«هدم فندق كونتينتال التاريخي».. عند سماعك لتلك الجملة لا بد أن تتساءل: لماذا يتم هدم التاريخ ولا يتم ترميمه للحفاظ على طراز معماري كان من الممكن أن يسجل في سجلات الآثار؟ ذلك المبنى الذي تم إنشاؤه في قلب القاهرة ليكون أحد معالمها، وهو سؤال لم تجد له إجابة عند محافظة القاهرة التي أصدرت الترخيص بالهدم؛ بناء على طلب تقدمت به شركة «إيجوث» للسياحة والفنادق والاستثمار لهدم الفندق وإعادة بنائه. المحافظة اشترطت في الترخيص الاحتفاظ بنفس الطابع المعماري والشكل التاريخي للفندق الذي كان أحد معالم القاهرة التاريخية، حيث واكب أحداثًا فريدة من نوعها، وأقام به عدد من الوفود والشخصيات المهمة، وذلك حسب تصريحات صحفية للواء محمد أيمن عبد التواب، نائب محافظ القاهرة. أثار القرار ضجة كبيرة عقب رفض واستنكار الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، للقرار، معللًا ذلك بأنه جزء من قلب القاهرة القديم، ولا بد من الحفاظ عليه. يقع فندق الكونتيننتال في ميدان الأوبرا تقاطع شارعي عدلي مع الجمهورية بحي عابدين، في نفس المكان الذي كان يشغله فندق ضخم آخر هو «نيو هوتيل» بعد أن تم هدمه. ووفقًا لموسوعة «مدينة القاهرة في ألف عام» للدكتور عبد الرحمن زكي، فقد أسس الفندق رجل يوغسلافي سنة 1899، واحتل موقعًا بارزًا في السياسة المصرية، إذ كان من رواد بهوه الرئيسي الزعيم سعد زغلول، وأحمد زيور باشا – رئيس الوزراء في عشرينيات القرن الماضي – وعدد آخر من أبرز الساسة في ذلك الزمان، بل إنه في إحدى قاعات هذا الفندق، أعلن الملك فؤاد الملكية واستقلال مصر عن إنجلترا في مارس 1922. كما كان الفندق مقرًّا لإقامة الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس الشهير ب«لورانس العرب» عندما وصل مصر للمرة الأولى في ديسمبر 1914، بينما شهد أحد أجنحته وفاة اللورد «كارنارفون» عام 1923، وهو ممول أبحاث هاورد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ أمون، وكان كارنارفون عائدًا لتوه من الأقصر، وداهمه مرض غامض قيل إنه بسبب لدغة إحدى الحشرات هناك. في نهاية الأربعينيات أزيلت الشرفة الكبيرة، وأقيم بدلًا منها مجموعة من المحال، كما تأثر المبنى أثناء حريق القاهرة في عام 1952، وأدخلت عليه الكثير من التعديلات، ولذلك لم يتم تسجيله كأثر، لأن به أجزاء كثيرة غير أصلية، بينما تم تسجيله ضمن المباني المميزة معماريًّا في عام 2007، ضمن مستوى الحماية «ج» الذي يسمح بهدم ما خلف الواجهات. أصبح الفندق خارج الخدمة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي؛ لعدم استيفاء شروط تجديد الرخصة الفندقية، وتلك الشروط كانت تتطلب إجراء تعديلات إنشائية معينة، فعلى سبيل المثال كانت توجد غرف بلا حمامات، لكن تعذر إجراء تلك التعديلات بسبب سوء حالته، ومع زلزال 1992 حدثت انهيارات بين الطابقين الثاني والثالث، وبعد دراسات فنية وهندسية متعددة استقر الأمر على أن المبنى آيل للسقوط، ولا يمكن ترميمه. لكن لأن المبنى مسجل ضمن المباني المميزة معماريًّا وفقًا للقانون 144 لسنة 2006، فقد تم الانتهاء إلى الإبقاء على الواجهة وترميمها، مع هدم جسم الفندق وإعادة بنائه على الطراز القديم، والفندق يتميز بالمتانة الإنشائية، بدليل أنه قائم حتى يومنا هذا منذ بنائه في أواخر القرن التاسع عشر، رغم كل ما أصابه من دمار داخلي، فأساسه قوي؛ لأنه بُني بطريقة الحوائط الحاملة وهي أقوى طريقة في البناء، وما حدث أنه تم إهمال المياه المتسربة، فأدى ذلك إلى هبوط الأرضيات والأسقف، بينما ظلت الجدران سليمة؛ لأنها من الحجر. مداخل الفندق الآن لا تكاد تظهر من حجم الإشغالات، وفي واجهة الفندق من ناحية شارع 26 يوليو نجد فاترينات للمحال على ارتفاع 4 أدوار، مما أدى لتدهور الواجهة الخلفية تمامًا، بالإضافة إلى سوء الاستخدام للضلع الشمالي، الذي كان عبارة عن شقق خدمية للعاملين بالفندق، لكن تم تأجيرها فيما بعد من المالك كورش ومحال، وبالطبع مع إساءة استخدام المبنى وغياب الصيانة، كان من الطبيعي أن نصل إلى هذا التدهور. يقول الدكتور ضياء زهران، مدير عام التوثيق الأثري، ل«البديل» إن هذا المبنى وغيره من المباني القديمة بمنطقة وسط البلد أو ما يطلق عليها القاهرة الخديوية يجب الحفاظ عليها وصيانتها وترميمها طبقًا لأصولها المعمارية. واعترض زهران على هدم الفندق؛ لأنه من معالم القاهرة، ودليل على ما كانت عليه القاهرة أيام الخديوِ إسماعيل ومن جاء بعده من تقدم وازدهار في مجال العمارة، حيث تم استقدام العديد من المهندسين الأجانب من أوربا لتشييد هذا المبنى التاريخي.