تشهد الساحة السياسية المصرية السعودية في الوقت الحالي حالة من الاستقطاب السياسي، انعكست على المناحي الاقتصادية والرسائل السياسية المباشرة وغير المباشرة بين البلدين. بداية الأزمة في 9 أكتوبر أثار تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية، إلى جانب الصين وفنزويلا، موجة انتقادات من السعودية وقطر، فقد وصف المندوب السعودي لدى الأممالمتحدة عبد الله المُعلمي تصويت مندوب مصر لصالح مشروع القرار الروسي بالمؤلم، ومنذ ذلك الوقت توترت علاقات مصر بالسعودية، باستثناء بعض التوترات السابقة على خلفية مشاركة مصر في مؤتمر جروزني، الذي أخرج السلفية من تعريف أهل السنة والجماعة سبتمبر الماضي. تطورات الأزمة منذ أكتوبر الماضي لا تفوت المملكة فرصة لتخطر من خلالها امتعاض الرياض من التقارب الحاصل بين القاهرةوموسكو، بدأتها بوقف إمداد مصر بالمواد النفطية الذي ما زال مستمرًّا حتى الآن، دون تقديم أي مبررات، ثم تبعها تصعيد إعلامي سعودي يعاير مصر بالمساعدات الخليجية التي حصلت عليها إبان ثورة 30 يونيو، واصفًا هذه المساعدات ب"الرز" السعودي. مؤخرًا بدأت السعودية في تصعيد رسائلها السياسية إلى مصر والمتعلقة بأمنها القومي من خلال سد النهضة الإثيوبي المتحكم بنهر النيل، فالسد الإثيوبي يعد محورًا خلافيًّا بين إثيوبيا ومصر في ظل التهرب الإثيوبي من أي التزام حقيقي تجاه مصر من ناحية الدراسات الفنية للسد وآلية التخزين. الخطوة السعودية كانت من خلال زيارة قام بها أحمد الخطيب مستشار العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لسد النهضة. وتبدو الخطوة تصعيدية في المقام الأول، خاصة أنها أتت بعد فشل محاولة جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالعاهل السعودي في "أبو ظبي" مطلع ديسمبر الحالي، والتي سبقتها محاولة إماراتية أيضًا للوساطة بين القاهرةوالرياض من خلال وفد إماراتي حضر إلى مصر، لكن السيسي طالبه باعتذار من سلمان لعودة العلاقات، وفقًا لروسيا اليوم. وحتى اللحظة ما زالت رسائل الجفاء تتوالى من الرياض للقاهرة، لدرجة أنها طالت الفلفل، حيث حظرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية قبل أيام استيراد ثمار الفلفل بجميع أنواعه من جمهورية مصر العربية، بزعم أنه تم فحص وتحليل عينات من الفلفل، وثبت استمرار ورود شحنات عالق بها "بعض" متبقيات المبيدات، وأمس عقد وزراء بترول منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" اجتماعهم السنوي، الذي استضافته القاهرة بغياب وزراء البترول لدول قطر، والسعودية، والإمارات والبحرين. السعودية وتركيا العلاقة بين الرياضوأنقرة لم تتأثر بالتقلبات السياسية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وإذا استطاعت الرياض بطريقة أو بأخرى الربط بين القاهرةوطهران، بسبب دعم مصر للمشروع الروسي حول حلب، حيث اعتبرت الرياض أن مصر بذلك انضمت لمحورها الذي يضم إيران أيضًا، فإن أنقرة لم تكتفِ مؤخرًا بالتقارب مع روسيا، بل شكلت حلفًا سياسيًّا وعسكريًّا معها هي وإيران ضد الجماعات المسلحة التي تدعمها كل من السعودية وقطر، وحاليًّا تشهد الساحة السورية معارك طاحنة بين الأتراك وداعش في منطقة الباب السورية، أفضت إلى مقتل 14 جنديًّا تركيًّا، وهي أكبر حصيلة قتلى لتركيا في سوريا حتى الآن. ومع ذلك فالعلاقات التركية السعودية لم تتأثر حتى الآن، ولم تمارس الرياض ضغوطًا على أنقرة كالتي مارستها على مصر، كطرد الأتراك ومنعهم من العمل على أراضيها كما فعلت مع مصر، بل على العكس من ذلك افتتحت تركيا، الخميس الماضي، في مدينة جدة السعودية، ممثلية تركيا الدائمة في منظمة التعاون الإسلامي، وقدم وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو الشكر للسعودية على الدعم الذي قدمته لافتتاح ممثليتها ال236 على مستوى العالم، والرابعة على مستوى السعودية. وفي مطلع الشهر الجاري وقعت الغرفة التجارية الصناعية في المدينةالمنورة وشركة جزيللار التابعة للغرفة التجارية في جبزي التركية، اتفاقية تعاون، لإقامة مدينة صناعية بمواصفات عالمية في المدينةالمنورة برأسمال سعودي تركي مشترك، حيث تقدر قيمة المشروع بنحو 188 مليون ريال، كما أن تركيا الأولى بين الدول الإسلامية في التجارة مع السعودية عام 2016، الأمر الذي يشير إلى عدم وجود توتر في العلاقات بين الرياضوأنقرة على الرغم من تقارب الأخيرة مع طهران وتبنيها وجهة نظرها في سوريا بأولوية محاربة الإرهاب بعيدًا عن إسقاط النظام في سوريا، وهو الخط الأحمر للمملكة الذي تجاوزته تركيا. ولا يبدو أن المساعدات المالية التي قدمتها السعودية لمصر هي السبب الرئيسي على حنق الأخيرة على القاهرة، لأن هناك استثمارات سعودية ضخمة في تركيا أيضًا، ففي الوقت الذي قالت فيه السعودية إنها ستقدم 4 مليارات دولار دعمًا لمصر، خلال مشاركتها في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ، أعلنت عن نيتها وضع خطط لتنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة 600 مليار دولار في تركيا على مدى 20 سنة مقبلة، وهذا يعني أن السعودية ستضخ في شرايين الاقتصاد التركي 30 مليار دولار في العام الواحد، وهو ما يفوق إجمالي المساعدات لمصر منذ 30 يوليو حتى الآن. ويبدو أن السعودية تحتفظ بعلاقة جديدة مع تركيا لسببين، الأول التقارب القوي الذي يجمع بين أنقرة وواشنطن كحليفتين وثيقتين عبر حلف الأطلسي، والسبب الثاني تعاظم العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب، الأمر الذي سيبقي الباب مواربًا للرياض عبر أنقرة في حال تعثر علاقاتها مع الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الذي توعد المملكة بالسطو على أموالها كمقابل شرعي لأمريكا لحمايتها. أما المزاعم السعودية بتوتر العلاقات مع القاهرة لقربها من إيران، فهي مزاعم للاستهلاك السياسي ليس إلا، فالقاهرة لا تربطها حتى الآن علاقات دبلوماسية مع إيران، على الرغم من تطابق الرؤى بين البلدين بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومكافحة الإرهاب، ودعم الرئيس السيسي للجيش السوري، بينما نجد أن هناك علاقات بين أنقرةوطهران، ومع ذلك تحافظ المملكة على علاقتها مع تركيا التي تتموضع حاليًّا في المحور الروسي الإيراني عبر التحالف الثلاثي حول سوريا، الذي أعلن عنه قبل أيام في موسكو.