لاحظت كثرة الاستشهاد بثورة رومانيا ضد جبروت شاوشيسكو ومقارنة ثورة 25 يناير بها، بينما أغفلنا ثورة أخرى هى أقرب لنا فى المكان والطابع الاجتماعى وهى ثورة الخمينى 1977-1979، لكن لا يجب أن نغفل أحداثا سبقت هذه الثورة، بين عام 1951-1953و كان بطلها (محمد مصدق). لقد استطاع مصدق القيام بأول انتخابات برلمانية فى ظل حكومة الشاه 28 أبريل1951 وانتخب رئيساً للوزراء بأغلبية ساحقة. بعد يومين فقط من استلامه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيرانى. ثم تحالف مع كتل اليسار السياسية، ليوازن ضغوط الشاه من الداخل وإنجلترا والولايات المتحدةالأمريكية من الخارج، وبالرغم من الشعبية الطاغية التى كانت لمصدق بين الإيرانيين من الطبقات والشرائح الدنيا والمتوسطة تحديدًا، فقد ناصبته طبقة الملاك المتحالفة مع المؤسسة الدينية، العداء بسبب إعلانه عن وضع خطة للإصلاح الزراعى وتحديد الملكية الزراعية. إن تأميمه للنفط الإيرانى الذى كانت تملكه شركة النفط الأنجلو إيرانية شركة بريتيش بتروليوم الشهيرة حالياً، مثل ضربة كبيرة لمصالح إنجلترا وواشنطن. قامت إنجلترا بقيادة حصار دولى على النفط الإيرانى بدعوى أن إيران انتهكت الحقوق القانونية للشركة التى تملك لندن الشطر الأعظم من أسهمها. وساهم هذا الحصار فى تردى مستويات المعيشة للإيرانيين، وشكل المدخل الذى عاد منه الشاه بعد الانقلاب على مصدق ليتربع على كرسى العرش مجدداً بالدعم الأميركى والإنجليزى. تحالف أحد أبرز رموز المؤسسة الدينية الإيرانية، (آية الله كاشانى)، مع حركة مصدق الوطنية، فأفتى بأن "كل من يعارض تأميم النفط الإيرانى هو عدو للإسلام". ورغم ذلك تسببت سياسات إصلاح مصدق فى معارضة مصالح أمريكا وبريطانيا خارجيا والإقطاعيين فى الداخل، وسعيهم للتخلص منه. وأفتت مجموعة من رجال الدين قبيل الانقلاب بأن "مصدق معاد للإسلام والشريعة"، بسبب سياسات الإصلاح الزراعى التى طبقها ولتحالفه مع كتل اليسار والليبراليين، وهكذا انسحب (آية الله كاشانى) من التحالف مع مصدق فاتحاً الطريق أمام خصوم الزعيم فى الداخل والخارج للنيل منه، وبارك الانقلاب ضده. فى 16يوليو 1952، أصر مصدق على حق رئيس الوزراء الدستورى فى تسمية (وزير الحربية ورئيس الأركان). الشاه رفض ذلك، مما دفع مصدق للاستقالة والتوجه للشعب قائلاً إن "الصراع الذى بدأه الشعب الإيرانى لم يمكن تتويجه بالنصر". فى 1953وقع انقلاب 28مرداد على حكومة الزعيم الإيرانى محمد مصدق و تم قصف منزله وسط مدينة طهران، فى حين قام كرميت روزڤلت ضابط الاستخبارات الأميركى والقائد الفعلى للانقلاب الذى أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه اسماً سرياً هو العملية أجاكس، بإخراج "تظاهرات معادية" لمصدق فى وسائل الإعلام الإيرانية والدولية. كما أوعز روزفلت إلى كبير زعران (تعنى أوباش القوم) طهران وقتذاك شعبان جعفرى بالسيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التى تحط من هيبة الدكتور مصدق (دكتوراه فى القانون)، بالتوازى مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التى شكلها مثل الدكتور حسين فاطمى الذى اغتيل بالشارع فى رابعة النهار. وحوكم أمام محكمة صورية، حَكَمَ عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن انفرادى لثلاث سنوات، ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة فى قرية أحمد أباد، الواقعة فى شمالى إيران ليترك الدكتور مصدق نهبا لذكرياته. أعتقد أن مصدق كان بطلا ولكنه بالغ فى تقديره، وأثقل كاهله بالتسرع فى الهجوم على الجبهة الداخلية (رجال الدين والإقطاعيين) أقلها كان أفضل أن يتحالف مع كبار الجبهة الداخلية، ويكتسبهم فى صفه، خصوصا رجال الدين، خاصة أن الشعب الإيرانى كان ضد سياسة (التغريب) القوية التى انتهجها الشاه على الرغم من تعارضها مع ثقافة الشعب الدينية، وأرى أنه كان (مثاليا جداً) عندما قدم استقالته. وذكرنى الحصار الذى قامت بها الدول الغربيه على إيران فى هذه القصة، بالحصار الذى يتهدد إيران فى وقتنا الراهن بسبب تخصيب اليورانيوم، وذكرنى أيضا بإعلان قاضى المحكمة الفيدرالية بأمريكا هذا العام، أن إيران مسئول عن أحداث 11/9، بجانب طالبان والقاعده، فى قضية رفعها أهالى الضحايا وتكلفت القضية 100 بليون دولار، تكلف بها اهالى الضحايا؟؟؟ وتذكرت العقوبات التى فرضها مجلس الأمن على عراق فى عهد صدام حسين، والخطوة التالية غزو العراق للتخلص من الديكتاتور. يا ترى هل ايران عراق آخر؟ وهذه قصة محمد مصدق، ومقدمة قصة ثورة الخومينى، وهدفى من سرد هذه القصص، هو أن الغرب لن وأن يتخلى عن رغبته فى السيطرة على الشرق الأوسط وأن تاريخنا ملىء بالقصص لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر.