ارتفع معدل البطالة خلال الربع الثالث من السنة الحالية (يوليو- سبتمبر)؛ ليبلغ 12.6٪ من إجمالي قوة العمل، مقابل 12.5% في الربع الثاني من العام ذاته، وأرجع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هذا الارتفاع إلى أن هذه الفترة من كل عام يتم فيها تدفق الخريجين الجدد المنضمين لسوق العمل بمختلف مؤهلاتهم، سواء كانوا مؤهلات متوسطة أو فوق متوسطة أو جامعية. وقدرت «الإحصاء» نتائج بحث القوى العاملة عن هذا الأمر أن حجم قوة العمل بلغت 28.8 مليون فرد، بزيادة 289 ألف فرد، بنسبة زيادة 1% عن الربع السابق عليه، وبزيادة قدرها 814 ألف فرد، بنسبة زيادة 2.9% عن الربع ذاته عام 2015. إشكالية البطالة بدأت في الظهور مع ظهور الاختلالات الاقتصادية في مصر وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة ووجود فجوة كبيرة بين قلة الإنتاج وزيادة الاستهلاك، مع زيادة معدل النمو السكاني، وتضخم عدد الخريجين الذين يضخون إلى سوق العمل سنويًّا، وتقليص دور الحكومة والقطاع العام في خلق فرص عمل جديدة، وتحميل تلك المسؤولية للقطاع الخاص. كما زادت معدلات البطالة مع إغلاق المصانع واتباع سياسة الخصخصة التي قضت على القطاع العام الذي كان يستوعب عددًا كبيرًا من الخرجين الجدد، الذين أصبحوا يدخلون تحت مسمى عاطل عن العمل، بعد حصولهم على شهادة جامعية؛ لعدم وجود مكان لهم في توظيف حكومي. ومع حالة الركود الاقتصادي الذي ضرب اقتصاد الدولة من قلة الإنتاج الصناعي والزراعي وانخفاض معدلات السياحة وغيرها من المجالات التي كانت تستوعب توظيف الشباب والخرجين، تحول الأمر إلى إقصاء مَنْ كان لديه عمل وتسريح كثير من العمال؛ ليدخلوا في فئة العاطلين بدلًا من استيعاب جدد. الحديث عن فرص العمل في ظل السياسات التي تتخذها الدولة أصبح شيئًا لا يصدق، فبعد أن أكدت الدولة دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة للشباب والتسهيلات، وجدنا سياسات لا تمت للواقع بصلة، حيث تعاني الآن المشروعات المتوسطة والصغيرة من الزيادات المتتالية في أسعار الكهرباء التي تضاعفت، وأسعار مستلزمات الإنتاج التي تأثرت بتقلبات سوق صرف الدولار وقرار التعويم ورفع أسعار البنزين، فاتجهت بعضها إلى الإغلاق. القضاء على البطالة يأتي في عدد من الإطارات، يبدأ بإصلاح النظام الضريبي والتأميني؛ لتشجيع أصحاب الأعمال على توظيف العمالة، وإزالة القيود على المشروعات الجديدة، وزيادة الحوافز، وتشجيع إقامة شركات التوظيف التي تعمل على التنسيق مع أصحاب الأعمال، ووضع إعانات مادية للعاطلين في حالة التحاقهم بالبرامج التدريبية التي تنظمها الدولة، وهو ما حدث في ألمانيا للتغلب على زيادة معدلات البطالة. وبالنظر إلى التجربة الماليزية للقضاء على البطالة والفقر، نجد أن الحكومة استندت على جلب الاستثمارات الأجنبية، والتركيز على الزراعة والصناعة، وقدمت الحكومة الماليزية وقتها إعفاءات وتسهيلات ضريبية على الاستثمارات الأجنبية لمدة عشر سنوات، وهو ما شجع المستثمرين الأجانب على الدخول إلى حقل العمل الماليزي. ارتفاع معدل البطالة خاصة بين الشباب يفتح الباب للهجرة غير الشرعية التي أصبحت خطرًا يهدد جميع الدول، فمع فشل الحكومة في توفير فرص عمل للشباب، التي تعد الهدف الأساسي وراء هجرتهم للخارج، وهي من أبسط حقوق الحياة التي كفلتها الدساتير والمواثيق الإنسانية, لم يعد أمام الشباب سوى طريق واحد، وهو اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية؛ في محاولة للبحث عن عمل في دولة أخرى. تعمل مصر خلال الفترة الحالية على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية للعمل في السوق المصري؛ ولذلك لابد أن يتم الاشتراط على أن تكون العمالة مصرية خالصة؛ حتى يتسنى للحكومة القضاء على معدل البطالة الذي يرتفع، دون أن تسعى للسيطرة على حجمه، ومحاولة تقليله.