لم تكن المحاولات التي بذلت للحيلولة دون إقامة ورشة عمل في حزب يساري خلال مارس الماضي احتفالاً بذكري تأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، وحرص الحزب علي أن تكون الورشة في أضيق الحدود سوي دليل علي أنه أصبح المطلوب محو الذاكرة الوطنية والقومية، ولكن ما حدث أخيرًا يبرز ما هو أفدح وهو غياب الضمير القومي عن الساحة النقابية العربية التي اخترقتها الأذرع الأجنبية بحيث صار الاهتمام بالقضايا القومية في خبر كان. الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب السيد رجب معتوق وجه تعميمًا إلي المنظمات النقابية القطرية والاتحادات المهنية الأعضاء في اتحاد العمال العرب بناء علي طلب الاتحاد العمالي العام في لبنان لعقد دورة طارئة للمجلس المركزي للبحث في تكرار الاعتداءات الإسرائيلية علي أرجاء الوطن العربي بدءًا من فلسطينالمحتلة إلي السودان ومصر وآخرها العدوان الغادر علي الجمهورية العربية السورية والتي تستهدف قبل كل شيء منعة وصمود شعبنا العربي وتضامننا مع عمال وشعب سوريا وكافة الشعوب العربية. وعملاً بالمادة السابعة والعشرين من دستور الاتحاد وبسبب عدم توافر النصاب المحدد بثلثي المنظمات الأعضاء فقد كانت المنظمات التي وافقت علي عقد الدورة: 1 الاتحاد العمالي العام في لبنان صاحب الاقتراح 2 الاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا 3 الاتحاد العام للعمال الجزائريين 4 الاتحاد العام لعمال فلسطين 5 الاتحاد العام لعمال الكويت 6 الاتحاد العام لنقابات العمال في السودان 7 الاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين 8 اتحاد عمال تونس 9 الاتحاد الوطني لعمال ليبيا 10 الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق أما المنظمات التي لم ترد علي التعميم سلبًا أو إيجابًا.. وهذا نص كتاب الأمين العام فهي: 1 الاتحاد العام للعمال الجيبوتيين 2 الاتحاد العام لنقابات عمال الصومال 3 اتحاد العمال الموريتانيين 4 الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن 5 الاتحاد العام التونسي للشغل 6 الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين 7 الاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان 8 الاتحاد المغربي للشغل 9 الاتحاد العام لنقابات عمال مصر 10 الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن ووفقًا لنص المادة 27 من الدستور فإن النصاب لم يكتمل لتلبية هذه الدعوة وبالتالي يتعذر عقده في الوقت الحالي. ونحن نقول.. متي تعقد؟!! ولكننا نستغرب لعدم الرد علي هذه الدعوة سلبًا أو إيجابًا.. أخافوا من حكامهم أم من جهات ذات نفوذ ومال باتت تعبث في الحركة النقابية العربية.. أبعد ما يحدث في وطننا الذي كان كبيرًا فصار يتقزم يصبح وجود مجلس مركزي لاتحاد العمال العرب صعبا ويتحسس البعض خطاهم للإجابة عليها، أم أن هذه ثمرة من ثمرات ذلك الخريف العربي الكئيب الذي في ظله انفصل جنوب السودان عن شماله ويجري الأمر نفسه بين جنوب اليمن وشماله، وتتهدد دعوات لتقسيم سوريا الحبيبة والعراق بوابة الأمة الشرقية، بل ومصر قلب العروبة النابض. أذكر من كان لديه بقية من ذاكرة.. أن هذا المجلس المركزي انعقد غداة العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي علي مصر عام 1956 واتخذ قرارًا بمقاطعة سفن وطائرات الأعداء وكذا قطع البترول عن دول الغرب ونفذ القرار بلا تمهل وجلس عمال البحرين وليبيا والعراق علي مدرجات الطائرات في القواعد الأجنبية يمنعونها من الاقلاع. وان هذا المجلس ذاته تصدي لمقاطعة الباخرة المصرية كليوباترا في ميناء نيويورك وكان رد فعل العمال العرب هو الذي ردع الإدارة الأمريكية ونقابييها الصهيوني جورج ميني وفك حصار الباخرة المصرية. هذا المجلس انعقد بناء علي اقتراح من نقابة عمال الانتاج الحربي غداة الانتفاضة الفلسطينية الثانية أرسلته للأستاذ سيد راشد رئيس اتحاد عمال مصر وقتها وخلال ساعات كان الرجل يرد علي كاتب هذه السطور باستجابة 14 منظمة نقابية عربية وخلال 48 ساعة كان المجلس ينعقد في القاهرة وسط مظاهرة عمالية حاشدة. ماذا جري ياسادة حتي ننحدر إلي هذا المستوي الشائن؟!!.. أصار حكم القول أنه منذ سمحت قيادة الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بالتجول في ردهات مؤتمره العاشر في دمشق أكتوبر 1994 لأمين الاتحاد الدولي للنقابات الحرة وتوزيعه للأسف العطايا علي الوفود المشاركة لمنع انتخاب المرشح المصري كانت الطامة الكبري، فقد تخاذل الناس أيما تخاذل أمام اغراء المال والوعود بالتواجد في منظمات دولية كبري وهذا شيء جديد علي الوجدان العربي ولكنه ليس جديدًا علي الذين احترفوا بيع أنفسهم لمن يدفع كان العراق قد سقط تحت أقدام الاحتلال بمساندة الأشقاء وامتلأت الأرض العربية بالآلاف من أمثال أبي رغال الذي سلم التتار بغداد. إن المشهد الحالي يؤكد المؤامرة لضرب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وهو المؤسسة الشعبية الوحيدة الباقية من زمن الزهو القومي فهل نستسلم.. ولمن لا يعرف لقد قام هذا الاتحاد ليكون رافعة لحركة القومية العربية وأحد أدوات تحرير فلسطين وهو الهدف الأسمي لنا مهما كانت التحديات وضربه تصفية لحلم من أحلامنا التاريخية بعدما بدت المنظمات الفلسطينية تسلم القضية المركزية بفعل الضغوط والتحديات.. إن العمال العرب هم حجر الأساس لأي اتجاه وحدوي صادق فهم الذين يجب أن يسدوا الخواء القومي في أقطار الخليج التي نوشك أن نشيعها كفلسطين جديدة وهم السد المانع أمام التوجهات الطائفية والعرقية ومحاولة العصف باتحادهم هي هدم لهذا السد وأي سد. وقف هذا الاتحاد أمام تغريب الحركة النقابية العربية وهو ما كان يمارسه الاتحاد الدولي للنقابات الحرة والذي لعب الهستدروت اتحاد عمال إسرائيل دورًا كبيرًا فيه، وقد اكتشف القادة المؤسسون دور الهستدروت في تأسيس هذا الاتحاد بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أتون الحرب الباردة ضد المعسكر الاشتراكي.. ولمن لا يعرف أن دور الهستدورت مازال مستمرًا وقويًا في هذا الاتحاد الذي غير اسمه إلي الاتحاد الدولي للنقابات. الهستدروت هو العمود الفقري لدولة العدو الصهيوني فهو مفرخة كل القيادات في 'إسرائيل' ويمارس عمله بعنصرية تامة ضد العمال العرب ويمتلك مساحات واسعة في بنية الاقتصاد الصهيوني فعلي سبيل المثال هو شريك أساسي في شركات الصناعات العسكرية يضخ أموال العمال لمساندة العدو، ويمتلك حصصًا كبيرة في شركات المقاولات 'أكور' التي يتمدد نشاطها في افريقيا ومعه النفوذ الصهيوني وكذا شركات النقل والسياحة، وتستقبل معاهده الآلاف من النقابيين الأفارقة كل عام.. ومع هذا فهو يحتل مكانًا في الحركة النقابية الدولية يغطي به علي جملة ما يفعل في العمال العرب الذين يشكلون 22% من عضويته إلا أن عدد من يصلون منهم للجنته التنفيذية لا يزيد علي 1.5% والامبراطورية الاقتصادية التي يملكهاالهستدروت تتأهب لاجتياح كيانات اقتصادية عربية هزيلة فور سقوط اتحاد العمال العرب فهذه الامبراطورية تسيطر علي 25% من الانتاج الصناعي و75% من الانتاج الزراعي و85% من وسائل النقل و40% من اعمال البناء و20% من اعمال الخدمات، وثلث مرفق التأمين والمصارف، وتقدر ممتلكاتها من المباني والمعدات بمليارات الدولارات ويشارك الهستدروت في ملكية العديد من المشروعات الاقتصادية الكبري سواء مع الوكالة اليهودية 'الصندوق القومي اليهودي' أو مع الحكومة أو مع القطاع الرأسمالي الخاص المحلي والأجنبي ومن بين هذه المؤسسات: شركة مكروت للمياه التي توزع المياه علي كامل الكيان الصهيوني. شركة تسيم للملاحة شركة العال للطيران شركة أركيع للطيران الداخلي شركة أميال بالاشتراك مع الرأسمال الأمريكي هذا عدا مئات التعاونيات ومحلات السوبر ماركت. هذا هو الهستدروت الذي يحرك الاتحاد الدولي للنقابات باتجاه تصفية اتحاد العمال العرب. فهل ابتلع النقابيون العرب الطعم؟ لقد كان الهستدروت هو الرافعة الرئيسية لإقامة دولة إسرائيل. فهل تكون المنظمات النقابية عاملا من عوامل دولها القطرية بهذا الصمت المريب علي ما تتعرض له سوريا الشقيقة من عدوان غاشم يشارك فيه بعض من نحسبهم أشقاء؟!.. إذا استمر هذا الصمت سنقول لما كان يسمي الحركة النقابية العربية 'باي.. باي' اذهبوا لحضن من اخترتموهم والمرء يحشر مع من أحب.