ستون عامًا مضت على أحد أهم الأحداث التى مرت بمصرنا الحبيبة.. بعضنا عاشها بقلبه وعقله.. والبعض الآخر من الأجيال الجديدة لم يعش هذه الأحداث.. بدءًا من تحرير الإرادة المصرية والقضاء على الحكم الملكى الذى استمر نحو «150 عامًا» تحت سيطرة أسرة محمد على وورثتها، ثم جلاء الإنجليز الذين احتلوا مصر قرابة الثمانين عامًا.. وإقامة حياة اجتماعية عادلة للطبقات الفقيرة والمعدمة من غالبية الشعب المصرى تمثلت فى مجانية التعليم وقانون الإصلاح الزراعى وإقامة صناعات وطنية وبناء جيش وطنى مرورا بتحقيق الوحدة مع سوريا الشقيقة فبراير 1958.. وقيام حركة الحياد الإيجابى عام 1955 )ناصر.. تيتو.. نهرو( وانضمام )سوكارنو( عام 1960 ثم قيام منظمة الوحدة الإفريقية.. وصولاً إلى بناء السد العالى وتأميم قناة السويس فى 26 يوليو 1956 كأحد أهم أسباب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 بتحالف «بريطاني- فرنسي- إسرائيلي» والذى انتهى بالفشل. لم يكن الملك فاروق الأول على قدر المسئولية فقد توالت الوزارات: أحمد ماهر ثم النقراشي- إسماعيل صدقى ثم النقراشى مرة أخري- إبراهيم عبدالهادى ثم على ماهر حتى جاءت وزارة مصطفى النحاس السابعة والأخيرة عام 1950 وصاحبها ضعف دور «بريطانيا التى كانت عظمي» فى المسيرة السياسية فى مصر بعد أن خرج الأسد البريطانى العجوز من الحرب العالمية الثانية «1945» واهن القوى لتزداد حالة عدم الاستقرار خصوصًا بعد حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 ولم يكن المصريون قادرين على التعبير عن سخطهم إلا فى انفجارات محدودة كما حدث فى قرية كمشيش إحدى قرى مركز تلا بمحافظة المنوفية وقرى بهوت وكفر بهوت بمحافظة الغربية. وقد بدا النظام القديم عاجزًا عن مواجهة المخاطر الخارجية ممثلة فى قيام إسرائيل على أنقاض الدولة الفلسطينية، فلأول مرة فى التاريخ المصرى الحديث يقبع على حدودنا الشرقية عدو يهدد التراب الوطنى فقد عايشت مصر خلال الحرب العالمية الأولى احتمالات الغزو التركى الألمانى من الشرق عبر سيناء وقناة السويس.. كما عايشت خلال الحرب العالمية الثانية غزوًا حقيقيًا «إيطاليا- ألمانيا» عبر الصحراء الغربية والذى تحطم عند العلمين.. ولكن هذين الحادثين كانا فى إطار صراع عالمى انتهى بانتهاء دواعيه.. أما بالنسبة لفلسطين فقد بدأت النكبة ولا تزال.. وكانت تلك القضية من أهم أسباب انتعاش الوعى العربى بالانتماء «للقومية العربية» خصوصًا فى وجود منظمة «جامعة الدول العربية قد قامت عام 1945». لذلك أصبح الجيش المصرى يموج بالحركات السياسية التى انضم إليها الضباط الشبان «التنظيم السرى» بهدف تخليص البلاد من الاحتلال البريطانى وتحقيق الاستقرار الوطنى والقضاء على الفساد وإقامة نظام ديمقراطى وكان الرباط الذى يجمع أعضاء هذا التنظيم هو الشعور الوطني، وتعود تنظيمات الضباط فى الجيش إلى أوائل عام 1940 عندما تأسست أول خلية ضمت عبداللطيف البغدادى وحسن عزت وغيرهما وضموا إليهم أنور السادات فيما بعد.. وقد تزامنت التنظيمات مع بعضها البعض دون اتصال بينها حتى استطاع جمال عبدالناصر أن يوحدها فى جبهة واحدة حيث تكونت اللجنة التأسيسية عام 1949 بقيادة جمال عبدالناصر وعضوية ثمانية ضباط هم «عبدالمنعم عبدالرءوف- عبدالحكيم عامر- خالد محيى الدين- كمال الدين حسين- حسن إبراهيم- عبداللطيف البغدادي- صلاح سالم- جمال سالم» ثم ضم «محمد أنور السادات» فى أواخر عام 1951 بناء على طلب عبدالناصر لعلاقته بيوسف رشاد والحرس الحديدى «الذى شكل لحماية الملك- وتنفيذ عمليات التصفية الجسدية لخصومه» بالإضافة لتداخله مع ضباط المخابرات فى السفارة البريطانية وذلك للاستفادة من وجوده عند التعامل مع هذه الجهات.. وقد ساعد على نمو التنظيم بأن يتولى كل عضو تجنيد أربعة آخرين لتكوين خلية برئاسته بشكل عنقودى بشرط ألا يتعرفوا على خلايا التنظيم الأخري.. ومن أهم أسباب نجاح التنظيم هو عدم اكتشاف أفراده بعضهم البعض إلا ليلة الثورة «22 يوليو 1952» عندما وزعت القيادة التكليفات على الضباط.. إن هدفنا فى هذا المقال هو إحياء الذاكرة التاريخية لشعبنا المصرى الأصيل لنستوعب الدروس والعبر بشجاعة «فلا مستقبل لمن لا ماضى له» ونسيان الماضى هدف ثمين على الكثير من أعداء هذا الشعب.. ومع التسليم بأن القهر يرتبط دائمًا بالثورات.. ففى الثورة البريطانية قطع الثائر «كرومويل» رأس ملك بريطانيا وفى الثورة الفرنسية قطع الثائر «روبسير» رأس لويس السادس عشر وفى الثورة الروسية قضى «لينين» على العائلة القيصرية بأكملها وفى التاريخ العربى والإسلامى قطع العباسيون رؤوس الأمويين وقطع الأيوبيون رؤوس الفاطميين، وقطع العثمانيون رؤوس المماليك، كما قام محمد على بمذبحة المماليك فى القلعة بمصرنا الغالية.. إلا أن ثورة يوليو 1952 كانت ثورة بيضاء حيث لم ترق فيها أى دماء.. وغادر الملك فاروق مصر فى 26 يوليو 1952 بوداع من حرس الشرف وبعض ضباط الثورة.. وقد تعرضت الثورة إلى هجمة شرسة من أطراف عديدة خاصة بعد وفاة صانعها الأول «جمال عبدالناصر 28 سبتمبر 1970» هذه الهجمة التى أثرت فى قطاع كبير ممن لا يعلمون.. فأصبحوا يرددون نقد مسارها خاصة ممن لا يقرءون ولم يعايشوا العصر.. لقد نجحت الثورة فى إحداث نقلة كبيرة للمجتمع المصرى فى ظروف صعبة وضد قطاعات متحكمة ومسيطرة على مقدرات الشعب مجتمع النصف فى المائة مع انتشار الفساد الاجتماعى والسياسي.. ومع ذلك فقد ساد الشارع السياسى المصرى حالة من الهدوء ليس بسبب القبضة الحديدية التى لازمت قيام ثورة 1952 «فوقف العنف وحده لا يكفى لصنع الاستقرار» ولكن بسبب الإيجابيات المتعددة التى حققتها الثورة لقطاعات كثيرة من المواطنين.. ومع ذلك يبقى غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية نقطة ضعف أساسية ظل يعانيها المجتمع.. ولكن واقع الثورة التى غيرت مجرى التاريخ المصرى مازال فى نفوسنا وفى ضمائرنا متمثلاً فى العزة والكرامة والاستقلال.. ومكانة مصر الرفيعة على المستويين: الإقليمى والعالمى. وتأتى ثورة 25 يناير 2011 التى فجرها شبابنا الطاهر- المثقف- الواعي.. شباب عظيم تفوق علينا جميعًا.. شباب فاض به الكيل ليتقدمو الشعب كله فى حماية جيشه الوطنى محطمًا جدران الخوف وقيود الفساد المتبجح.. رافضًا الذل والظلم والمحسوبية والتوريث.. وما أن نجحت هذه الثورة العظمية حتى انقضت عليها حفنة معقدة انتهازية.. حفنة مريضة بأمراض نفسية تنتمى لتنظيم عالمى يدعى الإخوان المسلمين لتعتلى سدة السلطة التى عاشوا ثمانين عاما يحلمون بها.. وباسم الدين كستار خبيث بدأوا فى الاستحواذ على كل مفاصل الدولة بتمكين المقربين والموالين.. فانجرفت مصر إلى أسوأ حال لم تصل إليه عبر سبعة آلاف سنة من انهيار اقتصادي.. وقهر وإذلال وتوحش.. واهتزت صورة مصرنا الغالية إقليميًا وإفريقيا وعالميًا.. إلخ. وبالرغم من وصولهم للحكم عن طريق الصندوق «المشكوك فى أمره» فإنهم توهموا أن شرعية الصندوق شرعية أبدية.. متجاهلين الشرعية الأصلية الأولى والأهم وهى شرعية الشعب الأبي.. بالإضافة إلى شرعية الأداء والإنجازات ومصداقية التعهدات إلى أن هب الشعب المصرى وفى طليعته الشباب نفسه تحت شعار «تمرد» فى 30 يونية 2013 ليزيحوا كابوس ظلم وفساد عام كامل فاق كل ما مضى من فساد فى عام واحد.. وكان ترابط «الشعب والجيش والشرطة والإعلام والقضاء والأزهر الشريف» أهم ست مقومات نجاح هذ الثورة العظيمة.. حين نزل تلبية لحركة تمرد الشبابية 33 مليون مصرى فى ميادين الوطن من أسوان حتى إسكندرية ومن رفح حتى السلوم مطالبين بديمقراطية حقيقية رافضين أخونة الدولة وإعادة كابوس التوريث فى صورة جديدة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وكانت قواتنا المسلحة عند حسن ظن الشعب بها حيث أعلنت أنها لن تصم آذانها نحو مطلب جماهير لم تجد من يحنو عليها أو يحقق مطالبها فى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. مما اضطر جيشنا الوطنى لإعلان مهلة أسبوع لكل مؤسسات الدولة لتحقيق مصالحات وطنية وتلبية مطلب الجماهير.. وانقضى الأسبوع دون أن يتحقق أى تقارب أو مصالحة.. فكان الإنذار الأخير الذى أعلنته قواتنا المسلحة الوطنية بأن أمهلت الجميع «48» ساعة جديدة دون جدوى بل زاد العناد والتمكين بحركة المحافظين الإخوانية وانتشار العنف والفوضى وخطابات الرئيس التهديدية والتعسفية حتى كادت البلاد تنزلق إلى حرب أهلية لم تشهدها مصر على مر العصور.. وحقنا للدماء ونزولاً على الشرعية الشعبية أعلن القائد العام للقوات المسلحة.. عزل الدكتور مرسى ليتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة مؤقتة للبلاد لمرحلة انتقالية.. يتم فيها تعديل الدستور وانتخاب البرلمان وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. عاشت مصر حرة أبية وعاش جيشها الوطنى. وعلى الله قصد السبيل... لواء أحمد العشماوى أحد مقاتلى معارك الاستنزاف وانتصارات أكتوبر المجيدة