تغييرات طفرية مرت بها السودان مؤخرًا عندما أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" فى 23 أكتوبر الجارى موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد رفعه لاسمها من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وهو ما سيترتب عليه رفع الحظر عن المساعدات الاقتصادية والاستثمارات الأمريكية للسودان. وكان ترامب قد أعلن في 19 أكتوبر الجارى بأنه سيتم رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب عندما تقوم بدفع تعويضات ترتبط بهجمات شنها تنظيم القاعدة لتفجير سفارتى الولاياتالمتحدة في تنزانيا وكينيا عام 1998 والتي أسفرت عن مقتل مائتى شخص وإصابة الآلاف. وقال بأن الحكومة السودانية وافقت على دفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم. أما رئيس وزراء السودان "عبدالله الحمدوك" فقد أعلن بأن بلاده حولت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية المبلغ المطلوب لتعويض ضحايا الهجمات ولرفع البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن ذلك سيفتح الباب أمام إعفاء بلاده من ديون خارجية بقيمة ستين مليار دولار، حيث إن وضع السودان على لائحة الإرهاب جعلها خاضعة لعقوبات اقتصادية. وأشاد رئيس الوزراء عبدالله الحمدوك بالخطوة واعتبرها أكبر دعم للتحول الديمقراطى في الدولة السودانية. لقد رحب وزير خارجية الاتحاد الأوروبى بإعلان ترامب شطب السودان من القائمة الأمريكية السوداء للدول الداعمة للإرهاب، وقال إن الخطوة لها أهمية بالغة. ولا شك أن هذه التطورات من شأنها أن تفتح الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية في السودان، علاوة على إمكانية حصول الخرطوم على قروض من أجل دعم الاقتصاد. الجدير بالذكر أن التطورات الجديدة قد جاءت بعد أن استمر السودان مدرجًا في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ 1993 إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير الذى وجه إليه الاتهام بإمداد تنظيم القاعدة، وزعيمه آنذاك "أسامة بن لادن" بالدعم المادى والتقنى، وبتوفير ملاذ للجماعات الإرهابية التي شاركت في تفجير السفارتين الأمريكتين في تنزانيا وكينيا وفى تفجير المدمرة "كول". ومن ثم أدرج السودان وقتئذٍ في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. غير أنه وفى أعقاب الإطاحة بالبشير في العام الماضى شرعت السودان الجديدة فى العمل على تحسين علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفى الوقت نفسه وبموازاة هذه التطورات فإن موضوع رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ارتبط بجدلية التطبيع مع إسرائيل. ولقد شرعت إدارة ترامب في تكثيف الضغوط على الخرطوم من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المزمع إجراؤها في 3 نوفمبر القادم، فهناك من ربط بين الأمرين وجعل التطبيع مع إسرائيل شرطًا لرفع السودان من قائمة الإرهاب بيد أن رئيس وزراء السودان عبدالله الحمدوك أكد مؤخرًا في تصريحات صحفية رغبة بلاده في التعامل مع المسارين بصورة منفصلة لا سيما مع ما اعتبره من غير العادل معاملة السودان كدولة منبوذة بعد مرور أكثر من عقدين على ترحيل بن لادن خارجها وإطاحة السودانيين بنظام البشير في أبريل من العام الماضى. ومن جديد أحيت تصريحات الحمدوك جدلاً بشأن نقطتين رئيسيتين فيما يتعلق بحديث التطبيع الذى يجرى منذ فترة بين السودان وإسرائيل، وتتعلق النقطة الأولى بربط أمريكا رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بإبرام الخرطوم اتفاقًا لتطبيع العلاقات مع تل أبيب. أما الثانية فتتعلق بالخلاف القائم الذى تحدثت عنه عدة تقارير بين المكونين المدنى والعسكرى في الحكومة الانتقالية بشأن قضية التطبيع والتي لا تعتبر محل اتفاق بين الطرفين العسكرى والمدنى، فبينما يبدى المكون العسكرى ممثلاً في الفريق "عبدالفتاح البرهان" حماسًا لإتمام عملية التطبيع مع إسرائيل على أساس أنها ستفتح الأبواب أمام مساعدات اقتصادية كبيرة للدعم من قبل المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى فإن "عبدالله الحمدوك" رئيس الوزراء والذى يمثل التيار المدنى يكرر ما قاله في تصريحاته من أن التطبيع مع إسرائيل يحمل إشكالات متعددة ويحتاج إلى نقاش اجتماعى. وهكذا ورغم إعلان ترامب عن صفقة التطبيع بين السودان وإسرائيل يبقى الموضوع نقطة شائكة إلى أن يتم التوافق عليه بين التيارين المدنى والعسكرى في السودان.