فى جمهورية نفاق ستان الديمقراطية، إحدى جمهوريات القوقاز المطلة على البحر الأسود، يحتفظ الوزراء والمسئولون الفاشلون بمناصبهم لسنوات طويلة، ويتم تجاهل العشرات ممن هم أكفأ وأكثر خبرة منهم، وتجد شخصيات لا علاقة لها بالإعلام ولا تجيد شيئا سوى النفاق والتدليس، تظهر يوميا على شاشات الفضائيات وتكسب من وراء ذلك الملايين، وفى المقابل تجد إعلاميين موهوبين وشرفاء ممنوعين من الظهور، فالترقى والصعود فى جمهورية نفاق ستان لا يتوقف على الكفاءة والخبرة، وإنما على درجة نفاق رئيس الدولة. إذا أردت أن تصل إلى الثروة والنفوذ فى جمهورية نفاق ستان، لابد أن تنافق الرئيس فى كل وقت وفى كل مكان. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فنفاق الرئيس فى جمهورية نفاقستان ليس عشوائيا، وإنما هو فن عريق له أصوله وقواعده الراسخة: 1- النفاق موهبة يولد بها الإنسان، هل تتصور أن يكون نجوم النفاق الذين تشاهدهم فى الفضائيات يوميا، قد ولدوا بدون موهبة؟ مستحيل، فمن الصعب أن تصبح منافقا ناجحا مشهورا إذا لم تكن فى الأصل موهوبا فى النفاق، وإلا سيفتقد نفاقك المصداقية ، والمصداقية شرط أساسي فى النفاق، حتى يصدق الناس الهراء الذى ستقوله عن الشخص الذى تنافقه. لكن لا تجعل هذه القاعدة تحبطك وتثنيك عن عزمك فى أن تكون منافقا، واقرأ القاعدة الثانية. 2- المخترع الأمريكى توماس إيدسون قال إن العبقرية عبارة عن واحد بالمائة من الإلهام وتسعة وتسعون بالمائة من الجهد، وكذلك النفاق يحتاج إلى مجهود شاق ومثابرة، فالنفاق يحتاج إلى مران مستمر، وتدريب متواصل، وخبرة طويلة، لذلك ينصح أن تبدأ فى ممارسة النفاق منذ الصغر، مع والدك فى البيت، ومع أستاذك فى المدرسة، ومع رئيسك فى العمل. 3- النفاق والخجل لا يجتمعان، يجب ألا تخجل من نفسك وأنت تنافق أو تداهن أحد، يجب أن تكون شجاعا وجريئا فى النفاق إلى درجة البجاحة، احضر عزاء شخص لا تعرفه، وأبك كما لو كنت تبكى على شخص عزيز عليك فقدته منذ لحظات، وبالغ فى البكاء والنحيب حتى يفوق حزنك وجزعك عليه حزن أقارب المتوفى نفسه، ولا تخجل من ذلك أبدا. 4- فى الصباح، وأنت تحلق ذقنك أو ترشف فنجان القهوة، كرر العبارة التالية عشر مرات يوميا: "أنا مش محترم وشريف، أنا منافق ووضيع"، حتى تترسخ قيمة النفاق فى عقلك اللاواعى وتصبح قادرا على النفاق وكأنك تمشى أو تقود سيارتك، هل تفكر بشكل واع وأنت تدوس بنزين أو فرامل أثناء القيادة؟ كلا، كذلك يجب أن تصدر عنك كلمات النفاق بشكل تلقائى، بدون تفكير. 5- القراءة مهمة جدا، يجب قراءة أعمال كبار المنافقين يوميا، أجمع مقالات رؤساء تحرير الصحف القومية فى ملف خاص، واقرأ ثلاث مقالات كل يوم. ألصق مقولات "أحمد موسانوف" على مرآة الحمام لتراها صباح كل يوم. ضع إلى جوار سريرك أعمال "مصطفى بكرينوف" الكاملة لتنهل من معينها وترتوى من فيضها قبل أن تنام. 6- أفضل طريقة تحقق بها النجاح فى عالم النفاق هى أن تكون بلا رأى، عندما تكون بلا رأى فأنت فى مأمن من أن يكون رأيك مختلف عن رأى الرئيس، إن المنافق المحنك لا يقول رأيه أبدا إلا بعد أن أن يقول الرئيس رأيه، لا تستسلم أبدا لدعوة خبيثة من أحدهم كى تعبر عن رأيك، مهما حصل لا تفصح أبدا عن رأيك حتى لو هددك بالقتل، وفى حالة أن انزلق لسانك وأعربت عن رأيك، انفه على الفور، ولو قررت فى لحظة طيش أن تعبر عن رأيك صراحة فى حوار صحفى، فعليك أن تتراجع عن هذا الرأى وتنشر تكذيبا بنفس الصحيفة فى اليوم التالى مباشرة. 7- لو كنت صحفيا، أكتب عن الرئيس كل أسبوع مقالة تمتدح فيها ذكاءه الحاد وعبقريته السياسية، ولو كنت إعلاميا ابدأ برنامجك التليفزيونى بفقرة تتحدث فيها عن نزاهة الرئيس وتواضعه أو حكمته وعظمته، وهذه قاعدة من القواعد الفعالة والناجحة فى كل العهود السابقة، ويمكنك أن تمتدح زوجة الرئيس، ولكن لا تبدأ فى مدحها إلا بعد أن تتلقى الضوء الأخضر من الجهات السيادية، ولا تبالغ فى المديح حتى لا يفسر مديحك على نحو مختلف. 8- البديهيات هى الأشياء المسلم بها فى المطلق، ولا يختبر أحد صحتها ومصداقيتها، فمن هذه البديهيات أن الأرض كروية، وأن الماء يغلى عند درجة حرارة 100 درجة مئوية، ومن البديهيات أيضا أن الرئيس دائما على حق، فأى مشروع يطرحه الرئيس هو مشروع عملاق وغير مسبوق، سينقل البلد إلى مرتبة الدول العظمى، وأى خطاب يلقيه الرئيس هو خطاب تاريخى، وأى رحلة يقوم بها الرئيس إلى دولة أجنبية هى رحلة ينتظرها العالم أجمع. 9- يجب أن تعلم أن طابور المنافقين طويل جدا، أطول من طابور العيش أو أنابيب البوتاجاز، لذلك لا يكفى أن تكون منافقا فقط، وإنما يجب أن تكون مبدعا فى النفاق، تجنب التقليد والنمطية فى النفاق، يجب أن تكون مجددا فى أمور الموالسة والمداهنة والرياء، تذكر مقالة "طشة الملوخية"، والتى قال كاتبها المبدع إن رئيس جمهورية نفاقستان السابق كان عاشقا لتناول الملوخية، لكنه أصيب بسدة نفس بسبب انشغاله بهموم الشعب، فتخلى عن معشوقته الملوخية ولم يعد يتناولها. 10- حينما يخطب الرئيس أمام الجماهير، ميزة كبيرة جدا أن تكون أول من يصفق، فبذلك تضع الآخرين فى موقف التابعين لك، وسيعتقد الرئيس أنه لولاك لما شرع الآخرون فى التصفيق، ولا تتأخر فى التصفيق فهذا أمر غير مأمون العواقب. 11- بعد الانتهاء من إلقاء خطابه، يغادر الرئيس منصة الخطابة ويتوجه إلى باب الخروج، يجب أن تبدأ التصفيق فى اللحظة التى يختتم فيها الرئيس خطابه، لو حدث وسبقك أحدهم فيمكنك أن تعوض ذلك بأن تصرخ قائلا: "تحيا نفاقستان"، ثلاث مرات، الرئيس يحب ذلك جدا. 12- نهاية التصفيق لا تقل أهمية عن بدايته، فعندما تعج قاعة المؤتمرات بالتصفيق المتواصل بعد انتهاء الخطاب، فلا تكون أول من توقف عن التصفيق، فقد يلاحظ الرئيس ذلك، حتى ولو كنت فى ملعب كرة قدم يتسع لمائة ألف شخص، إن الرئيس يعرف كل ما يدور فى كل مكان، لا تتوقف عن التصفيق إلا بعد أن يغادر الرئيس القاعة، لكن لا تستمر فى التصفيق ثانية واحدة بعد ذلك، وإلا قد يفسر البعض تصفيقك المتواصل على أنه دليل سعادة على انصراف الرئيس. 13- اكتب قصيدة عصماء فى حق الرئيس وألقها فى أول مناسبة تقابل فيها الرئيس شخصيا، ولو لم تكن تتمتع بموهبة فى نظم الشعر، إلجأ إلى الأشعار الكلاسيكية، وتاريخ بلاد نفاقستان حاشد بشعراء المديح والإطراء، ولو لم تتمكن من كتابة قصيدة جديدة، ولم تسعفك ذاكرتك بقصيدة من التراث، حاول باستخدام شعر العامية أن تنال إعجاب الرئيس ورضاه. 14- لا تظهر مطلقا للرئيس أنك تتفوق عليه فى شىء، لو كنت أطول منه قليلا، فامش بجانبه منحنيا، ولو كان لديك كرش، اسحب معدتك كى تبدو أقل منه نحافة، ولو كنت أكثر منه ثقافة، قل كلاما أخرقا ومعلومات مغلوطة أو غير منطقية. 15- لو حدث أنك لا تعاني من نواقص خلقية ما، فعليك أن تختلق بعضها، اعرج فى مشيتك، أو بلل ملابسك، أو تظاهر بأنك تعانى نوبات صرع، كل هذا سيثير فى نفس الرئيس الشفقة عليك، والزعماء يحبون الناس الذين يستدعون الشفقة عليهم. 16- لو قال الرئيس نكتة وتكون قد سمعتها من قبل مائة مرة، وخمسين مرة منه هو شخصيا، فتلو فوق الأرض من الضحك، وقل إنك لم تضحك فى حياتك كما ضحكت الآن، والأفضل أن تظل تتلوى من الضحك لمدة ساعة بعد آخر نكتة قالها. 17- تحرك على مقربة من الرئيس، فهو قد يحتاج فى أى لحظة أن ينظف شيئا ما: نظارته، حذاءه. كن مستعدا دائما بخرقة فى يدك لتنظف له ما يريد، ولو لم تكن تحمل فى يدك خرقة، لا قدر الله، استخدم معطفك، ولو لم تكن ترتدى معطفا، فلا تتردد وأخلع قميصك أو حتى ملابسك الداخلية. 18- ممنوع أن تزايد على كلام الرئيس أو أن تطرح عليه أسئلة بعيدة عن اهتماماته، فأى سؤال خارج المألوف توجهه للرئيس يمكن أن يفهم على نحو مغاير، لا تسأله مثلا: "فلاسفة العالم ينتظرون سماع خطاباتك، من هو المفكر المعاصر الذى تشترك معه فى نفس الفلسفة؟"، مثل هذا السؤال يمكن أن يفهمه الرئيس على أنك تسخر منه، وعواقب ذلك عادة تكون وخيمة. 19- لو حدث واجتمعت مع الرئيس فى اجتماع عام، وطال الاجتماع لعدة ساعات، وكنت تريد دخول الحمام، ممنوع أن تستأذن بالانصراف، حتى لو انفجرت مثانتك، فالجميع يحسدك على جلوسك مع الرئيس، لو اعتقدت أن مثانتك لن تتحمل أكثر من ذلك فلا تصدق، ستتحمل، تذكر أنك لو انصرفت فسيأخذ مكانك على الفور أحد المنافقين الآخرين، لذلك اترك مثانتك تنفجر، هذا أفضل لك. 20- لو التفت إليك الرئيس بعد كلمة نفاق مبالغ فيها، وقال لك: "هل جننت؟"، الإمكانية الوحيدة لكى تنجو بنفسك هى أن تجن بالفعل، عندها فقط يمكن للرئيس أن يعفو عنك، ولكى يكون أداؤك مقنعا، اخلع ملابسك وأرقص عاريا، ولو لاحظت أن هذا المشهد لم يقنع الرئيس، اطلب من طبيب شهير أن يعطيك شهادة بأنك مريض بالجنون وفى حالة متأخرة من المرض، ولو لم ينفعك كل هذا، فأفضل لك أن تموت، فدائما ما يكون الموت أفضل من ألا تحظى برضا الرئيس فى جمهورية نفاقستان.