لم تكن المدرسة التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم تعتمد على الثرثرة أو إتباع الشهوات ، ولم يكن هدفها إحداث الشقاق والفتنة ، إنما قامت المدرسة النبوية المطهرة على كف الأذى عن الناس والتواضع وعدم مناصبة العداء لأصحاب الرأي . منهج هذه المدرسة جعل الإيذاء الكبير كالإيذاء الصغير في سلة واحدة كون الإيذاء يقع على النفس البشرية المصونة من قبل الله ،ومنهج هذه المدرسة ظل إلى يومنا في إتباع الآتي : أولا : الابتعاد عن كافّة الأعمال التي تلحق الضرر والإساءة بالغير، سواءً كان الضرر مادّياً كالضرب، أو التكسير، أو الهدم، أو معنويّاً كالكلام الجارح، أو المهين، أو الكلام المؤثّر في النفس، كما يطلق على كفّ الأذى مصطلح السلام الاجتماعيّ، للدلالة على الحب والتواصل بين الناس، وكذلك تجنّب الكره بينهم. ذُكر الكفّ عن الأذى في القرآن الكريم، لقوله تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) ، كما وردت أحاديث عديدة عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تحثّ على الكفّ عن الأذى بجميع أشكاله، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهم عَنْه (قالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الإسلامِ أفضلُ؟ قال : مَن سلِم المسلمونَ من لسانِه ويدِه) ، ذلك لأنّ الأذى يزرع البغضاء والكراهية والحقد بين الناس في المجتمع، وهذا ما يجنيه في الحياة الدنيوية، بالإضافة إلى الآثام والخطايا التي يحملها الشخص في الحياة الآخرة، لذلك يجب على المسلم التحلي باللسان الطيّب الحسن، وكسب الدنيا والآخرة في آنٍ واحد ثانيا : كفّ الأذى باليد و اللسان من خلال الابتعاد عن الثرثرة والكلام الجارح، والذي يسبّب الألم للآخرين، وأخذ الحيطة والحذر من الغيبة والنميمة على الآخرين، وتجنّب نقل الحديث والكلام بين الأشخاص، والذي بدوره يعمل على خلق الفتن بينهم، وقد أدّى الأذى باللسان إلى التفرقة بين الأزواج والأهل والأقارب، اذهبوا إلى المحاكم الآن لتشاهدوا بأعينكم كم من أسرة تهدمت أركانها بسبب القيل والقال ؟ كم من طلاق حدث بسبب كلام زائف وزالف لا قيمة له ؟ ثالثاً : عدم التدخل في ما لا يعني الشخص، لأنّ هذه الأمور تؤذي الناس والمجتمع كله، بالإضافة إلى العداوات التي ينشرها بين الناس، وكسبه للآثام والخطايا. رابعاً : تجنّب التهجّم على ممتلكات الآخرين والاعتداء عليها، أو تخريبها، بغضّ النظر عن حجمها، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، سواء كانت لمسلم أو لغيره ،فهي تعود بالضرر على أصحابها، كما أنّه لا يحقّ لأيّ شخصٍ بالاعتداء على الآخرين سواءً بالضرب، حتى لو كان لديه حق فيها، والابتعاد عن الإيذاء الجسدي، وأخذ حقوقه عن طريق القانون، فلو أتيح لكل شخص أن يأخذ حقه بيده ما بُنِيت الدول وما ترسخ قانون ولساد حكم الغاب . خامساً :الابتعاد عن قارعة الطريق وايذاء المارة وخصوصًا من السيدات بالكلام الجارح الهاتك للأعراض ، كذلك احترام الجار أيا كان وضعه سواء كان فقيراً أو ضعيفاً أو غير مسلم ، لأن شهادة الجار على جاره من أسباب العفو في الأخرة ،حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي المسلمين) سادساً : عدم تتّبع عورات الناس ، وتتّبع عورات الناس يعد من أبشع صور الأذى وأكثرها خطورة، بل يجب على الإنسان التستّر على عيب أخيه مهما كان، وأن يقدم النصيحة له، بدلاً من تتّبعها، وأن يساعده للابتعاد عن الأخطاء والعادات السيّئة ، فمن يحاول فضح أخيه فإن الله تعالى سيتتبع عورته ، إلا ترون أن الرسول صلى الله عليه وسلم تشدد في إثبات جريمة الزنا كونها من أخطر الجرائم على المجتمع بل أنها تظل عالقة في الأذهان فترة طويلة. يا سادة نذهب للمسجد لنخاطب الله تعالى أي التقرب إليه ، ونخرج الزكاة لنلتزم بأوامره وأيضا في الصيام وبقية الأركان ، علينا بالأفعال قبل الأقوال ، الدين ليس المساجد فقط إنما الدين المعاملة ،وكف الأذى هو تأدب والتزام مع الخالق ، فالتأدب مع العباد هو التأدب مع خالق العباد ، رمضان ليس انقطاع عن الأكل والشرب فقط بقدر ما هو انقطاع عن كل الصفات الذميمة ، رمضان هو الإيجابية لا السلبية والتفاعل مع المجتمع من خلال النفع العام والبعد عن الضرر ، رمضان شهر لتكفير الذنوب فهناك ذنوب لا يكفرها إلا حسن الخلق وللحديث بقية ، حفظ الله مصرنا من كل مكروه وسوء