في الوقت الذي لاتزال فيه الشوارع البحرينية تضج يوميًّا بالمظاهرات الرافضة للسياسة القمعية التي ينتهجها نظام "آل خليفة" الحاكم، وعلى الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة البحرينية في فبراير عام 2011، إلا أن السلطات البحرينية لا تزال عاجزة عن إنهاء الثورة أو تهدئة الشارع، الذي لم توقفه الإجراءات القمعية التي يتفنن في تشريعها النظام البحريني لمواجهة خصومة السياسيين. أيدت محكمة الاستئناف البحرينية، اليوم الاثنين، حكمًا بالسجن تسع سنوات بحق زعيم المعارضة والأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية، علي سلمان، الذي أدين بعدة تهم، بينها الترويج لتغيير النظام بالقوة، حيث حضر "سلمان" جلسة النطق بالحكم في مقر المحكمة بالمنامة برفقة محاميه، وكانت الجلسة سريعة ووسط إجراءات أمنية مشددة، وذلك بعد أن تم تأجيلها لمدة ثمانية أيام، حيث كان موعدها في الرابع من ديسمبر الجاري، غير أن السلطات قررت تأجيلها إلى ما بعد استضافة البلاد منتدى "حوار المنامة". الحكم على المعارض البحريني، على سلمان، لم يكن جديدًا، حيث سبق أن حُكم عليه في يوليو عام 2015، بالسجن أربعة أعوام؛ لإدانته ب"التحريض علانية على بغض طائفة من الناس، بما من شأنه اضطراب السلم العام، والتحريض علانية على عدم الانقياد للقوانين، وإهانة هيئة نظامية هي وزارة الداخلية"، وفق ما جاء في حيثيات الحكم والإدانة، وذلك بعد أن تم اعتقاله في 28 ديسمبر عام 2014، وفي 30 مايو الماضي شددت محكمة الاستئناف حكم السجن إلى تسعة أعوام، وأدانت سلمان حينها ب"الترويج لتغيير النظام بالقوة"، وهي التهمة التي كان القضاء قد برأه منها في المحاكمة الأولى، لكن محكمة التمييز نقضت حكم محكمة الاستئناف في 17 أكتوبر الماضي، وقررت أن يُعهد إليها النظر مجددًا في هذه القضية. وعلى الرغم من أن حكم محكمة الاستئناف لم يكن مفاجئًا للعديد من المتابعين لحيثيات قضية المعارض "على سلمان"، إلا أن بعض المراقبين توقعوا أن تنزع محكمة الاستئناف فتيل الأزمة التي يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المنامة وأمنها، كما سبق أن نزعته محكمة التمييز في 17 أكتوبر الماضي، وعلى اعتبار أن هذا الحكم قد سبقه العديد من المظاهرات في سترة وصدد والمالكية والبلاد وأبو صيبع والدراز ومناطق أخرى، رُفعت فيها صور الشيخ علي سلمان، ورُددت هتافات ضد ملك البلاد وآلة القمع بحق أبناء البحرين، وانطلقت التهديدات من بعض القوى السياسية المعارضة لسياسة النظام البحريني، وهو ما أثار مخاوف من أن تتطور هذه المظاهرات إلى اعمال عنف واشتباكات بين مؤيدي المعارض البحريني وقوات النظام. الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية، الشيخ "علي سلمان" يعتبر حلقة في سلسلة استهداف السلطات البحرينية لمعارضيها وتكثيف حملات الاعتقال والملاحقة التي بدأت منذ قمع الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في فبراير عام 2011، ضد أسرة "آل خليفة" الحاكمة، مُطالبة بملكية دستورية، لكن يمكن القول إن جمعية الوفاق أخذت نصيب الأسد من هذه الملاحقات والاعتقالات، على اعتبار أنها كانت أكبر كتلة نيابية قبل استقالة نوابها بعد اندلاع الربيع العربي في البحرين، احتجاجًا على عمليات قمع القوات البحرينية للمتظاهرين أثناء المظاهرات، وفي 17 يوليو الماضي أصدر القضاء البحريني قرارًا بحل جمعية الوفاق ووقف نشاطاتها السياسية، لإدانتها بالانحراف في ممارسة نشاطها السياسي إلى حد التحريض على العنف، بما قد يؤدي إلى إحداث فتنة طائفية في البلاد، وفق قول السلطات حينها. الاعتقال والملاحقات لم تكن الوسيلة الوحيدة التي يستخدمها النظام البحريني لقمع معارضيه، بل لجأ إلى ما هو أقسى من ذلك من خلال جعل مواطنيه معدومي الجنسية بعد إسقاط جنسية بلادهم عنهم، حيث شرعت السلطات نظام إسقاط الجنسية لاستخدامه كسلاح موجع لمعاقبة الخصوم السياسيين للسلطة، ومنذ ذلك الحين بدأت السلطات البحرينية تصفية حساباتها مع قياديي الجمعية والمؤيدين لها، والذين كان أبرزهم الشيخ عيسى قاسم، الذي يعتبر المُلهم للثورة البحرينية والأب الروحي لجمعية الوفاق، حيث أعلنت وزارة الداخلية البحرينية في 20 يونيو عام 2016 إسقاط الجنسية عن "قاسم"، بسبب ما أسمته "القيام بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية، حيث لعب دورًا رئيسيًّا في خلق بيئة طائفية متطرفة، وعمل على تقسيم المجتمع تبعًا للطائفة وكذلك تبعًا للتبعية لأوامره". الأحكام الجائرة والاعتقالات والإجراءات التعسفية التي تتخذها السلطة البحرينية ضد خصومها وانتقادات جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان لهذه الانتهاكات تتزامن مع تقديم رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيحية في بريطانيا، جون جينكينز، استقالته الجمعه الماضية، وذلك بعد فضيحة التمويلات والمساعدات المالية السرية التي يتلقاها من الحكومة البحرينية، التي انعكست على استقلالية المعهد، حيث اتضح مؤخرًا أن المعهد قَبِلَ الملايين من العائلة المالكة البحرينية، مقابل تلميع صورة النظام الحاكم في البحرين المُتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يؤكد أنه حتى المنظمات والدول المعنية بحقوق الإنسان لم تعد مستقلة، بل أصبحت تتحدث بلغة المصالح وتحقيق الأهداف.