شهدت الدورة الأولى من الانتخابات المحلية التي أجريت بفرنسا يوم الأحد الماضي الموافق 20 من شهر يونيو الجاري عزوفا كبيرا من جانب الفرنسيين حيث دعي نحو 47.9 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المحلية لانتخاب أعضاء مجالس المناطق الفرنسية ال15 لولاية مدتها 6 سنوات، والمفاجئ في تلك الانتخابات هو عزوف العدد الأكبر من الناخبين الفرنسيين عن التصويت إذ قدرت نسبة الامتناع بنحو 68 بالمائة، وتعد هذه النسبة أقل مقارنة بتلك التي سجلت خلال الانتخابات الإقليمية الأخيرة التي جرت في العام 2015 المقدرة ب51 في المائة، وقد تصدر فيها أحزاب يمين الوسط واليسار النتائج واحتفظ الكثير من مرشحي تلك الأحزاب علي أماكنهم في أغلب الأقاليم الفرنسية، في حين لم يحقق حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف النتائج المتوقعة له إلا في إقليم بروفونس حيث جاء تييري مرياني في المرتبة الأولى ب34.4 بالمائة من الأصوات، أما حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الجمهورية إلى الأمام فلم يحقق نتائج جيدة قبل أقل من سنة من موعد الانتخابات الرئاسية القادمة للعام 2020 وهو الأمر الذي يعزز فرص أحزاب اليمين الوسط واليسار في مواجهة التجمع الوطني وحزب الجمهورية إلى الأمام الرئاسي الذي اثبت انه لا يملك قاعدة محلية قوية. ومع انتظار نتائج الجولة الثانية من الانتخابات المحلية الفرنسية التي ستجري الأحد 27من يونيو الجاري 2021 يتوقع المحللون بألا تغير جولة الإعادة شيئا بالنسبة لحزب التجمع الوطني وحزب الرئيس ماكرون إلي الإمام قدما مع توقع عزوف الفرنسيين عن الذهاب إلي صناديق الاقتراع، كما يعتبر تلك الانتخابات بمثابة مؤشر حقيقي واستخلاصا للعبر قبل عام من إجراء الانتخابات الرئاسية التي سيجري تنظيمها في مايو 2022 باعتبارها فرصة أولى لحزب الرئيس ماكرون وامتحانا لشرعيته، ولمعرفة مدى امتلاكه أم لا لقاعدة شعبية في الأقاليم بعيدا عن العاصمة باريس، وبدوره اعتبر رئيس حزب الجمهوريين كريستيان جاكوب أن تلك النتائج الصادمة دلالة علي فشل ذريع للحكومة وفشل حزب الرئيس ماكرون، كما أعربت مارين لوبن عن خيبتها لأن ناخبي الحزب لم يقبِلوا على الاقتراع كما كان متوقعا، داعية إياهم إلى الإقبال بكثافة في الدورة الثانية الأحد المقبل، واعتبرت أن الناخبين بمقاطعتهم الكبيرة تركوا المجال مفتوحاً أمام المنتخبين المنتهية ولايتهم للبقاء في مناصبهم. وحول نسبة التصويت المتدنية في الانتخابات المحلية يري بعض المحللين الفرنسيين أن هذه المقاطعة علي هذا النحو تعد بمثابة رسالة واضحة من الجمهور الفرنسي عن فقدان الأمل بالطبقة السياسية الفرنسية بمختلف توجهاتها بسبب مسؤوليتها عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية في الكثير من المدن الفرنسية، وعن مسؤوليتها عن مشكلات البطالة وتردي الأوضاع الخدمية في الأحياء الفقيرة وتواجد المهاجرين، ومن ثم بعدم احتفاظ الرئيس إيمانويل ماكرون بولاية رئاسية ثانية بسبب تراجع واضح للحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس ماكرون، وبالمقابل يري بعض المحللين الأخرين أن تلك الانتخابات لا تشكل أهمية كبري للناخب الفرنسي علي غرار الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي يكون نسبة التصويت فيها عالية، كما أن الرئيس ماكرون لا يعتمد فقط علي حزبه في الانتخابات بل يعتمد علي شخصه وعلي مخططه السياسي وقدرته علي تفتيت أصوات اليمين واليسار، ولهذا وكما يري يتوقع المحللون بأن يكون أحد مرشحي اليمين الديجولي واليمين المتطرف طرفا رئيسيا في مواجهة الرئيس ماكرون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعندها سيكون الرئيس ماكرون قادر خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بالاحتفاظ بمنصبه الرئاسي لفترة ثانية. ومع انتظار نتائج الدورة الثانية يوم الأحد المقبل سوف يتبين من هو الحزب المسيطر علي المشهد السياسي الفرنسي إذ يفترض وكما جرت التقاليد أن يكون الأقرب إلي خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومن ثم اتخاذ العبر والتدابير اللازمة لاستقطاب العدد الأكبر من الناخبين الفرنسيين للتأثير علي نتائج تلك الانتخابات.