"غربل الكمين يا منسى"، جملة علقت فى ذهن المشاهد مع أول لقطة من مسلسل الاختيار الذى قدم فيه المخرج بيتر ميمي، والمؤلف باهر دويدار نماذج من أبطال القوات المسلحة، ضحوا بحياتهم من أجل رفعة الوطن، فالعمل لا يؤرخ لسيرة الشهيد أحمد منسى فقط، لكنه توثيق ارتبط بالدراما لأبطال حقيقيين، ومزج بين الدراما، والوقائع الحقيقية لسرد بطولات جيش علَّم العالم كيف تكون الوطنية والدفاع بشرف عن الوطن. وثق المسلسل تفاصيل خاصة بهؤلاء الأبطال، وبظروف استشهادهم ليتزايد الوجع، ويتجدد مع صورة كل شهيد، وحرص منتجو العمل على تقديم تلك التفاصيل بعد كل مشهد ارتبط بلحظة فارقة في حياة هؤلاء الأبطال، لذلك لم يكن غريبًا أن نرى نجومًا كبارًا منهم محمد إمام وآسر ياسين ومحمد رجب وإياد نصار وكريم محمود عبد العزيز، وماجد المصري، وصلاح عبد الله، ورامز أمير، ومحمد عز، يشاركون بلقطات بسيطة لكنها مؤثرة عبروا من خلالها عن سعادتهم بالتواجد في هذا العمل الذى بدأت أول حلقة منه بفلاش باك حول أحداث امتزجت فيها الواقعية بالدراما، بداية من مشهد استشهاد المنسي إلى لحظة القبض على الخائن هشام عشماوى، وللحظة نزوله من الطائرة برفقه جنودنا البواسل الذين أحضروه ذليلاً من ليبيا بقدمه المصابة والتى عرفنا من خلال المسلسل أنها أصيبت لتكون شاهدًا على غدره بزملائه وخيانته لشرف البدلة العسكرية. مع أول حلقة كان النجوم حاضرين بقوة، وفى أدوار هامشية لكنهم قدموها بإيمان كبير، فقد شهدت أحداث الحلقة الأولى ظهور كل من محمد رجب، وكريم محمود عبد العزيز كضيفي شرف. كما ظهر في الأحداث النجم آسر ياسين، حيث قدم دور النقيب "علي" صديق "أحمد منسي" حيث يذهبان سويًّا بصحبة عدد من قوات الصاعقة والمظلات، للأخذ بثأر شهداء حادثة رفح الأولى. فيما كان بكاؤنا مع صرخة "محمد عادل إمام " النقيب فتحى الضابط فى أحد الأكمنة بسيناء بعد الهجوم بمدافع الهاون والأسلحة الثقيلة على الكمين، وخلال معركة شرسة بين قوة الكمين بقيادة "إمام" وبين مجموعات الإرهابيين يستشهد فى مشهد مؤثر جدًّا يدمى القلوب، وهو يردد "غربل الكمين يا منسى". المسلسل يعتمد على فكرة "عظم شهيدك" لدحض الصورة السلبية التى روجها أعداء مصر في الخارج عن الجيش بأنه يعتمد على عساكر "غلابة" لتكون قمة الملحمة مع نماذج للجندى المقاتل، وقائده رأيناها فى صورة المجند "عبد الله" الذى كان لا يفهم لماذا يحاربون فى سيناء "ناس مننا" ليرد عليه "منسى" بأنهم ليسوا مننا بل باعونا كما باعوا الوطن ليكون الجندى هو النموذج للتلقائية البكر بعينها، ومات غدرًا على يد إرهابى مجرم "أبو سعد الجنوبى" أحد التكفيريين من جماعة بيت المقدس والذى جسد دوره ببراعة الممثل، إسلام حافظ ليسجل المسلسل فى نفس اللحظة نهاية الستر ببيع الأرض فى مشهد شقيق المجند الشهيد "سعد الفلاح" والذى جسد دوره الفنان محمود حافظ والذى سبق شقيقه فى شرف الجندية "ليقع تحت سطوة سمسار الأرض الذى يسرق الأمان والستر من البشر". ولعل أجمل ما فى المسلسل أنه كما يبرز دور القائد، لم ينس أبدًا دور المجند، ومنهم مساعد محمد حربى اللى ظهر فى المسلسل أثناء تفكيك أحد عبوات الغدر، حيث قام بتفكيك اكتر من 300 عبوة شديدة الانفجار بسيناء، وتم تخليد اسمه على أحد الكبارى التى أنشأتها القوات المسلحة وارتقى ليلقى ربه فى يناير 2015. أما "شويقة" الشهير ب"مارد سيناء" فقدمه المسلسل عندما لقي ربه، واستشهد بعد احتضانه لانتحاري يرتدى حزامًا ناسفًا أثناء محاولة تفجير نفسه في قوة لرجال الصاعقة بمنطقة "زارع الخير" فى قرية المساعيد بمدينة العريش. "شويقة" كما يقول المؤرخ الصحفى العسكرى محمود فوزى، أبصر إرهابيًّا يختبئ فى "عشة" لأحد البدو، وهو يرتدي حزامًا ناسفًا، ولمح أصابعه تتحسس الحزام فى حذر، فلم يفكر ثانية أو يتردد لحظة، فانطلق سهمًا نحو الإرهابي، ارتمى عليه، احتضنه، انفجر الحزام الناسف، تبعثرت أشلاؤهما معًا، وسط ذهول "أبناء دفعته" ودموعهم التى اختلطت بالدعاء أن يتقبله الله شهيدًا. "شويقة" أنقذ 8 من زملائه و2 ضباط، و4 جنود، واثنين من السائقين وتجاهل صرخات قائد الكتيبة فيه ليعود، لكنه لأول مرة وعلى غير عادته لم ينفذ الأوامر، كان يركض بكل ما أوتى من قوة، يبدو أنه أبصر باب السماء مفتوحًا، فأراد اللحاق به، وأنقذ شركاء العيش والملح، من إخوانه العساكر". ويحكى المسلسل كيف كانت خصوصية العلاقة بين القائد وتلميذه ومنهم الشهيد وائل كمال الابن المُخلص للشهيد "منسى"، والذى استشهد بعده بخمس شهور فقط ودفن معه فى نفس القبر، ولعل أشد الوجع فى مشاهد هؤلاء الأبطال كما يقول "فوزى" عندما واجهوا 3000 تكفيرى مرتدين الزي العسكرى، وهجموا على أكثر من ستة كمائن فى نفس اللحظة ونصبوا كمائن على المحاور المُختلفة لأى قوات دعم بهدف إعلان "ولاية سيناء" أمام العالم بعد سيطرتهم عليها ليلقنهم أبطالنا درسًا قاسيًا. "الحرب مع الإرهاب ثأر لا بد أن نصر على أن نأخذه"، هكذا تدور كل أحداث المسلسل الذى وثق لنا كيف قام المجرمون باغتيال الشهيد هشام بركات وضربوا الكمائن والكنائس وكان هدفهم واحدًا وإن اختلفت مسمياتهم لذلك لم يكن غريبًا أن تكون وصية الشهيد أحمد منسى لزملائه أن يحضروا رأس عشماوى ويبشرونه لو كان فى قبره، عندما قال لهم أمير كرارة (لو جبتم هشام عشماوى وأنا مش موجود لازم تزورونى في قبرى وتطمنونى) ليرد عليه زملاؤه حاضر يا قائد "لكن لو جبته انت واحنا مش موجودين تعالى زورنا وهات معاك شيكولاته" جملة تلخص كيف كان هؤلاء الأبطال يؤمنون بأن الوطن "له ثأر" سيدفعونه حتى لو كان حياتهم ضد من خان الوطن وشرف العسكرية. الناقد الفنى طارق الشناوى يرى أن المسلسل يقدم واقعًا ساخنًا نعيشه حاليًا ولهذا قام باهر دويدار بعمل مزج بين الرؤية الوثائقية والدرامية فكل ما يقدم من دراما له عمق تسجيلى، وأبطال المسلسل يمثلون شخصيات حقيقية عاشت نفس المواقف، وهو أمر يحسب للعمل الفنى لأنه قادر على أن يجذب الجمهور للمزج بين العقل والوجدان فى التعبير بتقديم نماذج متميزة من الممثلين سواء أمير كرارة الذى قدم أهم أدواره، كذلك ضياء عبد الخالق فى دور الإرهابى، وكذلك أحمد فؤاد سليم فى دور والد أحمد منسى وماجدة منير التى جسدت دور والدة التكفيرى. فالمسلسل يفضح التوجه الذى تبناه الإخوان ومن معهم من التكفيريين وكان شعارهم (طز فى مصر)، والمسلسل يغوص فى أفكارهم التكفيرية بأن الوطن لا يعنيهم، والسلطة فقط هي غايتهم، حتى لو أراقوا من أجلها الدماء، وهنا تأتى قوة الدراما، وهى تضع قوتها وكلمتها فى هذا العمل الهام.