فهم رد الفعل الخاص بالأسواق المالية والشخصيات السياسية في أوروبا تجاه الشعب الإيطالي الذي قال "لا" في استفتاء ماتيو رينزي ربما يكون خطأ كبيرًا، كما أنه ذعر مبالغ فيه. ونتيجة الاستفتاء قد ترجع إلى عاصفة ما قبل الهدوء، على الأقل من الجانب الليبرالي، خاصة بعد خسارة نوربرت هوفر، زعيم حزب الحرية النمساوي، يوم الأحد الماضي، من قبل زعيم حزب الخضر السابق، ألكسندر فان دير بيلين. تشهد أوروبا العديد من الحركات اليمنية، وتتحدى الأحزاب القائمة بها الآن، كما لم يحدث منذ الحرب الأخيرة، بالإضافة إلى أن السياسة في كل بلد مضطربة بطريقتها الخاصة، وعلى الرغم من خروج يسار الوسط ويمين الوسط من الحكومة في النمسا، إلا أن البلاد لم تقرر بعد بالأغلبية سياستها ضد المهاجرين. في الواقع الاضطرابات في ايطاليا تأخذ شكلًا مختلفًا، إنها أكبر من فكرة ركود اقتصادي، أو أي حزب أو زعيم يمكنه المساهمة في إعادة هذا النمو مرة أخرى، وقال أحد المعلقين إن المشاكل التي عانت منها إيطاليا قبل وبعد نتنيجة الاستفتاء والهزيمة 60%- 40%، كانت هي نفسها سببًا في سقوط رئيس الوزراء. ولكن هذا ليس صحيحًا، فإيطاليا لديها مشكلة جديدة، وضخمة، وهي من يحكمها؟ والأهم من ذلك من سيختار الناخبين؟ شهدت إيطاليا الكثير من الحكومات المختلفة والمتعاقبة، والعديد من الوزراء ورؤساء الوزراء، في العقود التي تلت الحرب، ولكن في الثمانينيات كان هناك استقرار بفعل قوة الحزب الديمقراطي المسيحي، والذي أخذ أيديولوجيته من الفاتيكان، حيث التعاليم الكاثوليكية. منذ الخمسينيات، وقد ازدهرت المدن والصناعة في البلاد، أتت المساعدات من جيرانها، لتلحق بموكب الازدهار التابع لجيرانها من الدول الأوروبية الأخرى. كان الحزب الشيوعي أكثر مرونة مع السوفييت، واستفاد كثيرًا من ذلك، ولكن الحزب المسيحي الديمقراطي كان تأثيره كبيرًا حتى الثمانينيات. وشكبة الفساد التي ظهرت في نهاية الثمانينيات داخل الحزب الديمقراطي المسيحي هدمت النظام الضعيف، وجلبت سيلفيو برلسكوني والحروب السياسية التي لا ترحم إلى منصة الحكم. رينزي، يبلغ من العمر 39 عامًا، من مدينة فلورنسا، أطاح بسلفه من الحزب الديمقراطي في عام 2014، ومزق المؤسسات الفاسدة في الدولة الإيطالية، وبدأ التشييد لعهد جديد، حيث أجرى العديد من التعديلات القانونية الخاصة بالعمال، وقلص البيروقراطية المركزية والإقليمية، حاول رينزي وضع حد للسلطات المتساوية من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وهو ما دفعه لخسارة حلفائه السياسيين والدعم داخل الدولة. كما اعتبرت حركة "خمس نجوم"، التي تمثل اليمين المتطرف في إيطاليا، رفض الناخبين للتعديلات الدستورية التي دعا لها رئيس الوزراء ماتيو رينزي، في الاستفتاء الشعبي الأخير، انتصارًا لها وللحركات الشعبوية في كل أنحاء أوروبا. بدأ بيبي جريلو، وهو ممثل كوميدي، حركة "خمس نجوم" بالتعاون مع الخبير الاستراتيجي والمدون جيانروبرتو كازالدجيو، الذي توفي في إبريل 2016، وفي عام 2009 استخدم جريللو و كازالدجيو مدونة وموقع التواصل ميت أب لحشد الجماهير للقيام بحملة خاصة بالقضايا المحلية، ثم بدءوا في طرح مرشحين للانتخابات، ومنذ ذلك الحين ارتفعت شعبية الحركة؛ لتصبح واحدة من أكثر الأحزاب التي تحصل على أصوات الناخبين في إيطاليا. تعاني إيطاليا من الكثير من المشكلات، وهناك قائمة إصلاحات ضرورية تنتظر الحاكم المقبل، حيث النقابات والعمال، والبطالة ومعدل الجريمة، وغيرها.. لا تحتاج إيطاليا لديكتاتور مثل موسيليني، وربما قد يتجه الإيطاليون إلى الشعبويين، ولكن من غير المرجح أن يقبلوا بالديكتاتور. على الحزب القادم في إيطاليا أن يكون لديه الجرأة على إعادة البناء والحصول على الدعم الشعبي مثل الذي حصل عليه رينزي، لأن كل شيء يعتمد على الشعب. إعادة البناء السياسي والاقتصادي والبنية التحتية التي لا تزال ينتظرها الكثير تواجه أزمة كبيرة في كافة أنحاء أوروبا، ويجب وصول قيادة قوية إلى السلطة لوقف الانزلاق. فراغ السلطة الذي يلي سقوط رينزي يعكس السياسة الضعيفة والخطيرة الموجودة في البلاد، ومقاومة الجمهور للتغيير. جارديان