إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    مصدرحكومي: صعود النفط إلى 77 دولارًا يهدد بموجة غلاء جديدة.. ومصر تستعد بخطط استيراد طارئة بعد انقطاع الغاز الإسرائيلي    ماكرون: لم نشارك فى الضربات الإسرائيلية على إيران    الرئيس الروسي يجري محادثات هاتفية مع نظيره الإيراني ورئيس الوزراء الإسرائيلي    «تايمز أوف إسرائيل»: نتنياهو ورئيس الأركان حذرا الرأي العام الإسرائيلي من «أيام معقدة وصعبة تنتظر إسرائيل»    أبرزهم نجم باريس سان جيرمان.. وجوه جديدة من 22 دولة تزين كأس العالم للأندية 2025    «لو طلبوا كنا هنوافق».. بيراميدز يكشف مفاجأة بشأن انتقال إبراهيم عادل إلى الأهلي    جدول امتحانات الثانوية العامة 2025 لجميع الشعب علمي وأدبي (جديد وقديم)    غرفة عمليات مركزية بالدقهلية للتعامل مع حريق بمنطقة خالية داخل مركز إرسال بطره    «هيبتا 2» و«بنات الباشا».. أفلام روايات تُحدث طفرة ب دور العرض قريباً (تقرير)    أول صور من حفل زفاف شقيقة الفنانة مايان السيد    مسؤول إسرائيلى: هجوم إيرانى وشيك على وسط إسرائيل    منافس جديد لصلاح.. تفاصيل عقد فيرتز مع ليفربول    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    الأحد.. قصور الثقافة تطلق برنامج مصر جميلة المجاني لاكتشاف المواهب بأسوان    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    حقيقة تقرير أيمن الرمادي عن المستبعدين في الزمالك    تفاصيل مران الأهلي.. وفاة نجم المصري.. كابوس يقلق فيفا.. الزمالك يفاوض نجم الأردن| نشرة الرياضة ½ اليوم    عاجل.. سماع دوي عدة انفجارات ضخمة غربي طهران    مانشستر سيتي يخفض أسعار تذاكر مبارياته في الموسم الجديد    هل زيارة المريض واجبة أم مستحبة؟.. عالم أزهرى يجيب "فيديو"    دفعة جديدة من أطباء الجامعات تصل العريش.. عمليات وكشف مجاني ضمن بروتوكول التعاون الطبي    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا السبت 13-6-2025    وداع قاسٍ من الربيع.. إنذار جوي بشأن حالة الطقس الأسبوع المقبل ب القاهرة والمحافظات    "حلال فيك" ل تامر حسني تتخطي ال 7 مليون مشاهدة فى أقل من أسبوع    للوقاية من ضربات الشمس..توزيع أكثر من 5 آلاف مظلة على الحجاج بالمدينة    يوفنتوس يجدد عقد مدربه إيجور تيودور حتى 2027    ميناء الإسكندرية يستقبل أولى رحلات "WAN HAI" وسفينة "MAERSK HONG KONG" في إنجاز مزدوج    رحلة تعريفية لوفد من المدونين والمؤثرين الأمريكان بالمقصد المصري    وزيرة التخطيط تبحث مع سفير بريطانيا تنويع آليات التمويل للقطاع الخاص    بعد استهداف "نطنز" الإيرانية.. بيان عاجل لهيئة الرقابة النووية المصرية    هجوم إسرائيلي يستهدف "مطار مهرآباد" في طهران    4 أبراج تهتم بمظهرها.. هل أنت منهم؟    دموع على الكوشة انتهت بتعهد.. النيابة تُخلي سبيل والدي عروسين الشرقية    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو لهو طفل بمنتصف أحد المحاور بالمقطم    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    رصاص على المقهى.. تفاصيل مقتل شاب أمام المارة في القليوبية    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    100% لثلاثة طلاب.. ننشر أسماء أوائل الإعدادية الأزهرية في أسيوط    خاص| سلوى محمد علي: انفصال بشرى فاجأني وأنهت العلاقة بشياكة    إزالة 8 حالات تعدي على الأراضي الزراعية بالشرقية    القاصد يهنئ محافظة المنوفية بعيدها القومي    الطيران المدني: المجال الجوي آمن.. ورفع درجة الاستعداد القصوى    وكيل تعليم شمال سيناء يعقد اجتماعًا موسعًا مع رؤساء لجان الثانوية العامة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    إنفوجراف| إسرائيل تدمر «عقول إيران» النووية.. من هم؟    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 137 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    ضبط صاحب مخبز بالمحلة الكبرى استولى على 16 جوال دقيق مدعم وباعها بالسوق السوداء    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    كوكا: ميسي يكلم الكرة.. ولا أحب اللعب في هذا المركز    كأس العالم للأندية - الأهلي يواصل تحضيراته لمواجهة إنتر ميامي    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    رئيس الوزراء: نتابع الموقف أولا بأول وتنسيق بين البنك المركزي والمالية لزيادة مخزون السلع    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الجمعة 13-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    نتيناهو: نحن في لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل وبدأنا عملية «شعب كالأسد» لإحباط المشروع النووي الإيراني    موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025.. عطلة رسمية للقطاعين العام والخاص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون يعكسون اتجاه عجلة الاستراتيجية الأمريكية..!!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 17 - 06 - 2013

تعرف بعض الأوساط العلمية نظرية اسمها (أثر الفراشة) يقول منطوقُها: «لو رفرفت فراشة بجناحيها فى هونج كونج، فذلك يمكن أن يؤثر على المناخ فى لندن»، لكن هذه الصورة التى تتنفس عبيرًا شاعريًا طازجًا، لتأكيد مدى التأثرات المتبادلة فى آفاق وجوانب العالم المفتوح، مهما كانت محدودة أو متناهية الصغر، صاغها الاستراتيجيون الأمريكيون بأصابع فكرية خشنة، تحت عنوان آخر هو (نظرية الصدى) تقوم على عدم الفصل بين التأثير المباشر لطلقة البندقية أو المدفع، وبين الصدى الناتج عن العملية، فإذا كان الصدى يستبق الطلقة، ويتوزع فى دائرة أوسع بكثير من حدودها، فلابد فى كل حالة مشابهة من النظر فى الحسابات المتعلقة بتأثير الصدى فى البيئة المحيطة، قبل أن يتم قذف الطلقة من فوهة البندقية، لكن الواضح أن الأمريكيين لم يضعوا هذه النظرية يومًا موضع تطبيق، ولهذا ظلوا فى كل الحالات مشغولين بقذف الطلقة، لا بالحسابات المعقدة لنتائج الصدى المترتبة عليها، وذلك لا يحتاج إلى تدليل، فأثرها يبدو فى كل معاركهم عبر التاريخ، وهو يبدو مؤخرًا على سبيل المثال فى حسابات صدى الطلقة فى العراق على تمدد الجار الإيرانى، أو حسابات صدى الطلقة فى سوريا على الأوضاع الداخلية للجارين التركى واللبنانى، ذلك أنه فى أحوال عديدة كثيرًا ما يكون ما يتحقق من تأثير ضار وسلبى من جراء صدى الطلقة أكبر بكثير مما يتحقق من تأثير نافع و إيجابى، حتى لو نجحت فى إصابة الهدف.
أقول ذلك لأننى أعتقد أن صدى الطلقات الاستراتيجية الأمريكية فى الإقليم أصبح أكثر فاعلية وتأثيرًا من الطلقات ذاتها، لكن تأثيرها بات يأخذ منحى متناقضًا مع مسار الطلقات وأهدافها المباشرة، وأظن أن ساعة التغيير فى الإقليم، والتى تحركت عقاربها عكس اتجاه عقارب الساعة أو عكس عقارب التاريخ فعليًا، على امتداد الفترة الماضية، قد أخذت تتحرك رويدًا فى الاتجاه الآخر، أى فى اتجاه عقارب الساعة أو اتجاه عقارب التاريخ، على نحو أدق، وذلك قد يتطلب بالضرورة الإجابة عن سؤالين:
الأول: إذا صح ذلك فلماذا أصبح تأثير صدى هذه الطلقات، أبعد مدى منها، ومناقضًا فى الوقت نفسه لاتجاهها وأهدافها، وكأن التفاعلات الجانبية فى الإقليم قد سيطرت على التفاعل الرئيسى، ودفعته فى الاتجاه المعاكس.
أحسب أن هناك عدة عناصر أساسية، اندفعت تفاعلاتها المشتركة، لتحويل عقارب ساعة التغيير فى الإقليم نحو الاتجاه المعاكس، أو نحو الاتجاه الذى يتسق مع إيقاع التاريخ:
الأول: ذلك الفشل الهائل فى تقدير قوة الشعب المصرى، واستبصار ذكائه الفطرى ونبوغه الحضارى، وذلك النكوص الواضح فى محاولات احتوائه، فقد كان الفهم الغالب لدى أصحاب الاستراتيجية الأمريكية، وأدواتهم الإقليمية والمحلية، قد حصر الشعب المصرى –أولًا– فى أنه قد أخرج طاقته فى ثورة عاصفة، وأن رصيد هذه الطاقة قد انتهى، وأصبح كاليورانيوم المستنفد، قد يطلق بين آونة وأخرى بعض إشعاعات متقطعة، لكنها قليلة الفاعلية، محدودة التأثير. وحصره –ثانيًا- فى أنه شعب طائع سهل المراس، تقلّب بين يدى الظلم والاستغلال والبطش لقرون ممتدة فى التاريخ، ولعقود قريبة، وأن خروجه العاصف لا يشكل إلا استثناء عابرًا، قد يحتاج إلى عقود أخرى كى يثمر موجة ثورية جماعية. وحصره –ثالثًا– فى أنه شعب يمتلئ وجدانه بالإيمان والتدين، وأن إشعاع سلطة على وجهها -بغض النظر عن سلوكها- ملامح تعكس صورة من هذا الإيمان والتدين، كفيل بأن يخادعه وأن يبقيه رهين سطوتها، رغم اعتلال أحواله، فغناه الروحى الشكلى سوف يغالب استلابه المادى. وحصره –رابعًا– فى أن نخبه السياسية التى تقف على الضفة الأخرى، تبدو مشتتة ومتنافرة فضلا عن أنها ليست موصولة كليا بقواعدها السياسية أو الاجتماعية فى أنسجة المجتمع، دون أن يدرك أن مقوّد القيادة والحركة قد انتقل بشكل تلقائى، من داخل مقرات الأحزاب والقوى السياسية، إلى الميادين المفتوحة والشوارع الرحبة.
الثانى: ذلك التناقض الفاحش بين صورة الإيمان والإسلام كما يعرفها ويحسها ويتنفسها، وبين الصورة التى عكستها الممارسة العملية لأولئك الذين قفزوا فوق مقاعد السلطة، وهم يلفون على صدورهم اسم الإسلام العظيم، لقد كان اندفاعه لتأييد الجماعة ووجوهها فى جوهره ذا منحى أخلاقى خالص، يقوم أساسًا على مبدأ العدل والمساواة، ولكنه سرعان ما أدرك دون جهد، أنه غير بعد ثورة عظيمة بغيًا أضعف ببغى أقوى، واستغلالا أقل باستغلال أكبر، وتبعية أضيق بتبعية أوسع، وفشلا أدنى بفشل أعلى، بل إنه وجد أن كيانه الوطنى نفسه، قد أصبح عرضة للتآكل، وعرضة للتقسيم، وقد تكاثرت عليه صنوف وألوان من التهديدات المستجدة، ولقد كانت الفجيعة كبيرة، لأن القياس بين ثمرة الحلم، الذى أنضجته الثورة، وحصاد الهشيم، الذى وجه فى كل الساحات، السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، والإنسانية، أكثر قسوة على النفس، من أن تتحمله دون غضب، وأن تكتمه دون انفجار.
الثالث: ذلك المنتوج الهائل، من أنقاض الثورات، الذى بات يعكس خللا مضاعفا، على مستوى كل التوازنات، فقد كان النجاح باهرًا، فى إسقاط أنظمة كانت بطبيعتها آيلة للسقوط، لكن البدائل فى المحيط الإقليمى، الذى تحرك فيه الزلزال، لن تلد غير تناقضات جديدة، وانقسامات جديدة، وفوضى شاملة، وإذا كان الاستقرار فى ليبيا أو اليمن بعيد المنال، فإنه واقع تحت التهديد فى مصر قبل تونس، فلم تعد الانقسامات والتناقضات والحروب، بين حدود الدول، وإنما أصبحت داخل حدودها، ولم يعد العدو فى الخارج، وإنما أصبح فى الداخل، ولم يعد الاستقرار هدفًا تسعى إليه العقول، وإنما أصبح هدفا تصوّب إليه البنادق.
الرابع: ذلك التغيير المحسوس فى موازين القوى، بين الآلة العسكرية للنظام فى سوريا، والآلة العسكرية المناهضة له، والتى تكاد أن تكون قاعدتها الأساسية مصدرة من الخارج، وهى تضم عشرات الآلاف من الذين زيّن لهم أن الجهاد الحقيقى فى سبيل الله والإسلام يمر عبر بوابة دمشق، لا عبر بوابة فلسطين أو القدس، والذين يفيض عليهم مطر المال السعودى، ليزرع حدائق الدم، بدلا من أن يذهب ليروى صحارى الفقر.
ولا سبيل إلى إنكار، ما وقع فيه النظام من أخطاء جسيمة، ولكن الحرب فى سوريا بالتوصيف الغربى نفسه، هى معركة طائفية سامة، بكل المقاييس والحسابات، أهدافها قد تمر بالنظام، لكن نتائجها ستكون مدمرة لكيان عربى اسمه الكيان السورى، فى حالة أقرب إلى حالة تدمير العراق، ملحقة أضرارًا فادحة بالتوازنات الإقليمية، وبالمصالح الوطنية والاستراتيجية لمصر، بالدرجة الأولى، ولشرق البحر الأبيض على امتداد جنوبه وتخومه، والشاهد دون دخول فى التفاصيل، وبغض النظر عن العوامل، المؤثرة فى ميدان المعركة، أو المواقف السياسية من حولها، أن موازين القوى بين جبهتى الحرب فى سوريا، قد أخذت، خلال الأسابيع الأخيرة، تميل على نحو مؤثر ومحسوس لصالح الجيش السورى.
الخامس: ذلك التشقق الذى لحق بالقناع الذى يرتديه النظام التركى، فأظهر جانبًا من ملامح وجهه الحقيقى، بكل ما يحمله من تناقض صارخ مع الأسباب والمبررات، التى دارت بها ماكينات الدعاية والتسويق، مروجة له باعتباره المثال الإسلامى، الذى يقتدى به، والنموذج الديمقراطى الذى يحتذى.
السادس: ذلك الانكفاء القطرى المكتوم على الداخل، بحكم ما يتعلق –أولًا– بالسعى المحموم لحفظ حقوق توريث الحكم والثروة لأصحابهما الأصليين بعيدًا عن أطماع الذين كانت أدوارهم جسرًا للانغماس الكامل فى الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالإقليم. وبحكم ما يتعلق –ثانيًا– بالاندفاعة القطرية على خطوط هذه الاستراتيجية، والتى رأى الأمريكيون قبل أسابيع أن مصالح قطر الذاتية، قد قفزت إلى خطوط تجاوزت خطوط الاستراتيجية وأضرت بها.
لقد قلت فى البداية، إنه إذا صح أن عقارب ساعة التغيير فى الإقليم قد تغير اتجاهها، وتحولت إلى الاتجاه الآخر، فإن ذلك يتطلب بالضرورة الإجابة عن سؤالين، كان أولهما يتعلق بعوامل وأسباب التحول، أما الثانى فيتعلق بموقف أصحاب الاستراتيجية، وهم يرون بوضوح علامات هذا التحول، وكيف يمكنه العمل على إعادته، إلى سيرته الأولى، وظنى أن الأمر يشبه محاولة إيقاف ترس كبير حاكم لتروس أصغر، قبل دفعه إلى أن يأخذ اتجاها عكسيا لحركته، ولذلك فالسبيل الوحيد لتحقيقه يبدأ بإيقافه عن الدوران، والسبيل الوحيد لذلك أيضا، هو استخدام القوة لحشر عامود من الصلب، بين أسنان أحد التروس الكبيرة لإيقاف الدوران، قبل محاولة عكس اتجاهه، والسؤال بالتالى، أى ترس كبير وأى عامود من الصلب؟ ليس ثمة إجابة نهائية كاملة، يمكن الإمساك بها، ولكن الأمر لا يخرج فى ضوء نمط مفردات الاستراتيجية الأمريكية، عن إحداث تفجير كبير هنا أو هناك، ولا أعتقد أن حجم هذا التفجير المطلوب، يمكن ترجمته فى إلقاء مزيد من الوقود داخل سوريا، بمد أطياف «المجاهدين» فى سوريا وفق القرار الأمريكى المعلن بمزيد من الأسلحة الثقيلة والمضادات الأرضية، فتغيير الموازين المستجدة فى سوريا وفق هذه الصيغة يحتاج إلى وقت أطول، إلا إذا تم دمج سلاح الجو الإسرائيلى بشكل كامل فى المعركة، وهو أمر قد يحول دونه دفع روسيا بغواصتين نوويتين قرب الشواطئ السورية، ومجموعات من الفنيين لتشغيل بطاريات دفاع جوى متطورة، كما أنه إذا حدث سينقل المعركة إلى دائرة واسعة وإلى مستوى آخر أقرب إلى الخيار شمشون، ولذلك فإننى أقرب إلى الظن بأن مسرح التفجير سيكون هنا، وليس هناك.
يستحق كل عامل من العوامل الخمسة السابقة، وقفة مستقلة، لكننى أرى أن التأثير المعنوى الكبير لحالة التشقق، التى أصابت القناع التركى فأبدت سوءته، جديرة بالمراجعة، ليس بقصد رد هذا الكورس النحاسى، الذى دأب على أن يلقى على مسامعنا أناشيد ركيكة فى مديح الذات التركية، فهو ما زال، بغير استحياء، يبحث عن ألوان زواق يغطى بها سوءتها، رغم أن أمطار الغضب فى تركيا سرعان ما تمسحها، لقد قدموا لنا تركيا على أنها صورة الحداثة الإسلامية، ديمقراطية على النمط الغربى، ومعجزة اقتصادية، يتراكم نموها لينقلها من شاطئ إلى شاطئ، ونزوعًا إيديولوجيا معاديًا لإسرائيل، وسندًا قويًا لنهوض عربى، وحلولا إسلامية مبتكرة للمتغيرات تزيل التناقض بين جوهر الإسلام وروح العصر، ولم يكن فى ذلك كله شىء من الصدق أو الصحة أو السلامة، ولا أعرف ما إذا كان قد شبّه لهم، أم أنه العمى الاستراتجى، أم أنه التواطؤ المدفوع القيمة، لتحقيق مآرب أخرى، كما أننى لا أعرف، من أى باب فى أبواب الشريعة الإسلامية، يمكن الجمع بين الإسلام وحلف الأطلنطى فى وعاء واحد، وبين الإسلام والقواعد الأجنبية فى أرض واحدة، وبين الإسلام والرأسمالية الجائرة فى نسيج واحد، وبين الإسلام والعداء للقومية العربية فى قلب واحد، وبين الإسلام والاستبداد فى عقل واحد، وبين الإسلام والانخراط فى استراتيجية إمبريالية حد القبول بدور أداة طيّعة بين يديها فى صدر واحد:
أولًا: فى الإطار الاستراتيجى العام، فإن تركيا تمتلك موقع ودور القيادة الاستراتيجية الجنوبية لحلف الأطلنطى، وهى واحدة من مفردات الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة وللحلف، وفى سياق تعاون استراتيجى كامل مع إسرائيل، ومنذ أن بدأ المشروع الأمريكى الجديد، يدخل طور التنفيذ مع تأسيس القيادة الوسطى للجيش الأمريكى، والتى اتخذت من قطر قاعدة مركزية لها، بدأ الدور التركى لتحويل سوريا إلى الرجل المريض، بحيث ترث دورها، فى ضوء تعهد أمريكى بمنحها دورًا قياديًا فى المشهد العربى، على صعيد أنظمة الحكم الجديدة، التى يجرى تهيئة البيئة لولادتها فى سوريا ولبنان والدولة الفلسطينية المفترضة، وهى تلعب دور رأس الحربة فى المشروع، ودورها تنفيذى ميدانى.
لقد تحدث أردوغان مبكرًا (2006/4/3) عن مشروع الشرق الأوسط الكبير وعن دور تركيا، ولم يكن المسار العام التركى فى الإقليم منذ ذلك التوقيت، بعيدا عن عملية إعادة صياغة أوضاعه لصالح بناء هذا المشروع، ولقد كانت الازدواجية كاملة بين القول والفعل التركيين فى هذا الحيز، فعندما أعلنت تركيا أنها تسعى إلى تخفيض الوجود العسكرى الأمريكى على أراضيها، وقررت إدارة أوباما إغلاق قاعدة أزمير على بحر إيجة توفيرًا للنفقات، سرعان ما تقدمت بطلب إلى الولايات المتحدة لبقاء القاعدة فى حوزتها كى تستمر فى الحصول على أجر استئجارها، وعندما وافقت على نصب درع صاروخى أمريكى فوق أراضيها، تحدث خطابها العلنى على أنه موجه لحماية اليونان ورومانيا وبلغاريا، بينما كان الدرع قد وضع مبكرًا لحماية القواعد الأمريكية على أراضيها من الصواريخ السورية والإيرانية المحتملة، ولهذا كله، فإن الدور التركى فى النهاية مجرد شكل جديد لحصان طروادة، يحتوى حلف الأطلنطى فى جوفه.
ثانيًا: فى الإطار الاستراتيجى لعلاقة تركيا وإسرائيل، فإن شرايين العلاقة ظلت على حالها يسرى فيها الدم من ناحية إلى الأخرى وبالعكس، ولم تكن أزمة مرمرة وقبلها مواجهة أردوغان وبيريز إلا مظهرًا خارجيًا، أضيفت إليه ألوان من الخشونة، مما قد يرى فوق الجلد، لكنه لا يطول جسد العلاقة، فلم تحدث مطلقًا أى مقاطعة تجارية من جانب تركيا لإسرائيل، بل إن أرقام التجارة بينهما قفزت خلال فترة المقاطعة إلى حدود غير مسبوقة، بل إن أردوغان نفسه عندما أعلن تعليق العلاقة التجارية مع إسرائيل، عاد وصحح إعلانه بقوله إن المقصود هو ما يتعلق بالتجارة العسكرية والدفاعية، وحتى فى هذا الحيز فإنه لم يكن صادقا، ويكفى للتدليل فقط إبرام صفقة طائرات إسرائيلية للتصوير الليلى من الفضاء ومن بعد، ولِمَ لا؟، إذا كان أحمد بوراك نجل أردوغان وصاحب شركة النقل البحرى MB، والتى تمتلك سفينتين للنقل لم تتوقف إحداهما «سفران 1» عن الإبحار بين ميناء أشدود فى إسرائيل، والموانئ التركية ذهابًا وعودة، وكانت آخر رحلاتها فى يناير الماضى، أى بفاصل أقل من ثلاثة أشهر عن مكالمة يوم 22 مارس الماضى، بين نتنياهو وأردوغان، والتى رعى إتمامها أوباما بنفسه، والحقيقة أن السعى الأمريكى لإعادة العلاقة إلى واجهة المشهد، انطوت على أهداف متعددة قد يكون فى مقدمتها، تنسيق عمليات التدخل فى سوريا، وفى أمن منطقة الركن الشمالى الشرقى من البحر الأبيض، مع الاستجابة لمطالب تركيا بتعظيم دور ميناء جيهان كمحطة، لتجميع جانب من منتوج الغاز الجديد فى البحر الأبيض، وكصنبور لضخه إلى أوربا، خاصة أنها تستورد 89% من حاجتها إلى الطاقة، فيما لا تنتج محليًا سوى 2%، وكذلك استكمال محاولة سرية لإحياء مشاركة إسرائيلية تركية للعمل ضد الصواريخ أرض-أرض السورية، التى تحمل رؤوسًا كيماوية وبيولوجية، خوفا من وصول النظام السورى إلى الخيار شمشون، وتفعيل منظومة الدفاع المضادة للصواريخ التابعة لحلف الناتو، إضافة إلى ما ذكره «اليكس فيشمان» عن بناء خطوة تأسيسية للتحالف الذى أطلق عليه 4+1، بين أربع دول فى المنطقة، إضافة إلى إسرائيل، والحقيقة أيضا أن تركيا شاركت فى عدة مؤتمرات وتدريبات ومناورات خلال العامين الماضيين لحلف الناتو، وقد كانت إسرائيل حاضرة فيها جميعها، باعتبارها شريكًا أساسيًا للحلف.
ثالثا: فى الإطار الاستراتيجى لعلاقة تركيا بمصر، فإن تركيا التى استيقظت حواسها الاستراتيجية، تجاه الإقليم شرقًا، ظلت تاريخيًا تصطف إلى جانب كل القوى الاستعمارية التى سعت إلى منع قيام أى مركز قوة دولى حقيقى فى مصر، وفى مراحل تاريخية ممتدة، كانت كل زيادة فى قوة مصر من جهة نظر القوى المسيطرة دوليًا، تعنى انخفاضًا فى قوة تركيا، وخلال القرن التاسع عشر تمحورت سياسة تركيا تجاه مصر، نحو السعى إلى تقليص رقعتها فى سيناء، ودفع خط الحدود داخلها إلى أقصى حد، وقد اقترحت خط رفح رأس محمد مرة، ورفح السويس مرة، والعريش رأس محمد مرة، وهو ما يسلب من مصر نصف مساحة سيناء، والمدهش أن محاولة تركيا فى الحرب العالمية الأولى، عبور قناة السويس من الشرق رغم فشلها فإن منطقة تسللها كانت نفسها منطقة تسلل الإسرائيليين فى حرب أكتوبر المجيدة عند سرابيوم.
يقول داوود أوغلو فى كتابه(ما بعد العمق الاستراتيجى: تركيا دولة مركز) إنه «لا يمكن لتركيا الدولة التى ظهرت على الأراضى التاريخية، والجيوسياسية للدولة العثمانية، والتى كان لها نصيب الأسد من ميراثها، أن تقصر مجال تخطيطها وتفكيرها الدفاعى، داخل حدودها القانونية فحسب»‬ نحن إذًا أمام نزعة إمبريالية ترى العالم ولا سيما الجغرافيا العثمانية السابقة وفى قلبها مصر، مجالا حيويا لتمدد نفوذها واستعادة ميراثها التاريخى كما تزعم، رغم أنها ما تزال تعانى أزمة هوية وأزمة معنى.
رابعا: كيف تقع فى تركيا التى قدموها لنا، على أنها النموذج والمثال، 235 مظاهرة فى 67 مدينة خلال ثلاثة أيام، لأن السياسة الاقتصادية لحزب التنمية والعدالة، هى تطبيق مباشر لنموذج الليبرالية الجديدة، التى وضعت اقتصاد الدولة كله على أساس آليات السوق الحر، وفى يد مجموعة من أصحاب رجال الأعمال المقربين، ولذلك رغم التباهى بنسبة النمو التى وصلت إلى 8% وقد انخفضت حاليًا إلى 2.2% فإن عنصر توزيع الدخل ظل يعانى فروقًا هائلة، سواء بين المناطق الجغرافية، أو بين الطبقات الاجتماعية، وفى ظل اختلالات هيكلية، يعانينها الاقتصاد، سواء على مستوى علاج العجز فى ميزان المدفوعات، الذى يتم بالاقتراض الخارجى، أو على مستوى العجز فى الميزان التجارى، حيث إن الواردات ضعف الصادرات، أو على مستوى البطالة، التى قفزت إلى نسبة 8%، وتفشت، خاصة فى المناطق المهمشة، فالحديث عن المعجزة الاقتصادية التركية، التى تم إنعاشها بضخ استثمارات خارجية تتجاوز مائة مليار دولار من الخليج وأوربا فيه كثير من تجميل صورة اقتصاد تابع، ورأسمالية مفرطة، وإذا كان الحديث عن الفساد، فإن نموات الرأسمالية الجديدة فى تركيا، لا تخلو من انحياز طائفى للسلطة، ومن فساد حزبى وشخصى، وأردوغان نفسه مواجه ب13 قضية فساد، منذ أن كان عمدة لاسطنبول، لم تصدر فيها أحكام لحصانة برلمانية، أما الديمقراطية التى أصبحت جثة محنطة فى صندوق الانتخاب، فيكفى للحديث عنها ذلك الوضع المتدهور لحرية الصحافة، فوفق مؤشر حرية الصحافة السنوى، الذى تصدره منظمة «صحفيون بلا حدود»، فقد احتلت تركيا المركز 154 من 179 دولة، مما يعنى أن حرية التعبير فى مرتبة أدنى من الصين وإيران، بل أدنى من العراق وأفغانستان وزمبابوي.
ما حدث ويحدث فى تركيا، ليس صخبًا داخليًا، كما كتب أحدهم، ولكنه قناع النموذج الذى يتمزق، وتطل من فجواته الحقيقة كاملة، بكل حاستها الاستعمارية، واستبدادها، ورأسماليتها القاهرة، إنه ليس النموذج الأقرب إلى جوهر الإسلام، ولكنه النموذج الأبعد عنه، لأنه نموذج اصطنعه حلف الأطلنطى لنفسه.
Email: [email protected]
Site: ahmedezzeldin.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.