شهدت الدبلوماسية المصرية الأسبوع الماضي العديد من التطورات، خاصة على مستوى محيطها العربي، فبينما كان واضحًا أن هناك انعطافة مصرية جديدة نحو سوريا بتغير لغة الخطاب، شهدت الساحة العربية الإفريقية معارك عدة، أسفرت في النهاية عن ظهور بوادر خلاف مصري مع المغرب والرياض بشأن موقف القاهرة من انسحاب الدول العربية من قمة ملابو، كما شهد الأسبوع تحركات عربية لرأب الصدع المصري السعودي، إلا أنها انتهت بالفشل. دعم مصر للجيش السوري تشهد العلاقات المصرية السورية حاليًّا انعطافة جديدة، مع كثرة الحديث عن إعادة الخريطة السياسية في المنطقة، فمع وصول العلاقات المصرية السعودية إلى مرحلة استثنائية من التوتر، يبدو أننا أمام مشهد جديد لعودة العلاقات بين دمشقوالقاهرة إلى إطارها الطبيعي السابق، ولكن بحسب وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ما زال الأمر يحتاج إلى قفزة واحدة للوصول إلى محطة الأمان. وجاءت تصريحات وزير الخارجية السوري لتعبر عن منعطف جديد تمر به العلاقات المصرية السورية ضمن عدة منعطفات خلال السنوات الخمس الماضية، كان واضحًا فيها عدم وجود رؤية محددة للقاهرة فيما يخص الملف السوري، بداية من الإدارة التي أعقبت ثورة 25 يناير، مرورًا بصعود الإخوان إلى سدة الحكم وانحيازهم للجهاديين، وصولًا إلى النظام الحالي. التقدم الذي تحدث عنه المعلم في العلاقات المصرية السورية كانت معالمه واضحة بداية من رفض القاهرة الانصياع للمطالب السعودية بدعم إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته؛ خوفًا من التورط في الملف السوري، وصولًا إلى التقارب مع وجهة النظر الرسمية السورية التي تصنف جماعة الإخوان إرهابية، والتوافق حول دور قطر وتركيا في دعم الإرهاب. الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي قال في مقابلة مع التليفزيون البرتغالي بعد يومين من تصريحات المعلم بأن "مصر تدعم الجيش السوري في مواجهة العناصر المتطرفة"، مشيرًا إلى أن "الحل السياسي للأزمة السورية هو الحل الأمثل، ولا بد من التعامل بجدية مع الجماعات الإرهابية ونزع السلاح منها، بالإضافة إلى وحدة الأراضي السورية؛ حتى لا يتسبب ذلك في تجزئة مشكلة سوريا، وإعادة أعمار ما دمرته الحرب فى سوريا". ومن ضمن سياق التقارب المصري السوري في الفترة الأخيرة زيارة اللواء علي مملوك، رئيس مكتب "الأمن الوطني"، للعاصمة المصرية القاهرة، الشهر الماضي، والتي التقى خلالها اللواء خالد فوزي، نائب رئيس جهاز الأمن القومي في مصر، واتفقا على "تنسيق المواقف سياسيًّا بين سوريا ومصر، وتعزيز التنسيق في مكافحة الإرهاب الذي يتعرض له البلدان". بوادر خلاف مع المغرب في نفس الأسبوع شهدت القمة العربية الإفريقية في غينيا الاستوائية اختلافات جديدة بين مصر من جهة والمغرب والسعودية من جهة أخرى، حيث اصطفت بعض الدول الخليجية بجانب الرياض مع الرباط عندما قررت الأخيرة الانسحاب، فيما تنذر مشاركة القاهرة في القمة وعدم الانسحاب منها بوجود بوادر خلاف مصري مغربي أظهرته ردود أفعال الصحف المغربية. وأثناء الجلسة الافتتاحية للقمة التي رأستها الكويت، انسحبت المغرب احتجاجًا على مشاركة الجمهورية الصحراوية التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد عام 1977. وانضمت إلى المغرب وفود السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمانوقطر والأردن واليمن والصومال، وشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي فى الجلسة الافتتاحية للقمة، وكان على رأس الحضور أمير الكويت، والرئيس السودانى عمر البشير، والرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز، بالإضافة إلى عدد كبير من رؤساء الدول الإفريقية، منها تشاد ونيجيريا وزامبيا والكونجو وزيمبابوى وكوت ديفوار. وعلى الرغم من دعم مصر موقف الدول العربية المنسحبة، حيث أكدت الرئاسة المصرية فى بيان لها أن مصر لا تعترف بالجمهورية الصحراوية، ولكنها تحظى بوضعية دولة عضو بالاتحاد الإفريقي، إلا أن الصحافة المغربية قرأت الموقف المصري بأنه مناهض للمغرب في سياق التوتر المكتوم الذي ظهر مؤخرًا عقب ما تردد عن استقبال القاهرة وفدًا من البوليساريو في احتفالات البرلمان المصري بشرم الشيخ. بدأت أزمة الصحراء الغربية عام 1975 عقب زوال الاحتلال الإسباني في المنطقة؛ ليتحول النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، قبل أن يتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأممالمتحدة. وجاءت هذه القراءات في ردود الفعل الإعلامية المغربية، ففي الوقت الذي لم تعلق فيه المغرب رسميًّا على المشاركة المصرية في القمة العربية الإفريقية واكتفت بالإشادة بالدول المنسحبة، اهتم الإعلام المغربي بهذا الأمر، منتقدًا رؤساء الدول العربية التي حضرت القمة، مؤكدًا أنها تغرد خارج السرب، وقالت صحيفة هيسبرس المغربية: "في الوقت الذي آزرت فيه السعودية ودول عربية أخرى قرار الوفد المغربي بالانسحاب من القمة العربية الإفريقية، بسبب وضع علم البوليساريو في طاولة الاجتماعات، يحضر قادة بلدان عربية أخرى القمة، دون مبالاة بالقرار المغربي"، مشيرة إلى أن هذا التحرك يزيد من ترسيخ "الفتور" في العلاقات بين الرباطوالقاهرة. فشل المصالحة مع السعودية وفي سياق آخر تشهد العلاقات المصرية السعودية جمودًا في الفترة الأخيرة، وباءت محاولات جامعة الدول العربية والإماراتيةوالكويتية بالفشل لوقف توسيع الهوة بين البلدين، خاصة في الملفات الإقليمية. وما زالت القاهرةوالرياض تتمسكان بمواقفهما السياسية، خاصة إزاء الأزمة السورية، علمًا بأن أمير الكويت دخل هو أيضًا على خط الوساطة أخيرًا، من خلال اتفاقات سارية لزيادة ضخ كميات البترول الكويتية التي تصل مصر؛ لتعويض نقص إمدادات «أرامكو» بعد توقفها عن ضخ النفط لأجل غير مسمّى مع تصاعد الخلافات السياسية بين البلدين. ونقل موقع "الإمارات 71" الإماراتي عن مصادر دبلوماسية قولها إن جهود أبوظبي لتحقيق مصالحة بين مصر والسعودية قد باءت بالفشل، وتحدثت المصادر ذاتها عن فشل محاولتين لإجراء صلح بين القاهرةوالرياض قادت إحدى المحاولتين أبوظبي رغم علاقتها الوثيقة بإدارة السيسي، فيما قام بالمحاولة الثانية أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، الذي سافر على غير موعد مسبق للسعودية قبل أيام. وبينما كان الأمين العام للجامعة العربية يطمح لأن ينجز المصالحة بين البلدين الشقيقين؛ بهدف إعادة الزخم لدوره ولما تعهد به من قبل حينما أعلن عند اختياره أمينًا أن على رأس أولوياته إعادة اللحمة للعلاقات بين بلدان العالم العربي التي تشهد توترًا، لم تأتِ الزيارة بنتائج تذكر، وهو ما أعاد الحديث عن توسع هوة الخلاف مرة أخرى، خاصة بعد الانسحابات العربية التي حدثت بالقمة العربية الإفريقية تضامنًا مع المغرب ورفض القاهرة الانصياع لهذا التحرك.