يأبى عام2020 الرحيل دون أن يمنحنا جرعة زائدة من الألم والحزن، وبينما يلملم أوراقه لتسليم راية الزمن لعام جديد، أصر أن يحصد روحا مبدعة، تاركا لنا - نحن القراء- الحسرة والوجع!! ها هو مبدع آخر يترك عالمنا، مخلفا وراءه إرثا من الإبداع نقش في عقل ووجدان أجيال متعاقبة. إن ألقاب الدكتور، الأستاذ، الأديب، الكاتب، القاص، الروائي، تتضاءل أمام اسم رائد ثقافة الأجيال. لقد رحل من خلق لقرائه عالما مختلفا، تشابكت فيه خيوط عالم المخابرات مع الأجواء الجاسوسية والبوليسية والرومانسية والخيال العلمي، وغرس في الوجدان قيم الوطنية والانتماء والشجاعة والتضحية والتدين والأخلاق الحميدة، وجعل الالتحاق بصفوف جهاز المخابرات المصرية حلما يراود الجميع بلا تمييز بين الجنسين. مضى من قدم لنا (ن1)، أو أدهم صبري، ضابط المخابرات المصري الوسيم، الغيور على وطنه، صاحب المبادئ والمثل العليا (رجل المستحيل)، ونور وفريقه وس18 (ملف المستقبل)، و(زهور) السلسلة الرومانسية الوحيدة التي لا يجد الأب أو الأم حرجًا من وجودها بالمنزل، وغيرها . ذهب المبدع الذي كان سببا في إقناع المؤسسة العربية الحديثة بالنشر لمؤلف جديد أبهرته موهبته، ورشاقة عباراته، وجودة فكرته، مؤكدا لصاحبها ومديرها (حمدي مصطفي) أن روايات مصرية للجيب ستخسر الموهوب أحمد خالد توفيق لو لم تتعاقد معه. وقال عنه العراب على لسان إحدى شخصيات فانتازيا: "إبداعه من الأمثلة النادرة لأدب المغامرة المكتوب باللغة العربية.. وقد كتب في كل الموضوعات تقريبا.. ونشأت على كتاباته عدة أجيال من قارئي العربية وشكلت وجدانهم.. إنه شديد الأهمية إلى حد لا يوصف.. دوستويفسكي نفسه لم يؤثر في كل هذا العدد من القراء.. إن كل من يجرب الكتابة يبدأ بتقليد أسلوبه المميز". غادر من تربع على قمة الإبداع لسنوات تقارب الأربعين، وقدم أطول سلاسل الأدب عمرا. هجرنا رفيق الصبا، شريك الأحاسيس الغضة والأحلام النضرة، صاحب القلم الذي سطر وعي شباب حقبة الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، وكان معلما ونبراسا لهم من خلال أبطال قصصه، فأثار الخيال، وأنار العقول، وصنع الأفكار، وأثرى المخزون اللغوي لكل قرائه، في زمن كان يصعب فيه الحصول على المعلومات، فيما قبل الإنترنت وانفجار السوشيال ميديا. قلوبنا تبكي، لقد رحل نبيل فاروق.