بالرغم من قيام المصريين بثورتهم الشعبية في 25 يناير 2011 نتيجة للأوضاع السيئة التي آلت إليها حياتهم من فقر وجهل ومرض واتساع الفجوة الطبقية بين أفراد المجتمع إلا أن هذه الأوضاع السيئة لا تزال كما هي بل ازدادت سوءا بالرغم من مرور أكثرمن عامين علي الثورة شهدت فيها البلاد تشكيل حكومات كثيرة كان أخرها حكومة الدكتور هشام قنديل المكلفة من الدكتور محمد مرسي أول رئيس مصري بعد ثورة 25 يناير ولا شك أن الثورات تحدث تغييرا جذريا في المجتمع من خلال القائمين علي الحكم فتحدث ثورة في كل وزارة بهدف تغيير الأوضاع السيئة نتيجة للسياسات الخاطئة وتأتي في مقدمة تلك الوزارات وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي نظرا لأهميتهما في بناء الإنسان الذي يقوم عليه تقدم المجتمع لذلك يجب أن تكون أثار الثورة قوية جدا في التعليم من أجل إعادة بناء هذه المنظومة وأهم ما يجب التصدي له هو الطبقية في التعليم لأنها خطر يهدد سلامة المجتمع مستقبلا ومظاهر تلك الطبقية في التربية والتعليم يتمثل في تعدد أنواع التعليم حيث توجد المدارس الحكومية ويصل عددها إلي 47 ألف مدرسة وليس 47 ألف مبني مدرسي لأن هناك مدارس تعمل لفترتين في مبني واحد. وهناك المدارس التجريبية 'حكومية' بمصروفات لا تتجاوز مئات الجنيهات كما أن هناك المدارس الخاصة وتنقسم إلي نوعين، النوع الأول يمكن أن تطلق عليه خاص 'شعبي' والثاني الخاصة لغات كما أن هناك المدارس الأجنبية والتعليم التعاوني متمثلا في أكثر من 35 مدرسة وتشرف عليه وزارة التربية والتعليم، وفي السنوات الأخيرة للنظام السابق في ظل حكومة الدكتور أحمد نظيف ظهر نوعان من التعليم وهما مدارس المستقبل 'بمصروفات' وهي مستوي أعلي من المدارس التجريبية والنوع الأخر مدراس النيل وعددها 27 مدرسة بواقع مدرسة لكل محافظة وهي مستوي ينافس المدارس الخاصة وربما المدارس الأجنبية.. يبلغ عدد أنواع التعليم التي تم سردها ثمانية أنواع أسوأها المدارس الحكومية التي تستوعب النسبة الأكبر من الطلاب من أبناء الطبقات الفقيرة التي عانت ولا تزال من غياب العدالة الاجتماعية لأكثر من ثلاثين عاما مضت لذلك كانت العدالة الاجتماعية مطلبا أساسيا من مطالب ثورة 25 يناير ولكي تتحقق في التربية والتعليم يجب أن ينتبه المسئولون أن التعدد في التعليم يضر ولا يثري المجتمع فهو يكرس للطبقية، حيث أن الذين يحصلون علي التعليم الجيد هم أبناء الأغنياء الذين لديهم القدرة المادية علي الإنفاق، أما غالبية أبناء الشعب المصري فلا مكان لهم سوي المدارس الحكومية التي تعاني من الإهمال وسوء الإدارة ومشاكل أخري عديدة. ولم تقتصر الطبقية في التعليم علي تعدد أنواعه في مرحلة التعليم قبل الجماعي وإنما امتدت إلي التعليم الجامعي فأصبح في مصر أنواع متعددة في التعليم الجامعي متمثلة في الجامعات الحكومية والتي يبلغ عددها 18 جامعة أوتزيد بعد فصل فروع الجامعات في بعض المحافظات عن الجامعة الأم لتصير جامعات مستقلة تغطي ربوع الجمهورية تقريبا، وهناك الجامعات الخاصة التي لا يمكن أن يتهم بالجهل من لا يعرف عددها بالضبط كما هو الحال في الأحزاب المصرية، فضلا عن المعاهد العليا الخاصة والتعليم الأهلي الذي لم يفعل بعد ولم يقتصر التعدد في التعليم من حيث تقسيم الجامعات إلي حكومية وخاصة وغيرها وإنما التعدد أصبح موجودا في النوع الواحد وهذا ما يحدث في الجامعات الحكومية فصار في الكلية الواحدة نوعان من التعليم فمثلا في كلية التجارة يوجد شريحة من الطلاب يدرسون المقررات باللغة العربية وشريحة أخري تدرس المقررات باللغة الإنجليزية ويطلقون علي الأخيرة 'تجارة إنجليزي'. كما ابتكرت الجامعات فكرة البرامج الخاصة 'بمصروفات' وهي عبارة عن برامج تختلف عن المقررات والتخصصات الموجودة في الكلية ومثل هذه البرامج يوجد في كلية الهندسة علي سبيل المثال، أما البدعة التي تم طرحها منذ سنوات قليلة مضت هي التعليم الموازي وهي تقوم علي أساس قبول عدد من الطلاب الناجحين في الثانوية العامة بكلية الطب علي سبيل المثال 'بمصروفات عالية' في خط موازي لزملائهم الذين سمح لهم مجموعهم بالالتحاق بكلية الطب من خلال مكتب التنسيق. إن التعدد في التعليم الذي صنعه النظام خلال عشرين عاما الأخيرة تقريبا يكرس لوجود طبقية في المجتمع فالنظام كان جل اهتمامه للأغنياء ولا يضع الفقراء في حساباته بل كانوا وقودا للأغنياء فلم تكن البرامج الخاصة أو التعليم الموازي أو الدراسة بلغة أجنبية في الجامعات الحكومية وكذلك إنشاء الجامعات الخاصة والمعاهد العليا الخاصة إلا خدمة لأبناء الأغنياء أما الفقراء فتم إهمالهم سواء في المدارس أو الجامعات الحكومية وهذا يعني أن أبناء الأغنياء حينما يخرجون إلي سوق العمل سيحصدون الوظائف المهمة أما أبناء الفقراء سيكونوا خدما لهم في الوظائف الدنيا. لذلك إذا كان وزيرا التربية والتعليم والتعليم العالي يؤمنا بأن مصر قامت فيها ثورة فلتبدأ بالقضاء علي هذا التعدد أو حصره في أضيق الحدود حيث يجب إحداث ثورة حقيقية في المدارس الحكومية تبدأ من اختيار مسئولين علي مستوي الحدث الثوري للمناصب العليا حتي مدير المدرسة فضلا عن إعادة النظر في المناهج والمباني والإدارة المدرسية وأحوال المعلمين. هذا بالنسبة لوزارة التربية والتعليم أما بالنسبة لوزير التعليم العالي عليه أن يبحث عن مخرج لهذا التعدد وإصلاح منظومة التعليم الجامعي من أبنية ومعامل ومكتبات وإصلاح الأستاذ الجامعي نفسه. فالتعليم يجب أن يكون مجانيا ومتميزا للجميع أما إذا تمادي المسئولون في غيهم وانحازوا للأغنياء فذلك ينذر بثورة أخري قادمة حتما وسوف تسحق في طريقها الأغنياء. [email protected]