قدمت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجين رائدين ومضيئين في مواجهة فيروس كورونا الذي ضرب العالم خلال الأشهر الماضية في واحدة من أكبر الأوبئة التي أثرت سلبًا وبصورة ربما غير مسبوقة على كافة مناحي الحياة البشرية، ولاسيما الاقتصاد. وفي هذا السياق، حققت الدولتان نجاحات لافتة للنظر جعلتاهما يسبقان العديد من الدول المتقدمة في التعامل مع كورونا وتداعياتها، بفضل الجهود الضخمة التي يبذلها قادة الدولتين، ففي المملكة وتحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، يقود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ملف مواجهة كورونا بنجاح منقطع النظير. وفي الإمارات، يقود سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة هذا الملف باقتدار وبنجاح ضخم لا تُخطئه الأعين. استعرضنا في الأسبوع الماضي بالتفصيل الإجراءات السعودية الحاسمة والفعّالة لمواجهة كورونا، وهو ما أدى إلى أن تحقق السعودية أرقامًا مبشرة وتدعو إلى التفاؤل وتقلب المعادلة لصالح الجهود الجبارة التي تقوم بها المملكة بقيادة الأمير محمد بن سلمان في مواجهة هذا الوباء، فقد سجَّلت حالات التعافي من فيروس كورونا المستجد في السعودية يوم 6 مايو الماضي أرقامًا عالية تدعو للتفاؤل؛ إذ شكلت 80 % من الحالات اليومية المعلنة لعدد المصابين البالغ 1687 حالة، وذلك للمرة الأولى. وكانت الحالات المتعافية قد شكلت مسارًا تصاعديًّا خلال الفترة الماضية؛ إذ قفزت من 14 % إلى 21 % مسجلة يوم 6 مايو أعلى عدد ب1352 حالة. إجراءات ناجعة ومن جانبها، رفعت دولة الإمارات مبكراً سقف الإجراءات الوقائية والاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؛ حيث اعتمدت العديد من الخطوات النموذجية لضمان سلامة وصحة المواطنين والمقيمين على أرضها. وكانت أولى الإجراءات تعليق الرحلات الجوية لبعض الدول التي شهدت ارتفاعاً في عدد المصابين بالفيروس، مثل لبنان والعراق وتركيا وغيرها، كما قررت الإمارات وقف إصدار كل التأشيرات ابتداء من 17 مارس الماضي "وقفا مؤقتا"، في إطار الإجراءات الاحترازية التي تتخذها تجاوباً مع رفع منظمة الصحة العالمية مستوى فيروس كورونا المستجد إلى "وباء". وفي السياق نفسه، قررت الإمارات إعادة جميع مواطنيها في الخارج والطلبة المبتعثين من أي جهة ابتعاث أو على حسابهم الخاص، إلى البلاد، خلال 48 ساعة، وذلك بالتنسيق مع جهات الابتعاث والملحقيات والسفارات في بلد الدراسة. وتواصلت وزارة الخارجية والتعاون الدولي مع مواطني دولة الإمارات للاطمئنان على أحوالهم، وتسهيل كافة الإجراءات لإعادتهم ومرافقيهم إلى أرض الوطن. "لا تشلون هم" كما أطلقت وزارة الخارجية والتعاون الدولي خدمة "لا تشلون هم" لأعضاء البعثات الدبلوماسية الإماراتية في الخارج، بهدف صون صحتهم، وتعزيز سلامتهم، وتوفير فريق مخصص لضمان تنسيق وتنفيذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية لهم. وتحت هذه العبارة "لا تشلون هم"، طمأن الشيخ محمد بن زايد، في كلمة مصورة له، المواطنين والمقيمين على المخزونات الاستراتيجية من السلع، متعهدا بتوفير السلع الغذائية والأدوية "إلى ما لا نهاية". كما تضمنت الإجراءات الاحترازية بالإمارات تفعيل العمل عن بعد لبعض الفئات، وتعليق الدراسة وتعزيز التعلم عن بعد، وإغلاق الأماكن الترفيهية والسياحية، وحظر الشيشة في المقاهي والمطاعم، إضافة إلى إرساء خطة تعقيم وتنظيف لوسائل النقل العام والمدارس والفضاءات العامة. استراتيجية البنوك ومن ناحية أخرى، اعتمدت البنوك المحلية في الإمارات استراتيجيتين أساسيتين لضمان استمرار عملها وحصر مخاطر فيروس كورونا وسلامة الموظفين، وذلك عبر العمل عن بعد بالنسبة للأعمال التي لا تتطلب الالتزام بدوام مكتبي، وتقسيم العمل بالنسبة للموظفين الآخرين والأقسام على العديد من المواقع والمقرات. وطلبت بعض البنوك من إدارات الأقسام لديها برفع أسماء 20 إلى 25% من الموظفين من أجل العمل من المنزل، وغيرت مواقع دوام بعض الموظفين بحيث لم تبقِ أقساماً أو إدارات أساسية في مكان واحد بل وزعتها على أكثر من مقر من مقرات وفروع البنك. وقد شملت قائمة الموظفين الذين طلب منهم العمل عن بعد بالدرجة الأولى: الحوامل، وربات البيوت، وكبار السن. كلمة مؤثرة في كلمة لسموه يوم 17 مارس الماضي بمجلس في قصر البحر بأبوظبي بحضور عدد من الشيوخ والوزراء والمسؤولين، أكد الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي أن الظروف الصعبة التي يشهدها العالم ستمضي، مطالباً الجميع بالصبر والمحافظة على صحة أهلهم وذلك بعد تفشي فيروس كورونا الذي بات وباء عالمياً. وقال سموه مخاطباً الجميع: "أريدكم أن تتذكروا كلمة وهي أن الوقت الصعب الذي نعيشه سيمضي بإذن الله لكن يحتاج منا إلى صبر"، مؤكداً أن "الدواء والغذاء هذا خط أحمر لدولة الإمارات، عندنا القدرة لتأمينه إلى لا نهاية". وأضاف سموه: "الإنسان اللي شاك في نفسه وهو أمانة في رقبتنا، وجاي يفحص لازم ينفحص، واجبنا نأكد سلامته وسلامة أهله". الفحص من المركبة وكان الشيخ محمد بن زايد قد قدم القدوة للجميع كقائد يحمي أبناء وطنه والأخوة المقيمين على أرض الإمارات حين افتتح يوم 28 مارس المنقضي "مركز الفحص من المركبة". وقال الشيخ محمد بن زايد على حسابه الرسمي في تويتر "افتتحت اليوم مركز الفحص من المركبة الذي أقامته- صحة- للأفراد للكشف عن فيروس كورونا"، وأضاف أن ذلك يأتي "ضمن التدابير والإجراءات الوقائية المتواصلة التي نسعى إلى تعزيزها وتطويرها للحد من انتشار الفيروس". وتابع سموه: "الفرق الطبية في الميدان بمثابة درع الوطن الذي يحمي صحة المجتمع وسلامته". المساعدات الخارجية لم تكتف الإمارات باتخاذ الإجراءات الداخلية لمواجهة كورونا بل قامت بمساعدة الدول الأخرى على مواجهة هذا الوباء القاتل؛ حيث قدمت الإمارات الدعم والمساعدات الطبية اللازمة للعديد من الدول الأكثر تأثراً بتداعيات الفيروس، كما أبدت استعدادها لمواصلة مساهماتها المختلفة لمكافحة الأزمة. ولطالما أكدت الإمارات ضرورة مد يد العون والمساعدة لكافة الشعوب التي تمر بظروف صعبة دون تمييز أو مفاضلة بين الناس، فشملت مبادراتها الأخيرة تقديم الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية، وتزويد عدد من الدول، من بينها الصين وإيران وأفغانستان وباكستان والصومال وكولومبيا وسيشل وإيطاليا وكازاخستان، بالمواد الطبية اللازمة والإغاثية والضروريات لتجاوز المرض. ومن جانبه، أعرب "تيدروس غيبريسوس".. المدير العام لمنظمة الصحة العالمية.. عن شكره وتقديره لدولة الإمارات ولسمو الشيخ محمد بن زايد للدعم المتواصل للجهود العالمية الرامية للتصدي لفيروس كورونا. الصينوأفغانستان في نوفمبر الماضي، تضامنت الإمارات مع الصين في مواجهة انتشار الفيروس المستجد في بعض المدن. ونسقت مع الجهات المعنية في الصين للعمل معا لتوفير كافة المستلزمات الطبية اللازمة لمواجهة التفشي. كما بادرت دولة الإمارات بتقديم إمدادات طبية إلى الصين، شملت أقنعة وقفازات وغيرها. كما أرسلت الإمارات إلى أفغانستان شحنة مساعدات طبية عاجلة تحتوي على 20 ألف وحدة اختبار ومعدات لفحص آلاف الأشخاص. إجلاء رعايا الدول الصديقة أما في مارس الماضي، فقد أجلت الإمارات 215 من رعايا الدول الشقيقة والصديقة لها من مقاطعة هوبي الصينية، البؤرة الأولى لانتشار الفيروس عالميا، إلى مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي، ليخضعوا للرعاية الطبية اللازمة قبل عودتهم إلى ديارهم؛ حيث قامت طائرة، مجهزة ومزودة بخدمات طبية متكاملة، بعملية الإجلاء. وشارك في عملية الإجلاء فريق الاستجابة الإنساني الذي شمل الطيارين والمضيفين والفريق الطبي والإداري، والذين كانت مشاركتهم لتعزيز وإبراز الدور الإنساني والتطوعي. كما تم تجهيز مدينة الإمارات الإنسانية في أبوظبي بكافة المستلزمات الضرورية لإجراء الفحوص الطبية اللازمة لرعاية الدول الذين تم إجلاؤهم، للتأكد من سلامتهم ووضعهم تحت الحجر الصحي لمدة لا تقل عن 14 يوماً. وفي شهر أبريل المنقضي، أرسلت الإمارات طائرة مساعدات، تحمل نحو 10 أطنان من مختلف المستلزمات الطبية والوقائية إلى إيطاليا، يستفيد منها نحو 10 آلاف من العاملين في القطاع الطبي، لدعمهم في مواجهة الفيروس. كما تم إرسال طائرة مساعدات أخرى تحمل 13 طناً من مختلف المستلزمات الطبية والوقائية إلى كازاخستان، يستفيد منها نحو 10 آلاف من العاملين في القطاع الطبي، لدعمهم في مواجهة الفيروس. مشاورات دائمة وللوقوف على آخر تطورات أزمة فيروس كورونا المستجد والجهود الدولية في مكافحة المرض وإمكانية تقديم الدعم الإماراتي للدول المتأثرة، تواصل الشيخ محمد بن زايد مع قيادات وزعماء دول العالم بهدف تعزيز علاقات التعاون وسبل تعزيزها. وشملت الاتصالات كلا من: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس مونتينيغرو "ميلو جيوكانوفيتش"، والرئيس الإندونيسي "جوكو ويدودو"، والرئيس الصربي "ألكسندر فوتشيتش"، والملك فيليب السادس ملك مملكة إسبانيا، ورئيس وزراء بلغاريا "بويكو بوريسوف"، و"مايك بومبيو".. وزير الخارجية الأمريكي، وغيرهم. ..................................................................... * كاتبة سعودية ورئيسة تحرير مجلة "مملكة الاقتصاد والأعمال"