كعادته فجر الرئيس الأمريكي، مفاجأة مدوية ،عندما أعلن بكل وضوح أن مصر قد تقوم بتفجير سد النهضة الإثيوبي،إذا تصلبت إثيوبيا في مواقفها ورفضت التوقيع على اتفاق جاهز ونهائي أشرفت عليه واشنطن ،وقال ترامب: إن المصريين لا يمكنهم العيش والبقاء مع هذا السد وهذا التعنت الذي لا مثيل له وانه مندهش لماذا لم يضرب المصريون السد عند إنشائه. التصريح الذي جاء من أقوى رجل في العالم ،قابلته الحكومة الإثيوبية بتعنت وتحدٍ ،يخرج عن سياق العقل ويضعها في خانة الجنون والمغامرة بشعبها ،ليس في مواجهة مصر وحدها ولكن في مواجهة كل العالم وعلى رأسه الإمبراطورية العظمى،الولاياتالمتحدةالأمريكية. رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ردد خطابه الشعبوي وقال: إن بلاده لا تعبأ بهذه التهديدات وإنها ستحمي سدها ولن تعترف بالمعاهدات الاستعمارية وهو هنا يرفض الاعتراف بحقوق أكثر من مائة مليون مصري تحميها معاهدات دولية ،قالت الأممالمتحدة إنها يجب أن تورث كالحدود وهي اتفاقات 1902و1929 و1958وجميع هذه الاتفاقات تقر بحق المصريين في الحياة والعيش على مصدرهم الوحيد للمياه وهو نهر النيل وإثيوبيا لا تعترف بهذه الاتفاقيات بحجة أنها تمت في عصور استعمارية أو لم تكن طرفا فيها كاتفاقية 1958 التي وقعتها مصر مع السودان ورفضت إثيوبيا التوقيع وهي أيضا رفضت التوقيع على اتفاق واشنطن العام الماضي الذي شاركت في صياغة كل بنوده. واستمرارا للتعنت والمغامرة بالشعب الإثيوبي،في دوامات حروب مدمرة،قامت الخارجية الإثيوبية أول أمس باستدعاء السفير الأمريكي لديها وإبلاغه احتجاجها على تصريحات ترامب، وإبلاغ الأعضاء الدائمين بخطورة التصريح،وإنها تتطلع للاتحاد الإفريقي ،كجهة وحيدة للوساطة،أثيوبيا إذن،تتحرك بنفس الخطوات المضللة ،حيث تتوهم بأنها قادرة على خداع مصر عبر الاتحاد الإفريقي الذي تسيطر على مقره في عاصمتها وتتحكم في كل قراراته والذي فشل في إنهاء أي صراع إفريقي،وإنها أيضا قادرة على حشد وتحريض دول حوض النيل ضد مصر ودول العالم وإنها قادرة على حماية السد وفقا لتصريحات رئيس أركانها. وجاء الموقف الأمريكي الأخير أكثر وضوحا لكشف تلك الألاعيب التي أضاعت عشر سنوات من التفاوض الكاذب ،كما أن المنهج الحبشي العقيم الذي يعتمد على الكذب وشراء الوقت والتحرك ببطء السلحفاة لا يروق للرئيس ترامب وإدارته،لذا جاء كلام ترامب،واضحا ضد السد الذي يشكل خطرا على السلم والأمن الدوليين ومن إدارة إثيوبية لا تعبأ بمصير أكثر من مائة وخمسين مليون إنسان من أبناء مصر والسودان ولا حتى بمصير أكثر من مائة مليون إثيوبي. لايبدو أن هناك خبراء في حكومة أبي احمد،يوضحون له فشل وانتهاء هذا النوع من التفاوض مع توضيح الرؤية الأمريكية لإدارة الصراعات في العالم التي تعتمد على قاعدتي الصفقة والإنجاز. أبي أحمد،الذي يعد شعبه بالرفاهية والازدهار وأطلق حزبا وبرنامجا بهذا الاسم ولتحقيق هذا الهدف،لا يمكنه أن يدخل شعبه في دوامة حروب ستكون مدمرة وهو يتحدث عن الازدهار،إلا إذا كانت تلك نظرية جديدة من الحماقة والجنون ،يحاول الرجل تنفيذها على أرض الواقع،والواقع أن إثيوبيا دخلت حروبا مع دويلات صغيرة جدا عنها كالصومال واريتريا ،التي لا يصل تعدادها إلى عُشر تعداد إثيوبيا، والصومال كانت في حالة انهيار عند عدوان إثيوبيا عليها في سبعينيات القرن الماضي واريتريا لم يكن قد مضى على تشكيلها وإعلانها كدولة إلا أيام عندما اعتدت عليها إثيوبيا بداية تسعينيات القرن الماضي،وبالتالي فإن تحقيق الانتصار عليها يتطابق مع المنطق،أما الدخول في حرب مع مصر،أكثر الدول الإفريقية تقدما اقتصاديا وعسكريا ،فهذا لا علاقة له بالمنطق. وكان المتابعون للشأن الاثيوبي قد توقعوا ،مع مجيء أبي احمد،أن يخرج ببلاده من دوامة الحروب التي تخدع بها حكومات الحبشة شعوبها لمداراة فشلها ولكن الثقافة والسلوك الإثيوبيين في التعنت والتلاعب وعدم تقدير الموقف والاندفاعات الحمقاء ،أعيت كل رؤساء دول العالم وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب.