تتباين الآراء ووجهات النظر الإعلامية عقب دخول رئيس جديد بالبيت الأبيض بواشنطن، فتبدأ التكهنات والتحليلات بخصوص السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وسيطرة الحزب الجمهوري على المنصب مرة أخرى بعد فترتين رئاسيتين للحزب الديمقراطي برئاسة باراك أوباما، يطرح الكثير تساؤلات عن سياسات الرؤساء الجمهوريين السابقيين حيال الشرق الأوسط وما نتج عنها من حروب وكيفية تعامل ترامب بعد فوزه بالانتخابات مع قضايا المنطقة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة كان ثلاثة رؤساء أمريكيون من الحزب الجمهوري على رأس هذا المنصب، بداية من رونالد ريجان بفترتين رئاسيتين، ومرورًا بجورج بوش الأب بفترة رئاسية واحدة، وبعد فترتين رئاسيتين للديمقراطيين، عاد الجمهوريون بفترتين رئاسيتين لجورج بوش الابن، فكيف كانت سياستهم تجاه الشرق الأوسط؟ وهل قاموا بحروب في المنطقة؟ رونالد ريجان رونالد ويلسون ريجان هو الرئيس الأربعون للولايات المتحدةالأمريكية. صعد إلى كرسي الرئاسة في الثمانينيات من القرن الماضي ممثلًا للحزب الجمهوري؛ ليظل في هذا المنصب فترتين رئاسيتين، شهدت واشنطن في عهده الكثير من التدخلات السياسية والعسكرية في قضايا الشرق الأوسط، ففي نهاية ولايته الأولى وبداية الثانية شن ريجان حملتين عسكريتين على لبنان وليبيا، فكان التدخل العسكري المباشر نصيب الأولى، بينما القصف الجوي من نصيب الثانية. اعتبر منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها في تلك الفترة ياسر عرفات منظمة إرهابية وعبئًا على لبنان، مما استدعى إخراجها من بيروت وكافة المناطق، عبر محادثات خاضها السفير الأمريكي في لبنان فيليب حبيب. دخل ريجان لبنان وغادرها تحت النيران، بعد تدمير السفارة الأمريكية وثكنات مشاة البحرية (المارينز) بلبنان، ما دفع ريجان للبدء في سبتمبر 1983 باستهداف بعض المواقع داخل لبنان بواسطة بوارج أمريكية. اتخذت إدارته موقفًا مناهضًا لمشروع تقدمت به فرنسا لمطالبة إسرائيل بالانسحاب الكامل من لبنان، وطالب بإزالة الوجود الفلسطيني المسلح من بيروت وغيرها، غير أن مجلس الأمن صوت بقرارين رقم 508، و509، مطالبًا إسرائيل بالانسحاب من لبنان ووقف العمليات العسكرية، وتقدمت إسبانيا بمشروع قرار لإدانة إسرائيل؛ لعدم تطبيقها القرارين، غير أن الولاياتالمتحدة استخدمت حق الفيتو ضد المشروع. فرض حصارًا على ليبيا، واعتبرها من قوى الشر، وأمر بالمناوشات الجوية البحرية مع ليبيا، ثم قام بعملية قصف طرابلس وبنغازي عام 1986، حيث توغلت البحرية الأمريكية داخل المياه الإقليمية الليبية، وأرسلت حاملة طائرات إلى هناك؛ للقيام بمناورات عسكرية، وكان الرد الليبي على المناورات عسكريًّا على الأرض، مما أدى إلى أحداث خليج سرت. وفي 15 إبريل 1986 قامت 66 طائرة أمريكية، انطلق بعضها من قواعد بريطانية، بشن غارة وقصف أهداف في العاصمة الليبية، وبرر حينها ريجان الهجوم باتهام ليبيا بالمسؤولية المباشرة عن الإرهاب الموجه إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والشعب الأمريكي في كل العالم، وقال في خطابه التليفزيوني الذي أذيع بعد الهجوم بساعتين: "عندما يتعرض مواطنونا لهجوم أو لسوء معاملة في أي مكان في العالم بناء على أوامر مباشرة من أنظمة معادية؛ فإننا سنرد طالما أنا في هذا المنصب". جورج بوش الأب جورج هربرت واكر بوش، هو رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية الحادي والأربعون من عام 1989 إلى عام 1993، عمل قبل ذلك مديرًا لوكالة المخابرات المركزية ونائبًا للرئيس الأمريكي رونالد ريجان، وكان قد بدأ حياته السياسية في مجلس الشيوخ عام 1966ممثلًا للحزب الجمهوري، وخلال مسيرته الرئاسية كان يركز على الشرق الأوسط. وحين غزا صدام حسين الكويت في أوائل التسعينيات، أعلن بوش أنه سيشتبك مع القوات العراقية؛ بدعوى تحرير الكويت. وهكذا بدأت حرب الخليج الأولى، التي قاد فيها تحالفًا من ثلاثين دولة، ونتج عن هذه الحرب وفاة مائة وثمانية وأربعين جنديًّا أمريكيًّا وإصابة أربعمائة وسبعة وستين من حوالي خمسمائة وواحد وأربعين ألف جندي أمريكي شاركوا في العمليات، كما تحطمت ست وسبعون طائرة أمريكية. وقبل انتهاء ولايته أصدر أمرًا للقوات الأمربكية بالتواجد بأعداد كبيرة في الصومال؛ بدعوى إعادة الأمل وتأمين الغذاء للشعب الصومالي وللأطفال الجوعى، غير أن القوات الأمريكية خسرت 18 جنديًّا، الأمر الذي أثر على شعبية بوش، التي كانت قد تعرضت للهبوط؛ بسبب المعاناة الاقتصادية التي تسببت فيها سياساته الاقتصادية. كانت سياسة بوش الأب تجاه القضية الفلسطينية متوازنة إلى حد ما، فبخلاف ما شاع عن السياسة الأمريكية، كانت إدارة بوش أكثر توازنًا بشأن حقوق الفلسطينيين، على الرغم من أنه التزم بتحالفه الاستراتيجي مع إسرائيل، إلا أن الأمر الذي تغير هو لهجة الخطاب التي أحيانًا تبدو مناهضة للكيان الصهيوني، فيما عدا ذلك استمرت إدارة بوش في قبول إسرائيل بصفتها كيانًا استراتيجيًّا لها في الشرق الأوسط، وتعاونت تعاونًا وثيقًا معها في قضايا عسكرية واستخباراتية، وزودتها بمبالغ طائلة من المعونة المالية. بوش الابن جورج بوش الابن هو رئيس الولاياتالمتحدة الثالث والأربعون، وذلك من 20 يناير 2001 إلى 20 يناير 2009، وهي الفترة التي تعتبر حرجة بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية؛ حيث تعرضت نيويورك لهجوم بالطائرات ينسب إلى تنظيم القاعدة على برجي التجارة العالمي في 11 سبتمبر 2001، وراح ضحيته ما يقارب 3000 من المدنيين، أعلن بعدها بوش الحرب على ما سماه بالإرهاب، وتدخل على أثره في أفغانستان سنة 2001، وبعدها في العراق سنة 2003. وصنفت فترة إدارة حكم الرئيس جورج بوش الابن بأنها من أسوأ فترات الحكم في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ بسبب الحروب الكثيرة التي خاضتها خارج أرضها، خاصة في الشرق الأوسط، والتي استنزفت الكثير من الموارد الاقتصادية، وأضرت بالاقتصاد الأمريكي، وأثرت بالتبعية على الاقتصاد العالمي، مسببة أزمة عالمية، حيث انشغل بالصراعات المسلحة على حساب المشاكل الداخلية للمواطن الأمريكي. وخلال الفترة الرئاسية الأولى والثانية مرت القضية الفلسطينية بأسوأ مراحلها، حيث تصاعدت في عهده الاجتياحات الصهيونية للمناطق الفلسطينية، واستشهد وجرح الآلاف، وتم اغتيال قادة المقاومة، وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وكله بضوء أخضر أمريكي تحت ذريعة حق الدفاع عن النفس، وقد تبنت الإدارة الأمريكية موقف شارون الكامل، والتي كان من ضمنها إعطاء الضمانات الأمريكية المقدمة شخصيًّا من بوش إلى شارون في 2004، والتي تتضمن الاعتراف بشرعية الجدار وضم مستوطنات الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني؛ مما يعني ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية إلى فلسطين التاريخية المحتلة، عوضًا عن القبول بموقف العدو من اللاجئين الفلسطينيين وعدم العودة إلى أرض فلسطين التاريخية. سياسة ترامب حيال الشرق الأوسط يتوقع كثيرون أن سياسة ترامب في الشرق الأوسط لن تحتلف كثيرًا عمن سبقة من رؤساء جمهوريين، ورغم تصريحاته التي يؤكد فيها أن "التدخل العسكري المباشر يؤثر على الاقتصاد كثيرًا"، مشيرًا إلى أن أي دولة تقوم بلمس الشرق الأوسط فإنها "تظل عالقة هناك، وهذا أمر مرفوض"، إلا أن كل الدلائل والسوابق تؤكد أن التصريحات الإعلامية التي تسبق وصول المرشح للمنصب تختلف شكلًا ومضمونًا عن رؤية المؤسسة الأمريكية ككل، والتي تلزم الرئيس الجديدة بها. وكان لترامب الكثير من التصريحات المتعلقة بسياسات أمريكا في الشرق الأوسط، حيث عارض ترامب سياسة الولاياتالمتحدة في تدريب ودعم المعارضة السورية، قائلًا "لا ندري من هؤلاء الأشخاص، ولا نعرف نواياهم"، وقال: لو كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في منصبيهما، فإن هذا سيكون أفضل بكثير من الوضع الحالي، كما صرح أنه "لو كان الأمر بيده لانسحب من سوريا". وفي تغريدة له، قام ترامب بانتقاد مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، قائلًا إن "حروبها" بالشرق الأوسط أدت إلى "ظهور داعش"، وفي حوار تليفزيوني آخر مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، صرح دونالد ترامب أنه لا بد على دول الخليج العربي أن تساهم في مساعدة اللاجئين وإخماد مناطق الصراع بالشرق الأوسط.