كتبت يمنى مصطفى محمود هواجس ثورية إنني بدأت أتساءل اذا ما كان الاخلاص وحده كافياً كسبب لانتصار هذه الثورة؟ فما كان شهداء "أحد" غير مخلصين، الا أن الله شاء ان يلقن المسلمين درساً يعلم فيه المسلمين أن للنصر أسبابا و أن حتي في نصرتهم لدين الله سيكون هناك يوم لهم و يوم عليهم و كي يميز الله المنافقين و يمحق الكافرين.. أن جذور الفساد عميقة و أن قطع الرأس غير كاف ليموت الجسد الذي يتخبط الآن في كل جهة مدمراً كل ما يعرض له.. و اذا بنا نحارب ليس فقط أذناب الفساد و قواعده، بل كذلك آلة اعلامية مقيتة توجه الرأي العام (ومنه الأهل و الأصدقاء) نحو كراهية الثورة و من قام بها.. بل وأكاد أذهب أن ما لم ندركه أن هذه الثورة تقف أمام توازنات سياسية اقليمية أبعد بكثير من العمق العربي، تتعلق باسرائيل و بالتبعية بأمريكا، التي ضارها أكثر ما ضارها (وهى داعية الديموقراطية) أن يكون للشعب المصري ارادة بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الترويض في زنزانة مبارك، حارس اسرائيل الساهر على حمايتها وخادم هاتين القوتين..مبارك الذى يمكن أن نصف فترة حكمه دون أى تجن بأنها كانت احتلالا بالنيابة حيث يمارس كل ما يمكن أن يمارسه الاحتلال من قمع و استغلال للموارد ولكن بوجه مصري و اسم مسلم.. ثورة مصدق 1951 كل هذا قادني للبحث في تاريخ الثورات، لكي أعلم ما يسقطها و كيف تستمر في مواجهة تحديات عالمية و ليست اقليمية فحسب.. و مما وقعت عليه يدي ثورة جعلت القشعريرة تسري في أطرافي لفرط شبهها بالثورة المصرية.. هي ثورة مصدق في ايران عام 1951 و هي ليست كما يظن البعض الثورة الاسلامية المشهورة و لكنها الثورة التي سبقتها و التي كادت ان توصل ايران الي أن تكون دولة ديموقراطية لأول مرة الا أنه بسبب القوي الاستعمارية و تخطيط المخابرات الأمريكية بالتعاون مع جيش ايران و شاهها وقت ذاك تم احباطها و الدخول بايران في دوامة دكتاتوريات متتابعة من علمانية الي دينية، فهي من قمع الي قمع و ان اختلفت المسميات.. و كنت أتمني أن أطرد هذه الأفكار بدعوي أنها تفوح بنظرية المؤامرة الا أن من كشف تواطؤ امريكا في هذه العملية هي أمريكا ذاتها، حيث انه في أمريكا وطبقا لقانون حرية المعلومات فانه يسمح باذاعة الأسرار الاستراتيجية لسياسة أمريكا الخارجية بعد أن يمر عليها أكثر من خمسين عاماً (تذكروا أن امريكا ديموقراطية جدا ،ولكن على أرضها فقط).. حيث قامت النيويورك تايمز في عام 2000 بنشر الوثيقة التي تصف عملية أجاكس التي أحبطت بها امريكا تحول ايران الديموقراطي (طول عمرك يا أمريكا بنت حلال).. مصدق في مواجهة انجلترا و كي لا أطيل عليكم فقصة هذه الثورة باختصار (أرجو ألا يكون مخلا) تتلخص في أنه في عام 1951 أتي برلماني نبيل محمل بالمبادئ و الأفكار التي كان من شأنها أن تحول ايران الي دولة مستقلة يدعي مصدق (ايوه علي اسم شارع مصدق).. و حاز علي تأييد شعبي رهيب انتخب بعده رئيساً للوزراء. و قد فطن مبكرا الي أنه لا استقلال حقيقي لايران الا بأمرين أولهما تأميم البترول الايراني كي يؤول عائده الي الشعب الايراني بدلاً من انجلترا المستعمرة، و الأمر الثاني استقلال المؤسسة العسكرية عن الشاه والانجليز فما كان منه الا أن طالب بأن تكون له سلطة (أو سمها "صلاحيات") تعيين وزير الحرب و الدفاع (هل يذكركم هذا بشئ)، و كانت هذه السلطة قبل ذلك للشاه فقط، فرفض الشاه (الذي كان عميلاً لانجلترا) و أقال مصدق وقام بتعيين أحمد قافام الذي قام بعكس كل سياسات مصدق و أعاد التفاوض مع انجلترا.. وحينها قامت المظاهرات الحاشدة بدعم من حزب تودة الشيوعي و الاسلاميين و القوميين لتأييد مصدق، و التي اصطدمت مع الشرطة و الجيش و سقط خلالها ما يقارب الثلاثمائة شهيد، اضطر بعدها الجيش للانسحاب (هل يذكركم هذا بشئ أيضاً؟).. ووقتها فاض الكيل بانجلترا التي كانت قد فرضت حصاراً علي ايران و منعت الأسواق العالمية من شراء بترول ايران المؤمم، و طلب ونستون تشرشل العون من الولاياتالمتحدة ممثلاً في شخص رئيسها آنذاك ايزنهاور، ملوحاً له بخطر تأييد حزب تودة الشيوعي لمصدق (بالرغم من أنه كان مؤيداً من كافة الأطياف و من بينها الاسلاميين) وحذره من خطر انضمام ايران الي المعسكر السوفيتي في حرب أمريكا الباردة مع روسيا.. المهم أن الشاه اضطر تحت ضغط الشارع الي اعادة مصدق الي رئاسة الوزراء و حينها طلب مصدق من البرلمان أن يعطيه صلاحيات واسعة كي ينفذ خططه للنهوض بايران و التخلص من سيطرة انجلترا علي نفطها و سياستها، و في ذات الوقت بدأت أمريكا في مخططها لتقويض هذه الثورة و الذي سمته كما سبق ان ذكرنا بعملية أجاكس.. عملية أجاكس تضمن هذا المخطط الموافقة علي دفع مليون دولاراً أمريكياً لاسقاط مصدق و شن حملة اعلامية شرسة ضده. و بدأ المخطط بضرب صفوف المعارضة ببعضها، فجندت السي اي ايه عملاءاً ايرانيين من مدعي القومية كي يخوفوا الاسلاميين (الفصيل الأقوي بين مؤيدي مصدق) من مصدق نفسه مهددين اياهم بأن مصدق ينتوي ملاحقتهم والضرب عليهم بيد من حديد، و من ناحية أخري بدأت الخطة في اثارة مظاهرات صورية ضد مصدق أشاعت الفوضي في البلاد، هذا بخلاف الوضع الاقتصادي المتردي الذي سببه حصار انجلترالايران، و ليست ثورة مصدق ( معذرة للتكرار و لكن ألا يذكركم هذا بشئ).. و طلبت المخابرات الأمريكية من الشاه أن يوقع مرسوماً باقاله مصدق و تعيين جنرال ( مرضي عنه من أمريكا) يدعي فضل الله زاهدي مكانه، هرب بعدها الشاه الي روما خوفاً من العواقب... خلاصة الأمر أن كل هذا مهد الي أن مصدق صار وحده، معزولاً بدون مؤيدين، مهدداً بالتصفية (بعد محاولة اغتيال فاشلة) وصار وضع البلاد فوضويا و غير آمن، فكان هذا هو الوقت المثالي كي تظهر أمريكا جنرالها المختار ... و الذي قبض علي مصدق و أعاد الشاه (ربنا يستر!)، لتتم محاكمة مصدق بتهمة الخيانة العظمي و يحكم عليه بالاعدام ثم يخفف الحكم الي السجن ثلاث سنوات و اقامة جبرية بمنزله حتي يوم مماته.. فهمت الدرس يا أخي .. وقد ألمح بعض الخبراء أن أحد أهم اسباب فشل ثورة مصدق هو انسحاب تأييد الاسلاميين و العلماء له، حيث يعد هذا التأييد في بلد مثل ايران حجر أساس لنجاح أي ثورة و الوصول الي طبقات الشعب علي اختلافها.. و بهذا كانت أمريكا راعية الديموقراطية (في أراضيها فقط) سبباً في رعاية الدكتاتورية في العالم العربي و الاسلامي بمخططات دنيئة، لا تمول فيها الثوار (كما يدعى الطغاة) بل تمول فيها الطغاة الذين يقمعون الثوار الذين يحاولون الخروج بالبلاد من دائرة الاستبداد.. ان الأمر يثير الخوف لأنه من المعروف أن مصلحة أمريكا أن تبقي مصر طوع أمرها من خلال قيادات ولائها مضمون لا من خلال وجوه غير معروفة و لا يمكن السيطرة عليها كبعض مرشحي الرئاسة المطروحين أو برلمان غالبيته من الاسلاميين.. كل هذا يدعونا للتساؤل عن أي جنرال محبب الي أمريكا أو أي سيناريو جديد ستحاول أمريكا أن تمرره بعد القضاء علي الثورة، فهل تعى فصائلنا السياسية الدرس و تتحد في وجه من يحاولون تفتيت هذه الثورة أم يسقطون فريسة لألاعيب السلطة و أمريكا من ورائها التي تهدف الي عزلهم عن الثوار.. فكما قال مارتن لوثر كينج: "يجب أن نتعلم أن نعيش معاً كاخوة و الا فنينا معاً كحمقي" اذن ..أجهضت أمريكا ثورة مصدق و قتلت الرجل معنوياً و لكن بعد ذلك بعشرين عاما، قامت ثورة اخري سميت بالثورة الاسلامية غذتها سنين من الكراهية لسياسات أمريكا و انجلترا الغير أخلاقية ،الا أنها هذه المرة كانت معادية لكل ما هو أمريكي.. قد تصور السلطة للحكام أن الثوار ما هم الا "شرذمة قليلون" يمكن تصفيتهم واحداً بعد الآخر و لكن ما لا يدركونه أنهم يصنعون مشروع شهيد مع كل قطرة دم تسقط اما من آباء او أمهات أو أخوان أو أخوات أو حتي أصدقاء أو لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. فكما قال فريد هامبتون المناضل الأمريكي الأسود "تستطيع أن تقتل ثائراً و لكنك لا تستطيع أن تقتل ثورة"..