تقف حركة فتح عند محطة جديدة في تاريخها، حيث تعقد اليوم مؤتمرها السابع منذ تأسيسها عام 1959، ويعول الكثير من الفلسطينيين على المؤتمر في أن يكون محطة جديدة لإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي، وإنهاء الانقسام، وتحديد مستقبل الرئاسة في الأراضي المحتلة، لكن ثمة مخاوف من ألا يأتي الاجتماع الموسع بجديد على الصعيد السياسي أو على مستوى الصراعات والانقسامات الفلسطينية الداخلية. مؤتمر حركة فتح.. النشأة والأهمية وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، إن جدول أعمال المؤتمر، الذي يعقد اليوم، في مقر السلطة الفلسطينية برام الله في الضفة الغربيةالمحتلة، ويستمر المؤتمر لمدة خمسة أيام، بمشاركة 1400 عضو في الحركة، منهم نحو 500 من مؤسسات السلطة، سيكون جوهره الحفاظ على الحركة، وإصلاح الترهل الذي تعاني منه. وأضاف زكي أن المؤتمر سيحدد شكل التوجه المقبل للحركة، في ظل ضبابية الأفق السياسي مع إسرائيل، وعدم حصول تقدم في عملية التسوية، وكذا مناقشة تقارير وقرارات اللجنة المركزية وجميع أعمال الأجهزة الحركية ل"فتح" في بداية المؤتمر؛ من أجل عملية التقييم والمحاسبة لأعضاء اللجنة المركزية، وإقرار النظام الداخلي، موضحا أنه في حال إجراء أي تعديل على النظام الداخلي سيتطلب موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين، ومن ثم إقرار الأنظمة واللوائح الحركية، وفي نهاية المؤتمر، سيتم انتخاب العدد المطلوب من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري بالاقتراع السري. المؤتمر ينعقد اليوم بعدما أُرجئ مرارًا بسبب الانقسامات الفلسطينية الداخلية، فلم تعقد فتح سوى ستة مؤتمرات في تاريخها، رغم أن نظامها الداخلي ينص على وجوب انعقاد مؤتمر مرة كل أربع سنوات، وكان آخر مؤتمر "السادس" عُقد عام 2009 في بيت لحم، ليكون الأول من نوعه في الأراضي الفلسطينية، وحضره ألفي و355 شخصًا، وجاء بعد أكثر من عشرين عامًا من انعقاد المؤتمر الخامس، الذي عقد في أغسطس عام 1988، في العاصمة التونسية، بحضور أكثر من 1000 عضو، وفيه وسعت اللجنة المركزية وأنشئ مكتب سياسي وكرس منصب القائد العام، وأكد المؤتمر على تصعيد الكفاح المسلح، وتواصل العمل السياسي. المؤتمر الرابع للحركة جاء في العاصمة السورية دمشق، وانعقد في مايو عام 1980، في ظل ظروف داخلية وإقليمية متأزمة بعد تصاعد التهديدات الإسرائيلية بضرب البنية الأساسية لمنظمة التحرير في لبنان، وكان من أبرز التغيرات التنظيمية انتخاب أعضاء جدد للجنة المركزية لحركة فتح بعد القرار بتوسيعها، وكان من أبرز التعديلات النظامية تخصيص ما لا يقل عن 50% من المقاعد للعسكريين وتوسيع المجلس الثوري. في أوائل سبتمبر عام 1971، عُقد المؤتمر العام الثالث للحركة، وحينها اشتعلت فيه النقاشات حول أسباب الأحداث الدامية في الأردن وكيفية الخروج منها، واتهم فيها جهاز الرصد الثوري بالتقصير، وتمت الدعوة لتكريس القيادة الجماعية، وتغلبت اللجنة المركزية على التحديات والصعاب في المؤتمر، وأعيد انتخاب لجنة مركزية جديدة، وتم إقرار النظام الداخلي لحركة فتح، الذي توضحت فيه بصورة أكبر مهمات المجلس الثوري، كما اعتمدت المركزية الديمقراطية كأسلوب حياة في التنظيم، وأقرت عضوية العرب في التنظيم لأول مرة. المؤتمر الثاني عُقد في مدينة الزبداني قرب دمشق في يوليو عام 1968، وبرزت في المؤتمر الدعوة لإحياء إطار المجلس الثوري المنصوص عليه في هيكل البناء الثوري لمراقبة عمل اللجنة المركزية العليا، وتم فيه انتخاب لجنة مركزية جديدة من 10 أعضاء. أما المؤتمر الأول، عقدته حركة فتح في الكويت عام 1962، وتم فيه رسم أهداف العمل وخططه وثبت فيه الهيكل التنظيمي ووزعت فيه مهمات القيادة، وعقدت مؤتمرًا تكميلي آخر في دمشق أواخر العام 1963، حيث ركزت على زيادة العضوية، وتأمين الدعم العربي وغير العربي. لأول مرة.. «حماس والجهاد» ضمن الحاضرين خلال توزيع "فتح" لدعوات حضور الاجتماع السابع في رام الله، قررت دعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي لأول مرة لحضور الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، في سياق دعوة عدد من الوفود والأحزاب والقوى الوطنية العربية والكردية للحضور، ولبت «حماس والجهاد»، الدعوة، حيث قال الناطق باسم حركة حماس، فوزي برهوم، إنه تقرر الحضور إلى المؤتمر بوفد قيادي من الحركة في الضفة الغربية، بعد أن تلقت الحركة دعوة رسمية من قبل فتح، وجاء قرار حماس مع آخر مماثل له من قبل حركة الجهاد الإسلامي، التي قررت حضور وفد قيادي لها. دعوة حركتي المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامي يمكن رؤيتها في إطار محاولات فتح التقارب أو على الأقل فتح قنوات اتصال مع الفصائل الفلسطينية المؤثرة في الساحة السياسية، خاصة بعد أن بدأت العلاقات بين حماس والعديد من الدول العربية تأخذ منحنى جديد، وعلى رأس هذه الدول مصر، حيث توجد مؤشرات ورسائل إيجابية توحي بتقارب وشيك بين الطرفين، خاصة مع توافقهما حول المرشح الفتحاوي المفصول، محمد دحلان، ووجود مؤشرات تشير إلى وجود تحالف دحلاني حمساوي، ظهر مؤخرًا في عقد دحلان صفقة للإفراج عن المعتقل زكي السكني، قائد كتائب شهداء الأقصى، من سجون حماس. كما أن علاقات الجهاد مع الدول العربية لا بأس بها وظهر ذلك جليًا في زيارة وفد من حركة الجهاد بزعامة أمينها العام، رمضان شلح، ونائبه زياد النخالة، وعدد من قيادات الحركة في الداخل والخارج الفلسطيني، إلى مصر قبل أيام، ومناقشة ملف المصالحة الفلسطينية، الأمر الذي قد يكون دفع فتح إلى التنازل عن بعض من تعنتها أمام حركة حماس، وسعت إلى محاولات استقطاب حماس إلى جوارها من جديد حتى تتجنب ضغوط الحركة عليها. إيجابيات وسلبيات من المفترض أن يتيح المؤتمر السابع لكبرى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وأقدمها، إعادة تنظيم صفوفها تحت رئاسة محمود عباس، حيث يتوقع بعض المراقبين حدوث انقلاب في سياسات الحركة يتخلله صعود لوجوه جديدة وغياب لأخرى عن المشهد السياسي، وهذا التنظيم الجديد تنتظر الفصائل الفلسطينية أن يعود بالإيجاب على منظمة التحرير الفلسطينية ككل، على اعتبار أن فتح تعتبر ركيزة أساسية في هذه المنظمة، حيث توقع مراقبون أن إعادة بناء الحركة من الداخل قد يسرع من انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، ويعيد ترتيب وضع منظمة التحرير، وينعكس بالنتيجة على المصالحة الفلسطينية المتعثرة منذ سنوات. التغييرات التنظيمية في الحركة المقرر أن تشهدها حركة فتح خلال مؤتمرها السابع، يتوقع بعض المراقبين أن تكون قضية القيادي المفصول من الحركة في عام 2011، محمد دحلان، على رأس أولويات المناقشة، خاصة بعد أن سرت تكهنات بشأن خلافته لأبو مازن في الرئاسة الفلسطينية ووجود ضغوط عربية لإعادته إلى حركة فتح، كما أن دحلان والأعضاء المفصولين من الحركة الذين وصفهم الرئيس الفلسطيني ب"المتجنحين" يمكن أن يشكلوا تيارًا من شأنه تشتيت جهد فتح في أية انتخابات مقبلة، كما حدث في الانتخابات التشريعية عام 2006، التي شهدت فشل الحركة المدوي في مواجهة حماس، وأدى إلى سيطرة الأخيرة على قطاع غزة. وسط هذه الحالة من التفاؤل، ينسج آخرون خيوطا متشائمة لنتائج المؤتمر؛ فيرى بعض المراقبين أنه سيعقد ويمر دون إحداث تغييرات جوهرية في برنامج فتح السياسي، ولن يؤدي سوى إلى تعزيز حضور الحركة في مؤسسات السلطة الفلسطينية، فيما أبدى آخرون تخوفهم من توجه الحركة إلى الاستئثار بكل شيء، الأمر الذي من شأنه تعميق الانقسام داخل الحركة، خاصة أن غالبية الأسماء التي تضمها قائمة الحضور إلى المؤتمر ستصبّ في التوجه الذي يرغب به الرئيس عباس خلال المؤتمر، في شكل يفتت أي تكتل محتمل لأنصار القيادي دحلان في المؤتمر. يرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد المجيد أبو سويلم، أن فتح تقود المشروع الوطني وتتحمل مسؤوليته، لذا تسعى إلى إحكام سيطرتها على السلطة، وهذا التوجه موجود داخل الحركة، لكنه سلاح ذو حدين؛ فإذا كان يساهم في إحداث انسجام بين الحركة ومؤسسات السلطة، فقد يعزز نزعة استئثار الحركة بكل شيء، وهذا ما يجب ألا يوافق عليه أحد، فيما توقع المحلل السياسي، جهاد حرب، تغييرًا سلبيًا يطاول "فتح" بتحولها من حركة مفتوحة تقبل التعددية داخلها إلى حركة أو تيار لا يقبل التعددية، وأضاف: واضح من أسماء المشاركين في المؤتمر أن فتح اعتمدت على كثير من أعضائها العاملين في مؤسسات السلطة الفلسطينية، ما يعزز مقولة أن فتح تتجه إلى تعزيز وجودها أكثر في مؤسسات السلطة. في الوقت نفسه، أشار محللون إلى أن الوضع داخل الحركة سيكون أكثر انقساما، بفعل الصفقات التي يجرى التحضير لها، ومن شأنها إقصاء قيادات تاريخية للحركة، ما ستنشأ عنه انقسامات جديدة على غرار جماعة دحلان والأعضاء المفصولين من الحركة، الأمر الذي سيكرس الترهل والتشرذم داخل الحركة المركزية، خاصة مع عدم دعوتها للعديد من الكوادر والقيادات الفتحاوية لحضور المؤتمر، ما قابله انتقادات عدة من جانب هؤلاء الكوادر، وصلت إلى دعوات لمقاطعة المؤتمر، كان أول المنضمين إليها النائب عن حركة فتح، جمال الطيراوي، الذي برر مقاطعته للمؤتمر بإصرار حركة فتح على تغييب واستثناء وإقصاء وتهميش آلاف الكوادر والقيادات النضالية والوطنية والتاريخية من المشاركة بصنع القرار الفتحاوي. وفي السياق، هناك بعض التخوفات من وجود تدخلات إقليمية وعربية قد تعرقل نجاح المؤتمر، خاصة بعد جولة الرئيس عباس قبل أيام إلى تركيا وقطر، والأنباء التي تفيد بحضور بعض الوفود العربية المشاركة في الرباعية العربية الذي يتكون من السعودية ومصر والأردن والإمارات، خاصة أن هذه الدول تسعى إلى الضغط على حركة فتح وخاصة الرئيس عباس للقبول بتسوية فلسطينية تأتي ب"دحلان" على رأس القيادة الفلسطينية، وخاصة مع تنبؤ بعض المراقبين بسعى دحلان إلى إفشال المؤتمر، من خلال العمل على اقناع حماس من جهة وإسرائيل من جهة أخرى لمنع وصول أعضاء المؤتمر من قطاع غزة إلى الضفة الغربية حيث مقر انعقاد المؤتمر. تحديات وعراقيل يأتي انعقاد المؤتمر السابع ل"فتح" في الوقت الذي تتزايد فيه التحديات والعراقيل أمام الحركة، أبرزها في قدرتها على إصلاح حالة الترهل التي تعاني منها، ناهيك عن انغلاق جميع أبواب التسوية وتوقف العملية التفاوضية مع الجانب الإسرائيلي ورفض وتهرب الكيان الصهيوني من أي مفاوضات أو التزامات دولية، وعجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قراراته، كما تأتي حالة الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس لتضيف المزيد من التحديات، في ظل تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي.