هناك رجال يرحلون ولا يرحلون، يبقون ولا ينتهون، تعيش ذكراهم في ذاكرة البشر، وتتنامي مكانتهم كلما شاهد الناس أعمالهم برؤي جديدة، وفي أزمنة متغيرة، هذا هو مفتاح علاقة المبدع بالناس، من هؤلاء الذين رحلوا 'ولم يرحلوا' الروائي والكاتب القدير 'أسامة أنور عكاشة 'الذي لقب بأسطورة الدراما العربية رغم واقعية أعماله. تمر هذا الأسبوع الذكري الثالثة علي رحيله دون أن ينتبه أحد إلي تلك المناسبة، حيث وافته المنية يوم 28 مايو عام 2010، لقد شكل موته صدمة كبيرة لكل محبيه، ليس في مصر فقط بل في العالم العربي، لقد كان أسطورة الدراما العربية نظرا لأعماله التي تابعها جمهوره من المحيط إلي الخليج، لما فيها من عمق وزخم درامي ومحاكاة للواقع المصري. ولقد شرفت في ذكري رحيله الأولي بتأليف كتاب عنه حمل عنوان 'أسامة أنور عكاشة أسطورة الدراما العربية'، قدمت من خلاله ثمانية مشاهد بداية من مشهد الشهد والدموع الذي ألقيت فيه الضوء علي حياته الشخصية منذ مولده وحتي وفاته - فقد كانت حياته مليئة بالشهد والدموع - ومرورا بحصر كل أعماله الأدبية. كما شمل الكتاب أعماله التلفزيونية والإذاعية والمسرحية، وكانت خاتمة الكتاب بمشهد لقمة القاضي الذي تضمن المناسبات التي تم تكريمه فيها، وحاولت من خلال الكتاب الذي أهديته إلي روح أستاذي أسامة أنور عكاشة أن أسعد روحه بعد رحيله، كما أسعدنا وأسعد الملايين في حياته. ارتبط اسم أسامة أنور عكاشة بعلامة الجودة لأي عمل قدمته الشاشة من إبداعاته التي بلغت ذروة النبوغ، حيث كانت بداية أعماله التلفزيونية عام 1976 مع مسلسل الحصار، ثم جاء تألقه مع الشهد والدموع التي كانت بوابته للعبور إلي قلوب الملايين، لقد دافع عن الفضيلة والجمال في حياتنا من خلال أعماله، منها رحلة أبو العلا البشري، والراية البيضا، وضمير أبلة حكمت، وانا وانت وبابا في المشمش، عصفور النار، امرأة من زمن الحب، وسوف يظل مسلسل ليالي الحلمية بأجزائه الخمسة سيمفونية رائعة، وكانت آخر أعماله مسلسل المصراوية عام 2009، لذلك لقب عن جدارة لقب أسطورة الدراما العربية. والذي لا يعرفه الكثيرون أن أسامة أنور عكاشة له ثلاثة عشر عملا أدبيا، منها جنة مجنون، شق النهار، علي الجسر، وكان يعتز جدا بأنه روائي، وليس سينارست. آثر أسامة أنور عكاشة مجال الدراما التلفزيونية، وتربع علي عرشها، وظل فوق القمة حتي لبي نداء ربه، وبرحيله افتقدت الشاشة العربية أعماله المتميزة وشخصياته التي كان يرسم ملامحها بعناية فائقة، وكم كنت أتمني أن يكون بيننا الآن ليقدم أروع الأعمال الدرامية التي تعبر وبصدق عن فترة ثورة 25 يناير وما بعدها، لكن عزاؤنا الوحيد أن أعماله ستظل محفورة في قلوبنا وفي ذاكرة التاريخ.