في ثلاثة أيام، بدءًا من الجمعة الماضية وصولاً إلى الأحد الأسود, وفي أسبوع الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، شهدت مصر ما لم تشهده من قبل, ثلاثة أيام كانت كفيلة بسقوط أكثر من 30 شهيدا نتيجة تفجيرات إرهابية في مناطق مختلفة، من منطقة الهرم مرورا بمحافظة كفر الشيخ، انتهاء بقلب الكاتدرائية البطرسية بمنطقة العباسية. الكاتدرائية التي ثارت الدنيا وقت حكم الإخوان بسبب الاعتداء الأول في التاريخ عليها من الخارج ومحاصرتها، وكنت شاهدا على ذلك, تعرضت بالأمس لتفجير من الداخل, وصل فيه عدد الشهداء إلى 25 شهيدا, لم يرتكبوا ذنباً, ولم يفعلوا جرما ذهبوا فقط للصلاة. الحديث الذي خرج به البعض عن تدبير الأمن الحوادث الإرهابية، أمر في حقيقته ينفي وجود الإرهاب من أساسه, وهذه النوعية من الأحاديث ليست بجديدة؛ فالمصريون يعرفونها منذ محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الحادثة الشهيرة بالمنشية, وفي الوقت الحال، رأيناها كثيرا ليس فقط في مصر بل في دول أخرى تم تدميرها مثل سوريا. بالمنطق، البلد التي تنهار اقتصاديا وتحاول بشتى الطرق إثبات أنها آمنة لجذب الاستثمار والسياحة، لا يمكن بكل حال من الأحوال أن يقوم حاكمها أو أحد أطراف السلطة فيها بمثل هذه الأفعال لينهي على السبل الأخيرة لنجاتها من مستقبل حالك. مع كل حادث من هذا النوع، نخرج جميعا ندين ونتحدث عن الوحدة الوطنية، وهو في الأصل أمر لن يتحقق فقط بالكلام, إذن كيف نبدأ ومن أين؟ هذه الإشكالية التي نتوقف عندها دائماً منذ قديم الأزل وينتهي الأمر بجلسة عرفية لا يحاكم فيها من أجرم حتى وصل بنا الحال إلى هنا. الشعب يعول عليه كثيرا في فكرة عدم الانقسام والانجراف وراء تمزيق الوطن مثلما حدث كثيرا في بلدان مجاورة, وفي كل المناسبات أثبت المصريون ولاءهم للدولة وبغضهم للعنف ومحاولات هدم الدولة، بدءا من التفويض الذي طلبه الرئيس لمواجهة الإرهاب المحتمل، نهاية بالتبرعات التي طلبها لعدم الوقوع في أزمة اقتصادية تؤدي إلى انهيار الدولة. كما أنه في سلوكياته وأدبياته الفطرية، الحب قبل العنف والتقرب قبل التشتت, فكم من جماعات متشددة حاولت إثناء الشعب عن المناسبات التي يحتفل بها من مئات وآلاف السنين تحت مسمى الحرام والبدع، ولم ينصت لهم لأنه يعي أن الله يعرف بالقلوب وليس بالأسلحة والدمار, يدرك أن الله محبة, وليس بمدى كرهك للآخر تتقرب إليه. إن كان الأمن لم يفعلها، كما ذكرنا، لكن يقع على عاتقه المسؤولية الأكبر, مسؤولية الحماية التي نزل الشعب من أجلها يحمل تفويضا, الحماية التي يروجها المصريون، وفي المقابل صمتوا على الفشل الاقتصادي بالبلاد. ولا يتوقف الأمر على الأمن فقط، فالتعليم الذي تحدث عنه الرئيس بأنه يحتاج إلى خمسة عشر عاما ليكون جيدا, إن لم يكن موجود الآن، فلن يمكن السيطرة على العقول التي تركت لدعاة العنف سنين طويلة, والعمل السياسي المدني المتروك لجماعات العنف عقيدتها، وعلى رأسهم حزب النور، يجب أن يفعل القانون والدستور معهم, بجانب تفعيل القانون بشكل عام وتطبيقه على الجميع، بداية من رئيس الجمهورية وصولاً إلى المواطن البسيط.