19 غسطس يوم مشهود في التاريخ السياسي الحديث لايران حيث اسقطت المخابرات البريطانية والاميركية في عملية سميت 'اجاكس' رئيس الوزراء الايراني المنتخب محمد مصدق قبل ستين عاما. في بداية عقد الخمسينات استطاع مصدق بلورة أفكاره في الاستقلال الاقتصادي ليقود بلادة في خوض الصراع الرامي لتحقيق الاستقلال السياسي بعد انتخابه رئيسا للوزراء في 28 أبريل 1951 في تصويت برلماني بأغلبية 79 صوتا مقابل 12 والذي حصل نتيجة لتصاعد شعبيته ومكانته في الاوساط السياسية الايرانية. وفي 1 مايو أي بعد يومين فقط من استلامه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيراني وألغي الإمتياز الممنوح لشركة النفط الإيراني البريطاني 'الذي ينتهي سنة 1993' وقام بمصادرة أصولها. وفي الشهر التالي ذهبت لجنة من خمس من أعضاء المجلس النيابي إلي مدينة أهواز في جنوب غرب البلاد لفرض قرار التأميم. وفي خطاب القاه في 21 مايو 1951 شرح مصدق سياسة التأميم الموجهة بشكل اساسي ضد بريطانيا: 'لم نتوصل إلي أي نتائج مع الدول الأجنبية بعد سنوات طويلة من المفاوضات.. فعائدات النفط تمكننا من تحقيق كامل الميزانية وأن نكافح الفقر والمرض والتخلف. هناك اعتبار آخر مهم هو أنه عدما نقضي علي قوة تلك الشركة البريطانية 'المهيمنة علي انتاج النفط الايراني'، فإننا نقضي علي الفساد والتآمر التي تأثرت بسببها شؤون بلدنا الداخلية. فعندما نوقف تلك الوصاية نهائيا فإن إيران تكون قد حققت استقلالها الاقتصادي والسياسي. فالدولة الإيرانية تفضل أن تتولي بنفسها إنتاج نفطها، أما الشركة فلا يجب عليها فعل شيء سوي إرجاع الممتلكات إلي أصحابها الشرعيين'. واضافة الي قرار تأميم النفط وضعت حكومة مصدق مجموعة واسعة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية حيز التنفيذ مثل إصدار أمر الي أصحاب المصانع بدفع مساعدات للعمال المرضي والمصابين ودفع بدل للبطالة، ووضع 20% من أموال إيجارات الأراضي لتمويل مشروعات التنمية مثل مكافحة الأمراض وبناء حمامات عامة وإسكان الريف وعمل علي تحرير الفلاحة السخرة في المزارع. ومن البديهي ان بريطانيا وحليفتها الولاياتالمتحدة ومن ورائهما الشاه وطبقة الاقطاعيين والملاك في البلاد لم ترق لهما خطوات مصدق الاستقلالية وتأميم النفط فعملتا علي وضع المخططات وحياكة المؤامرات من اجل اجهاض خططه ومن ثم اسقاط حكومته بهدف استعادة الهيمنة علي النفط الايراني. وقامت بريطانيا بتقديم شكوي ضد ايران أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك طهران لحقوقها النفطية، فاضطر مصدق للسفر إلي لاهاي للدفاع عن حقوق بلاده، واصفا بريطانيا بالدولة الامبريالية التي تسرق طعام الإيرانيين الفقراء. وبعد أن رأت لندن عزيمة مصدق واصراره علي الاستمرار بنهجه الاستقلالي والدفاع مشروع عن التأميم لجأت إلي فرض حصار دولي علي النفط الإيراني بدعوي انتهاك طهران حقوق شركة بريتيش بتروليوم المالكة للنصيب الاوفر لنفط البلاد ماأسهم في وضع طهران امام ضغوط اقتصادية شديدة أسفرت عن تردي الأحوال المعيشية لعموم الإيرانيين بهدف تأليب الناس ضد حكومته تمهيدا لاسقاطها والخلاص منها. من جهتها كانت واشنطن تري ان طهران يجب ابقائها حليفة وقاعدة تواجه الاتحاد السوفيتي للحد من نفوذه المتنامي في الشرق الاوسط لذلك أوعزت الي مخابراتها للعمل والتخطيط علي اسقاط حكومة مصدق حيث أوفدت إلي طهران اثنين من عناصر وكالة ال 'سي آي ايه'. ورغم توجيه علماء الدين في البلاد وعلي رأسهم آية الله مصطفي كاشاني تحذيرات صريحة ومتكررة الي مصدق في احتمال وقوع انقلاب عسكري يفضي الي اعادة البلاد الي المربع الاول في الديكتاتورية التي اقامها رضا خان الا ان مصدق لم يصغ الي نصائحهم وتجاهل توجيهاتهم بسبب اطمئنانه بقوته الشعبية في الشارع وثقته بأنصاره في الحكومة والبرلمان وعدم تصوره بإمكانية وقوع مثل هذه العملية علي خلفية وجود زعماء وطنيين ونظام برلماني يتمتع بنفوذ ظاهر في البلاد. وتحقق ماكان يحذر منه آية الله كاشاني وعلماء الدين الآخرين ففي 19 اغسطس نجحت الولاياتالمتحدة وبريطانيا في تنفيذ انقلاب عسكري أطاح بمصدق وحكومته علي يد الجنرال الموالي للشاه فضل الله زاهدي الذي أصدر أوامره بالسيطرة علي مبني الاذاعة ونشر دباباته في الشوارع الرئيسية لطهران وقصف منزل مصدق، في حين قام ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي لمخطط الانقلاب كرميت روزفلت بتنفيذ مسرحية إخراج تظاهرات مناهصة لمصدق في شوارع طهران بقيادة البلطجية وسط انعكاس إعلامي واسع علي الصعيدين الإيراني والدولي. كما أوعز روزفلت الي عناصره باغتيال قيادات الجبهة الوطنية التي شكلها مصدق مثل حسين فاطمي الذي قتل في وضح النهار في احد شوارع العاصمة طهران. وشكلت لمصدق محكمة صورية لم تكن تتمتع بالحد الادني لمواصفات المحاكم القانونية وشروط الحيادية كما كشف فيما بعد محاميه جليل بزركمهر. وانتهت المحاكمة الشكلية الي اصدار قرار بإعدام مصدق، ثم خفف الحكم لاحقاً إلي السجن لثلاثة اعوام، ومن ثم الي فرض الإقامة الجبرية عليه لمدي الحياة حيث وافاه الاجل في قرية أحمد آباد عام 1967 ليصبح رمزا وطنيا ومعلما بارزا في تاريخ الحياة السياسية المعاصر في ايران