/الخلافات/الأزمة بين البلدين استنفذا كل ما لديهما تقريباً لإدارته، وأن مزيد من التصعيد ينقل الخلافات بين البلدين إلى مربع الصدام.