اعتدنا جميعا خلال السنوات الاخيرة على انفجارات السوشيال ميديا، كل يوم قنبلة جديدة تجذب اهتمام مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي وتمتد لوسائل الإعلام الأخرى لتشغل الرأي العام لأيام، حتى تنفجر أخرى فتتلاشى الأولى، وتنتشر الجديدة حتى تظهر غيرها، وهكذا. فجأة، اختفت كل القنابل الافتراضية، فلم نعد نسمع عن رمضان والطيار، وشاكوش وبنت الجيران، وشاكر والنقابة، وعمرو ودينا، والصراعات الكروية، وحجاب وزواج وطلاق وخيانة وعلاقات وخلافات المشاهير. الأدق أنه – في ظل كورونا - لم يعد هناك من يهتم بتلك الفقاعات التافهة، فقد شُغل الجميع باتخاذ التدابير لمواجهة الفيروس الضئيل اللعين الذي غزا العالم مهددا ملايين البشر وحاصدا أرواحهم، وفارضا الخوف والعزلة على المجتمع الإنساني. وبظهوره تضاءلت قيمة كثير من الأمور الحياتية، واكتشفنا تفاهة ما كنا نعيشه، وزيف الصراعات التي كنا نخوضها ضد بعضنا البعض، تعصبا أو دفاعا أو هجوما أو انحيازا أو عنادا في خلافات توهمنا أهميتها، فقد اتضح أن البقاء على قيد الحياة هو الأهم، وأن ما اعتبرناه أمورا بديهية وحقا أبديا لم يعد كذلك!! فالعمل الذي تضررت من ضغطه، وشكوت مرارا من كثرته، واستحواذه على وقتك، صرت مهددا بفقده!! كنت تشتاق للمكوث مسترخيا بالمنزل يوما واحدا، وها أنت مختبئ داخله، تتمنى الخروج ولو لدقائق!! أهل بيتك الذين صرخت مرارا شاكيا من تعليماتهم، أو صخبهم، أو مطالبهم التي لا تنتهي، أصبحت تتضرع لله أن يحفظهم!! كنت مقصرا في زيارة والديك متحججا بانشغالك، وإذا بك متفرغ وممنوع من زيارتهما خوفا عليهما من العدوى!! كل الامور التي كنا نمارسها ببساطة، كالسير الآمن في الشوارع بلا كمامات وتدابير التعقيم، لقاء الأصحاب، الصلاة بالمسجد، الذهاب للكنيسة، الخروج للتنزه، احتساء المشروب المفضل أو تناول الطعام خارج المنزل، لعب الطاولة على (القهوة)، التسوق، الذهاب للدراسة أو العمل، ممارسة الرياضة، الاستمتاع بالشاطئ، الزيارات المنزلية، الحفلات، الأوبرا، السينما، الأفراح، وأيضا الجنازات وسرادقات العزاء.. كلها صارت أمنيات، فأدركنا أنها نعم من الله لم نشعر بها إلا بعدما اضطررنا للابتعاد عنها!! فلنتعظ جميعا، ونراجع أولوياتنا في الحياة، وندعو الله أن يرحمنا ويرفع عنا البلاء والوباء، ويحمي بلدنا مصر من تبعاته.