أثار انسحاب المغرب وعدد من الدول العربية من القمة الإفريقية العربية المنعقدة في ملابو عاصمة غينيا ارتباكًا واسعًا لمنظمي القمة أمس، فعلى الرغم من المحاولات العربية الإفريقية باستمرار لتنظيم هذه القمة دون توقف كل ثلاث سنوات، واجهت معضلة جديدة تتمثل في المعارضة العربية لحضور وفد من البوليساريو؛ تضامنًا مع الرباط في قضية الصحراء المغربية، الأمر الذي أدى إلى تأجيل التحضيرات للقمة التي تسبق انعقادها بيوم واحد. وأفادت وكالة الأنباء الرسمية المغربية أن المغرب والسعودية والإمارات وقطر والبحرين وعمان والأردن واليمن والصومال أعلنت انسحابها من القمة العربية الإفريقية الرابعة التي تحتضنها جمهورية غينيا الاستوائية، وذلك بسبب «وضع علم ويافطة باسم كيان وهمي داخل قاعات الاجتماعات». ودائمًا ما تواجه القمة العربية الإفريقية مشاكل واسعة، حيث إنها لم تعقد منذ نشأتها سوى 4 مرات، حيث تشهد عثرات كثيرة، واستضافت القاهرة أولى هذه القمم عام 1977، والتقى الطرفان مجددًا في ليبيا عام 2010 بالقمة الثانية، أما الثالثة فعقدت في الكويت 2013، في حين استضافت غينيا الاستوائية القمة الحالية، حيث من المفترض أن تنعقد القمة العربية الإفريقية كل ثلاث سنوات، لكن كثيرًا ما تواجه صعوبة في إقامتها. وأرجع بيان الخارجية المغربية قرار الانسحاب إلى ما وصفته بإخلال في الضوابط، موضحًا أنه "كان من بين الضوابط المشتركة المنبثقة عن احترام الوحدة الترابية للبلدان، أن تقتصر المشاركة في الأنشطة التي تجمع الطرفين على الدول الأعضاء في هيئة الأممالمتحدة، غير أنه لوحظ إخلال بهذه الضوابط، إذ وضع علم ويافطة باسم كيان وهمي داخل قاعات الاجتماعات". وعلى الرغم من تسبب انسحاب الوفود العربية المساندة للمغرب في خلل كبير بأعمال القمة، ما اضطر رئيس المجلس الوزاري للقمة، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي وزير الخارجية، الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، إلى رفع أعمال اجتماعات المجلس الوزاري، إلا أن القمة انطلقت في موعدها بمشاركة زعماء ورؤساء دول عربية وإفريقية، منها مصر وموريتانيا والسودان والكويت دون إلغائها. ويعتبر ملف الصحراء الغربية مشكلة مزمنة للإدارة المغربية والتي كرست كل جهودها في الفترة الأخيرة إفريقيًّا وعربيًّا لمواجهة جبهة «البوليساريو» (ممثلي الصحراء والمطالبين بالانفصال عن المغرب)، التي بدأت خلافها مع الرباط في عام 1975 عقب زوال الاحتلال الإسباني في المنطقة، حيث طالبت بإنشاء دولة مستقلة عن المغرب، وهو ما رفضته الأخيرة؛ ليتحول النزاع إلى نزاع مسلح استمر حتى عام 1991، قبل أن يتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأممالمتحدة. وجاءت هذه الانسحابات العربية الأخيرة من القمة العربية الإفريقية في وقت تسعى فيه الدبلوماسية المغربية على كافة الجبهات لتحقيق تقدم ملموس في الملف الصحراوي عن طريق عودتها إلى الاتحاد الإفريقي وطرد جبهة البوليساريو، حيث زار الملك المغربي محمد السادس عددًا من الدول الإفريقية مؤخرًا، من بينها تنزانيا ورواندا وإثيوبيا، كما حظيت المغرب في الفترة الأخيرة بدعم خليجي واسع في الملف ذاته، وذلك بعد القمة الخليجية المغربية، والتي أعلنت فيها الدول الخليجية صراحة دعمها الكامل للرباط في مواجهة البوليساريو والدول الإقليمية الأخرى التي تساندها كالجزائر، والتي دائمًا ما تشتبك سياسيًّا مع الرباط بشأن هذا الملف. وتشهد العلاقات المغربية مع دول الخليج في الفترة الأخيرة تحسنًا ملحوظًا، إذ بدأت الرياض تخطو وحلفاؤها الخليجيون خطوات واضحة نحو دعم الرباط في الملف الصحراوي في مواجهة الجزائر، لكن تشير التقديرات إلى أن اتخاذ الخليج وعلى رأسه المملكة السعودية هذا التوجه نحو المغرب لم يأتِ فقط دعمًا للمغرب، لكن على خلفية موقف الجزائر من الملف السوري ورفضها الانصياع لمواقف الرياض في ملفات المنطقة، فرفضت المشاركة في التحالف السعودي باليمن، وناهضت مشاريع خليجية كثيرة في الجامعة العربية لاستلام المعارضة مقعد سوريا في القمم السابقة، كما تتباين وجهات النظر الجزائرية السعودية في مجالات أخرى، كالملف النفطي، لذا فسر كثيرون الموقف السعودي غير المحايد والواضح والعلني في الفترة الأخيرة بشأن الخلاف الجزائري المغربي بأنه رد على مواقف أولاد بوتفليقة البعيدة عن التوجه السعودي ومصالحها في المنطقة. على الجانب الآخر قرأ الكثير من المراقبون الموقف المصري بأنه يأتي ضمن سياق مؤشرات كثيرة توضح مدى الخلاف المصري مع المحور السعودي الذي بات واضحًا للعلن، خاصة بعد تهديدات الرياض بوقف إمدادات النفط للقاهرة والانعطافة المصرية الجديدة من سوريا والتي تكللت بتصريحات السيسي بأن القاهرة تدعم الجيش السوري في مواجهة الإرهاب، وهو ما يعد مصارحة علانية بالخلاف مع السعودية التي تدعو لإسقاط النظام السوري وجيشه. وجاءت هذه القراءات في ردود الفعل الإعلامية المغربية والمصرية والعربية بعد التطورات الأخيرة، ففي الوقت الذي لم تعلق فيه المغرب رسميًّا على المشاركة المصرية في القمة العربية الإفريقية واكتفت بالإشادة بالدول المنسحبة، اهتم الإعلام المغربي بهذا الأمر، منتقدًا رؤساء الدول العربية التي حضرت القمة مؤكدًا أنها تغرد خارج السرب، وقالت صحيفة هيسبرس المغربية: "في الوقت الذي آزرت فيه السعودية ودول عربية أخرى قرار الوفد المغربي بالانسحاب من القمة العربية الإفريقية، بسبب وضع "علم البوليساريو" في طاولة الاجتماعات، يحضر قادة بلدان عربية أخرى القمة، دون مبالاة بالقرار المغربي، مشيرة إلى أن هذا التحرك يزيد من ترسيخ "الفتور" في العلاقات بين الرباطوالقاهرة". وبعيدًا عن التوتر المصري السعودي فإن علاقة الرباطوالقاهرة تشهد توترًا مكتومًا في الفترة الأخيرة على أثر تداول تقارير مغربية عن استقبال القاهرة الشهر الماضي لوفد من «البوليساريو»، الأمر الذي أثار ضجة واسعة داخل الرباط، لكن الساسة المغاربة أيضًا ربطوا مواقف القاهرة الأخيرة من المغرب بأنها خروج من المحور الخليجي في إطار دخول علاقة مصر مع السعودية في منعطف مسدود. والذي زاد من الأمر حساسية مشاركة "السيسي" في القمة الأخيرة، على الرغم من تأكيد القاهرة بأنها لم تعترف حتى الآن بجبهة البوليساريو، وأن مشاركتها جاءت لتعكس حرص مصر على تعزيز التعاون الإفريقي العربي المشترك؛ من أجل تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة مختلف التحديات التي تواجه الشعوب العربية والإفريقية في هذا الخصوص. وبينما كانت وجهة النظر المصرية واضحة بشأن مشاركة القمة العربية الإفريقية وهي الحفاظ على مصالحها، جاءت ردود الأفعال السياسية والإعلامية المصرية منتقدة الانسحاب العربي، مشيرة إلى أنه إذا كانت القاهرة انسحبت من هذا المحفل، فمن شأن هذا القرار صبغه بالتبعية وعدم الاستقلال، فقال طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية إن «القمة العربية الإفريقية مهمة جدًّا، وكان لا بد من حضور مصر التي هي موقفها واضح ولا تقلد أحدًا، وقرارها مستقل وليست تابعة»، فيما استنكر الدبلوماسي المصري السابق رخا حسن قرار ال 8 دول بالانسحاب، مشيرًا إلى أنه يعد مجاملة واضحة وصريحة للمغرب ويؤثر سلبًا على علاقات الدول العربية بالدول الإفريقية، ولاسيما دول خط الاستواء.