تساؤلات عديدة تطرح نفسها.. إجابات مبهمة ومنقوصة، لا أحد يريد أن يكشف الحقيقة، ويهدئ مشاعر الناس، كان طبيعيًا والحال كذلك، أن يقول الكثيرون إنها 'تمثيلية' خائبة ومكشوفة، إنه شعور الغالبية من المصريين. .. عاد الجنود سالمين، قبيل أن أن يهبطوا من سلم الطائرة التي وصلت في وقت مبكر من صباح الأربعاء الماضي، وانتظرت لحين وصول الرئيس ووزير الدفاع، كان الجنود قد ارتدوا ملابس جديدة، حلقوا ذقونهم، وبدوا في حالة صحية واضحة، وكان ذلك أيضًا مثار تساؤل عند الكثيرين!! دعونا نقول في البداية، إن اللغط الدائر سببه غياب المعلومات الحقيقية والصحيحة كما أن تحرير الجنود دون الاستجابة لمطالب الخاطفين ودون قطرة دم واحدة، ودون القبض حتي علي من ارتكبوا الجريمة كل ذلك دفع الكثيرين إلي طرح علامات استفهام عديدة علي الحدث من بدايته إلي نهايته!! التاريخ يعيد نفسه!! في الخامس عشر من يوليو 2012، كانت الأزمة قد وصلت ذروتها بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية، التقت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية، الرئيس محمد مرسي في 14 يوليو، وفي اليوم التالي التقت، المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، كان المشير غاضبًا من التصريحات التي أدلت بها الوزيرة الأمريكية بعد لقائها بالرئيس مرسي وقالت فيها: 'نحن ندعم عودة الجيش لأداء مهامه في حفظ الأمن القومي المصري'. في اليوم التالي وبعد اللقاء الذي جري بين المشير والوزيرة الأمريكية، كان الغضب قد بلغ أشده، احتد الحوار بينهما كثيرًا، أدرك المشير أن الإدارة الأمريكية قررت الوقوف بكل قوة إلي جانب الرئيس مرسي وجاءت الآن لتمارس ضغوطها بكل شدة علي قيادة الجيش لتسليم السلطة التشريعية فورًا إلي الرئيس وقبيل إصدار الدستور وإجراء انتخابات مجلس الشعب في الموعد الزمني المحدد.. بعد اللقاء كان المشير علي موعد مع الجيش الثاني الميداني وهناك ألقي كلمة ذات دلالة، أثارت مخاوف الإخوان عندما قال: 'لا شيء يثني القوات المسلحة عن دورها في حماية مصر وشعبها، وإن مصر لن تسقط وأنها لكل المصريين وليست لمجموعة بعينها وإن القوات المسلحة لن تسمح بذلك'. كان المعني في هذا الكلام خطيرًا، اجتمع مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان، تدارس الموقف جيدًا أدرك أن المشير حتمًا سيقدم علي أمر ما، وأنه ضاق ذرعًا بموقف الرئيس، وموقف الجماعة، وموقف الأمريكان، وأنه قد يقدم علي تحرك ما'!! قبل وصول كلينتون بساعات قليلة، كانت جماعة الإخوان قد حرضت حلفاءها بالدعوة إلي مليونية يوم الجمعة 13 مايو، لإسقاط 'الإعلان الدستوري المكمل'. وتولت حركة حازمون الدعوة لها وشاركت فيها جنبًا إلي جنب مع بعض القوي الثورية. كان الهدف هو الحيلولة دون تولي المجلس العسكري تشكيل الجمعية التأسيسية في حال صدور حكم ببطلان الجمعية التي شكلها مجلس الشعب في وقت سابق، كان موعد الحكم هو 17 يوليو 2012، وكان الإعلان الدستوري المكمل يعطي في مادته '60 مكرر' التي تقول: 'إنه إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية عملها، يقوم المجلس الأعلي للقوات المسلحة خلال أسبوع بتشكيل جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الانتهاء من إعداده، ويتم الاستفتاء عليه خلال 15 يومًا من تاريخ الانتهاء من إعداده وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهر من تاريخ إعلان موافقة الشعب علي الدستور الجديد'. كانت جماعة الإخوان لديها علم بأن المجلس العسكري دعا إلي إجتماع لمجموعة محدودة من السياسيين والقانونيين وبعض كبار المسئولين للاتفاق علي جمعية تأسيسية تمثل جميع أطياف الشعب، وقد جري الاتفاق علي أسماء المائة عضو في اجتماع مصغر جري يوم 19 يونيو، عقب الانتخابات الرئاسية مباشرة، وقد أثار ذلك انزعاج جماعة الإخوان التي أدركت أن الجمعية التأسيسية بشكلها المقترح لن تلبي مطالب الجماعة وستصدر دستورًا من شأنه أن يتضمن مادة تنص علي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بسبب وجود دستور جديد لم يقسم عليه الرئيس المنتخب. كان ذلك مثيرًا لخوف الجماعة وحلفائها، أثاروا مخاوف الرئيس، وقالوا له لابد من حل، خاصة أن المشير كشر عن أنيابه وراح يهدد بأن الجيش لن يسمح لتيار معين بالاستيلاء علي الدولة كما أن وجوده في منصب الرئيس بات مهددًا عبر الدستور المنتظر والذي سيتولي المجلس العسكري تشكيل جمعيته التأسيسية في حال إصدار محكمة القضاء الإداري حكمها ببطلان الجمعية الحالية. في هذا الوقت كان الرئيس قد أصدر العديد من قرارات الإفراج عن بعض المحكومين في قضايا إرهابية من داخل السجون المصرية، وكانت العلاقة بين جماعة الإخوان وهذه الجماعات التي لها امتداداتها في سيناء وغيرها لا تخفي علي أحد. في هذا الوقت وتحديدًا قبل وقوع حادث رفح الذي راح ضحيته ستة عشر جنديًا مصريًا في مساء الخامس من أغسطس 2012 كانت الحكومة الإسرائيلية قد حذرت رعاياها داخل سيناء من أعمال إرهابية متوقعة بعد أن رصدت تحركات النشاطات غير عادية لبعض الجماعات المتطرفة علي الحدود مع سيناء طلبت 'إسرائيل' من رعاياها مغادرة سيناء والعودة إلي 'إسرائيل' فورًا. وقبيل وقوع العملية بأيام قليلة، كان اللواء مراد موافي مدير المخابرات العامة قد رفع تقريرًا إلي رئاسة الجمهورية وإلي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة حذر فيه من وقوع عملية إرهابية لتستهدف الجنود المصريين في سيناء وقد تضمن التقرير عددًا من الأسماء التي يتحتمل مشاركتها في العملية الإرهابية. لم يحرك التقرير ساكنًا، وقعت الكارثة، وفي مساء ذات اليوم حمل مصدر أمني بوزارة الداخلية المسئولية عن هذه الجريمة، جماعات 'تكفيرية' سبق لها القيام بأعمال عنف داخل العريش ذاتها.. لاحظ هذه العبارة، وأعد قراءتها مجددًا، في ضوء حادث خطف الجنود الذي وقع الأسبوع قبل الماضي.. في هذا الوقت جري الاتفاق علي القيام بالعملية 'نسر' التي لم تحقق علي أرض الواقع النتيجة المرجوة، ولم تتوصل إلي المتهمين بارتكاب هذه المجزرة، بل لم تعلن حتي نتائج التحقيقات حتي تاريخه، وحتي عندما أعلن مصدر عسكري لوسائل الإعلام 'بأن نتائج التحقيقات حول هوية المتورطين في الحادث تضم الكثير من المفاجآت وأن من حق الشعب أن يعرف هذه المفاجآت التي ستعلنها القوات المسلحة بكل وضوح ودون النظر لأي اعتبارات أخري' فإن القدر كان أسبق، عندما باغت الرئيس مرسي كلا من المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وقام بعزلهما مع عدد من القيادات العسكرية الأخري يوم 12 أغسطس أي بعد سبعة أيام فقط من حادث رفح، وكان طبيعيًا أن يصدر قبيل قرار العزل بيوم واحد قرارًا سريًا لم يعلن إلا في اليوم التالي بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وقبل هذا وذاك عزل مدير المخابرات العامة وقائد الحرس الجمهوري وقائد الشرطة العسكرية. إن ذلك الأمر ترك تساؤلات عديدة حول 'مذبحة رفح' ولماذا جرت في هذا الوقت، من وراءها؟ وما حقيقة أهدافها؟، وهل كانت مقدمة لأشياء أخري؟ ولماذا لم يكشف النقاب حتي الآن عن هوية مرتكبيها بالرغم من تصريحات المسئول الأمني في اليوم الأول للحادث عن أن مرتكبي الحادث 'عناصر تكفيرية، وقد شاركت في أحداث العريش قبل ذلك بفترة وجيزة'، ! ظل السؤال معلقًا إلي أن وقع حادث اختطاف الجنود في وقت مبكر من صباح الخميس 16 مايو الماضي. الاختطاف تم في منطقة الوادي الأخضر، صدرت التعليمات علي الفور بتشكيل غرفة عمليات بهيئة العمليات بوزارة الدفاع، شارك فيها وفد عسكري برئاسة اللواء مسحن الشاذلي رئيس هيئة العمليات بالقوات المسلحة ووفد من الشرطة برئاسة اللواء أحمد حلمي نائب الوزير للأمن، إضافة إلي ممثلين من المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطني بالإضافة إلي قائد الجيشين الثاني لواء أحمد وصفي والثالث لواء أسامة عسكر. كانت الاجتماعات علي مدي الأيام الثلاثة الأولي تستمر لساعات طوال، جري الاتفاق علي خطة المواجهة وتحرير الجنود وظل الجميع في انتظار قرار رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلي للقوات المسلحة. كانت المعلومات الأولية التي وصلت إلي غرفة العمليات تقول إن المجموعة التي اختطفت الجنود ربما تكون منتمية إلي جماعة التوحيد والجهاد التي يترأسها كمال علام المحكوم عليه بالإعدام غيابيًا في قضية الهجوم علي قسم ثان العريش وغيرها من القضايا، وهي المجموعة نفسها التي سبق أن وجهت إليها اتهامات بالمسئولية عن تفجير خطوط الغاز في سيناء، ناهيك عن معلومات أخري متضاربة فيما يتعلق باختطاف الضباط الثلاثة وأمين الشرطة في 4 فبراير من العام 2011، بالإضافة إلي وجود شبهات حول وجود دور ما للجماعة في حادث قتل 16 جنديًا في رفح.. فوجئ الرأي العام منذ البداية بصدور تصريح من مؤسسة الرئاسة يؤكد الحرص علي حياة الخاطفين والمخطوفين، كان ذلك أمرًا مذهلاً، اعتبره البعض يصب في اتجاه تشدد الخاطفين، والغريب أنه صدرت تصريحات متعددة لقيادات إخوانية تتبني فيها هذا الاتجاه، أبرزها التصريح الصادر عن حسين إبراهيم الأمين العام لحزب الحرية والعدالة يوم الأحد 19 مايو الذي قال فيه: 'إن موقف حزب الحرية والعدالة واضح في رفض سياسات العقاب الجماعي التي كان يتبعها النظام البائد مع أهالي سيناء، كما أن الحزب يرفض تمامًا الإفراط في استخدام القوة، مشددًا علي ثقة الحزب في القيادة السياسية والمؤسسات الأمنية والقوات المسلحة وفي قدرتهم علي اتخاذ القرارات الصحيحة التي تضمن سلامة الجنود المختطفين، وفي الوقت ذاته تحقن دماء المصريين وتحفظ للدولة هيبتها دون مساس بحقوق الإنسان!! أبدي الكثيرون دهشتهم وأدركت المؤسستان العسكرية والأمنية أن هناك 'ميوعة' في التعامل مع هذا الحدث الخطير، وفي اللقاءات المتعددة بين الرئيس ووزيري الدفاع والداخلية ومدير المخابرات العامة، كان هناك تأكيد مستمر علي ضرورة الحرص علي الحل السلمي، دون سواه، وبعد جدل طويل وافق الرئيس علي نزول قوات الجيش الثاني جنبا إلي جنب مع قوات الشرطة ولكن مع الحرص علي عدم اللجوء للخيار العسكري. هنا يمكن التوقف أمام عدد من الملاحظات الهامة التي ربما تشكل إجابة علي السؤال المطروح.. لماذا؟ 1 إن هذا الحادث وقع في وقت تزايدت فيه حدة الأزمة بين جماعة الإخوان ورموزها في السلطة وبين المؤسسة العسكرية، حيث تعرض الجيش المصري وقيادته منذ ديسمبر الماضي وحتي الآن إلي حملة منظمة من قيادات ورموز جماعة الإخوان وبعض حلفائها حاولت استفزاز القوات المسلحة، وقامت بالتطاول علي قيادتها عبر التصريحات الصحفية والإعلامية التي بدأت مع تصريح المرشد العام للجماعة د.محمد بديع في ديسمبر الماضي حول 'الجنود الطيَّعون الذين تنقصهم القيادة الرشيدة' مرورًا باتهام الجيش بالمسئولية عن ارتكاب مذبحة رفح التي راح ضحيتها ستة عشر جنديًا، ثم تعمد الاساءة إلي الفريق السيسي عبر بعض أعضاء مجلس شوري جماعة الإخوان وأيضا الشيخ حازم أبو اسماعيل، كل ذلك يطرح السؤال عما اذا كان هذا الحادث مرتبطا بخلق أزمة مع الجيش واستغلال ذلك للإطاحة بالفريق أول عبد الفتاح السيسي من منصبه وكذلك الفريق صدقي صبحي رئيس الأركان. 2 إن الرئيس مرسي سبق وأن أبدي غضبته من التصريحات التي أدلي بها الفريق صدقي صبحي في أبوظبي، والتي أكد فيها أن الجيش المصري سيلبي نداء الشعب بالنزول إلي الشارع إذا ما استدعاه بعد أقل من ثانية واحدة، وأن الفريق أول السيسي رفض كافة الضغوط التي استهدفت إبعاد الفريق صبحي، وأن غضبة الرئيس وجماعته لم تقتصر علي الفريق صدقي صبحي، وإنما امتدت إلي القائد العام للقوات المسلحة الذي عبر في كافة تصريحاته عن انحياز الجيش للشعب في كل خياراته. 3 إنه مع احتدام الأزمة بين السلطة الحاكمة والشعب وتراجع التأييد الأمريكي والغربي للجماعة ورئيس الجمهورية أصبحت هناك مخاوف عديدة من سيناريو الأحداث المتوقعة في 30 يونيو المقبل، ولذلك كان هناك من يري بضرورة إرباك الجيش والتحرك ضد قيادته قبل الموعد المرتقب، بالضبط كما حدث مع المشير والفريق سامي عنان وعدد من القيادات العسكرية الأخري في 12 أغسطس الماضي، وهناك عدد من المؤشرات التي تدعم ذلك من بينها تعمد إصرار الخاطفين علي إذاعة فيديو للجنود يتضمن مناشدة الرئيس محمد مرسي، في الوقت الذي يتعمد اهانة الفريق أول السيسي والتحريض ضده، مما يؤكد اتفاق المجموعة الخاطفة مع آخرين لهم مصلحة في إبعاد الجيش وقائده العام عن المشهد السياسي الراهن في البلاد، وضمن ذلك يجب أيضا التوقف أمام الفيديو الذي بثه موقع حزب الحرية والعدالة علي الانترنت حول المخاطر التي تهدد الأمن القومي في قناة السويس، ثم كتابة تعليق يحمل فيه حزب الحرية والعدالة الفريق أول السيسي المسئولية عن خطف الجنود السبعة في سيناء!! كانت كل هذه المؤشرات تؤكد أن من قاموا بهذا الحادث، كانت أهدافهم أكبر من تلك التي أبلغوها للوسطاء، والتي استهدفت الإفراج عن عدد من المحكومين في بعض أحداث العنف والارهاب التي وقعت في طابا وشرم الشيخ وقسم ثاني العريش وغيرها. كان الهدف بلا جدال، هو الجيش وقائده العام، وقيادته العسكرية العليا!! لماذا رفض الرئيس؟! منذ البداية كشف الرئيس مرسي عن موقفه، لقد رفض في اجتماعه الأول مع وزيري الدفاع والداخلية ومدير المخابرات العامة اللجوء إلي خيار الحسم، كانت التعليمات واضحة، لا أريد نقطة دماء واحدة، بدا الأمر غريبا للحاضرين، لكن تعليمات الرئيس كانت فوق كل اعتبار منذ البداية وتحديدا، عندما انتقل الخاطفون من قرية صلاح الدين إلي المدفونة، ثم إلي سيالة البواقي، كان الأمن والجيش قد حددا موقع الخاطفين، ومع ذلك لم يجر التدخل عسكريا في مواجهتهم. وعندما جري نقل الجنود إلي بئر 'لحفن' علي مقربة من مطار العريش، كانت جهود الوسطاء قد وصلت إلي ذروتها، منذ البداية، قامت المخابرات الحربية في سيناء بدور نشط مع بعض مشايخ وعواقل وبعض رموز سيناء، تحرك الرجال بكل قوة، أدركوا أن الجيش والشرطة ماضيان في المواجهة بلا جدال، بدأت العملية العسكرية في التاسعة والنصف من مساء الثلاثاء واستمرت حتي فجر اليوم التالي.. كان الوسطاء قد بدأوا تحركاتهم قبل هذا الوقت بأيام قليلة، لقد سخروا ثلاثين سيارة للبحث عنهم في كل الأماكن المشتبه فيها، حتي توصلوا إليهم، نقلوا إليهم رسالة واضحة وصريحة، لن نسمح لكم بالعبث في سيناء، طالبوهم بتحرير الجنود دون مفاوضات. أدرك الخاطفون أن الأمر جد لا هزل فيه، وأنهم سيواجهون بكل حسم من قبائل سيناء ورجالها قبل أن يواجهوا من الجيش والشرطة.. كان إنذار الوسطاء محددًا، يجب الافراج عن الجنود قبل شروق شمس الأربعاء 22 مايو الماضي، استمرت الضغوط التي مارسها الوسطاء الذين التقوا الخاطفين في جلسة مطولة حتي الرابعة صباحًا، بعدها أدرك الخاطفون أنه لا خيار أمامهم، وعدوهم بالافراج عن الجنود في الخامسة صباحًا وقبل شروق الشمس. أحد الوسطاء قام بإبلاغ ضابط المخابرات الحربية بالأمر، وحدد له مكان الافراج عن الجنود، وفي الموعد المحدد في الخامسة صباحًا، كان الجنود قد وقفوا علي الطريق الرئيسي، وبالقرب من سرية لحراسة الحدود. وصل قائد السرية ومعه عدد من الجنود وتم اصطحاب الجنود، بعد أن أبلغ اللواء أحمد وصفي قائد الجيش الثاني الميداني والذي كان يشرف علي تنفيذ الخطة العسكرية والأمنية في المناطق المختلفة.. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا لم يتم القبض علي المختطفين بعد أن جري تحديد مكانهم للمرة الثانية؟ وهنا سنجد أنفسنا أيضا أمام خيار من اثنين: إما أن هناك تعليمات عليا بالاكتفاء بالافراج عن الجنود وعدم التورط في أية عمليات صدام أو مواجهة مع الخاطفين لسبب أو لآخر. وإما أن هناك اتفاقا مع الوسطاء بالافراج عن الجنود المخطوفين مع ترك الخاطفين دون التعرض لهم. بعض من تولوا عملية الوساطة، أبدوا دهشتهم من هذا الموقف، خاصة أنهم لم يطرحوا مسألة ترك الخاطفين علي مائدة الحوار بينهم وبين الجهات الأمنية، كانت مهمتهم محددة فقط في تحرير الجنود المختطفين، ولكن دون أية اتفاقات في المقابل!! ثم كيف يتمكن المختطفون من الهرب من موقع احتجاز الجنود إلي مكان آخر، بينما قوات الجيش والأمن والطائرات والحواجز والمدرعات تحيط بكافة المناطق والطرق الرئيسية في عموم سيناء؟! لقد ثارت شائعات في سيناء عن وجود علاقة ما بين الخاطفين وبين أحداث سابقة كتفجير أنبوب الغاز في سيناء لعدة مرات، وأيضا شبهات حول دور في عملية خطف الضباط الثلاثة وأمين الشرطة في فبراير 2011 وأيضا مذبحة رفح التي وقعت في الخامس من أغسطس عام 2012. إن ذلك يطرح في المقابل سؤالاً عما اذا كانت هناك علاقة ما بين عدم القبض علي المتورطين في هذا الحادث ومشاركتهم في الأحداث الأخري التي يتحدث عنها أهالي سيناء وأن ذلك ربما يكون أحد الأسباب التي كانت وراء إفلات الخاطفين بجريمتهم، ذلك أن هناك من له مصلحة في ذلك؟! كانت هناك تعليمات عليا بأن يلتزم الجنود المحررون بالصمت وألا يدلوا بأية معلومات لأجهزة الإعلام، ولذلك جري احتجازهم لفترة من الوقت في أحد فنادق الشرطة لحين هدوء الأوضاع، مما دفع المواطنين في الشارع إلي القول إن ما جري كان مجرد 'تمثيلية' مقصود من ورائها إرباك الجيش وعزل قيادته، وإن الجيش استطاع افشال المؤامرة بعد أن كشف حقيقة أهدافها!! لقد اجتمع الرئيس مرسي في أعقاب تحرير الجنود بكل من وزيري الدفاع والداخلية ومدير المخابرات العامة، وكان هناك إصرار من الجميع علي استمرار الحملة الأمنية للقبض علي الجناة وتطهير المناطق المختلفة من سيناء من العناصر الارهابية والاجرامية التي باتت تهدد الأمن القومي للبلاد، بعدها خرجت التصريحات لتؤكد أن الحملة مستمرة وأنه لابد من القبض علي المتورطين في خطف الجنود، غير أن الحقائق علي الأرض في سيناء تقول شيئًا مختلفا، زخم الحملة تراجع، قوات عديدة بدأت رحلة العودة إلي معسكراتها من جديد، إنه نفس سيناريو العملية 'نسر' يتكرر مجددًا، فماذا إذا فوجئ المصريون بعملية إرهابية جديدة؟! إذا أردت معرفة السبب وراء كل ما يحدث، فابحث عن المستفيد وساعتها ستجد إجابة واضحة علي كافة التساؤلات وعلامات الاستفهام المطروحة!!