يعاني حمام علي بك الأثري، الذي يقع في الطرف الجنوبي للقيسارية بمدينة جرجا جنوب محافظة سوهاج، إهمالا شديدا من هيئة الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، رغم استغاثات ومناشدات الأهالي وعدد من الآثاريين من خلال العديد من المكاتبات الرسمية الشهرية لترميمه وتطويره لفتحه أمام الزائرين، بحسب تأكيد أحد مفتشي الآثار بالمنطقة. وتظهر الصور التي التقطتها عدسة «البديل» تشققات وشروخ لغالبية جدران الحمام الأثري، بالإضافة إلى التصدعات الشديدة التي تهدد بنيانه بالانهيار في أي لحظة، إذا تعرضت المحافظة لهطول أمطار غزيرة أو سيول، فضلاً عن تهالك بعض أعمدته الخشبية وسقفه الخشبي أيضا، كما تحول الحمام إلى مخزن لعدد من تجار منطقة القيسارية في غياب تام من وزارة الآثار. وقال الدكتور محمد عبد الستار عثمان، نائب رئيس جامعة جنوب الوادي الأسبق وأستاذ الآثار الإسلامية والقبطية المتفرغ، إن حمام علي بك الأثري يعد من الحمامات النادرة الباقية في الأقاليم، ومثالا رائعا للعمائر المدنية التي تؤدي أغراضا صحية واجتماعية، لكنه يعاني إهمالا شديدا حتى ظهرت عليه التشققات والتصدعات، مطالبا وزارة الآثار بسرعة ترميمه. ويعتبر التخطيط العام للحمام على نمط الحمامات المملوكية؛ حيث يفتح مدخله على ممر صغير يؤدي إلى المسلخ (مربع المساحة علي جوانبه مصاطب مرتفعة ليستريح عليها المستحمون)، ثم إلى ممر آخر يؤدي إلى بيت أول يليه بيت الحرارة، ويؤدي المدخل إلى ممر طويل فرشت أرضيته ببلاطات من الحجر، ويعلو الممر سقف خشبي مسطح، ويوجد بصدره نافذة صغيرة مستطيلة، ثم ينكسر الممر في زاوية قائمة وينتهي إلى المسلخ. ويلاحظ أن المصطبة في الجهة الشمالية مخصصة ل"معلم الحمام" الذي يستقبل المستحمين، أما المصاطب الثلاث في الجوانب الأخرى، فعلى كل منها حجاب خشبي، ويعلوها سقف خشبي مسطح من العروق والألواح الخشبية، ويتوسط مساحة المسلخ فسقية مثمنة المسقط مبنية بالآجر وملبسة بالرخام، ويعلو الفسقية سقف خشبي تتوسطه شخشيخه مثمنة الشكل أيضا. وفي نهاية المصطبة التي يجلس عليها "معلم الحمام" سلم يصعد إلي سطح الحمام، يجاوره فتحة باب صغيرة تؤدي إلي دهليز أرضيته فرشت بالرخام الملون، ويعلوه قبو تتخلله فتحات صغيرة للتهوية والإضاءة، وعلي يمين الداخل في هذا الدهليز فتحة باب تؤدي إلى مرحاض، ثم ينتهي الدهليز إلي "بيبي أول" وهو عبارة عن إيوان به مقعد مرتفع مربع وحوض من الرخام له في هذا الدهليز فتحة باب تؤدي إلى المرحاض، ثم ينتهي الدهليز إلي بيت أول وهو عبارة عن إيوان به مقعد مرتفع مربع وحوض من الرخام ويعلوه قبو يصل بين هذا الموضع وبيت الحرارة باب صغير. وبيت الحرارة عبارة عن أربعة أواوين صغيرة يتوسطها ساحة مثمنة تغطيها قبة تتخللها فتحات أو ثقوب للإضاءة مغشاة بالزجاج الملون، ويتصدر كل إيوان مصطبة يتوسطها حوض، ويتوسط الساحة المثمنة فسقية من الرخام، ويلاحظ أن الأرضيات مفروشة بالرخام الملون، أمام الجوانب الأربعة الأخرى المحصورة بين الأواوين فتؤدي إلي "مغطسين" وبعض الخلاوي الجانبية، والمغطس الأول تؤدي إليه فتحة الباب المحصورة بين الإيوانين الأول والثاني علي يمين الداخل إلي بيت الحرارة وترتفع خلوة المغطس عن أرضية بيت الحرارة، ويصعد إليها بثلاث درجات، ويتوسط حوض المغطس أرضية الخلوة، وهو ذو مسقط مربع ينخفض إلى مستوى يخفى ثلاثة أرباع جسم الشخص المستحم، ويعلو الخلوة قبو به فتحات صغيرة للإضاءة، ويزود المغطس بالماء الساخن عن طريق أنبوب علوي وآخر سفلي، وأرضية المغطس مفروشة بالرخام، وكان هذا المغطس مستخدما منذ حوالي 30 عاما، أما المغطس الثاني، فيشغل الخلوة المحصورة بين فتحتي الإيوانين الثاني والثالث، ويصعد إليه أيضا من درج مكون من ثلاث درجات وهو يشبه سابقيه جملة وتفصيلا. ويضم بيت الحرارة عدة خلاوي، حيث يحصر المغطس الأول والإيوان الثاني خلوة، ويكتنف المغطس الثاني خلوتان، ويفتح في الضلع المحصور بين الإيوان الثالث والرابع بابان يؤدي كل منهما إلي خلوة وبينهما حوض رخامي صغير معلق، وفي الضلع المحصور بين الإيوان الرابع والأول بابان يؤدي أحدهما إلي خلوة، والأخرى هي الباب الذي يدخل منه إلي بيت الحرارة. ولم تقتصر أهمية حمام علي بك على النظافة الشخصية والاستحمام فحسب، إنما كانت تتم فيه الصفقات التجارية الخاصة بإمارة جرجا، خاصة أن المنطقة التي يقع بها الحمام متجر تجاري كبير، كما كان يستخدم الحمام أيضا في علاج بعض الأمراض المزمنة مثل الروماتيزم والحمى والجزام وغيرها من الأمراض الأخرى وخاصة الجلدية، كما كانت الخاطبة تأتي إلى الحمام لرؤية الفتيات عن قرب وترشيحهن للشباب، كما كان يعقد فيه مؤتمرات وجلسات أشبه بالمؤتمرات السياسية الحالية.