يعاني التعليم المصري من مشكلات بنيوية عديدة علي رأسها المحاولات المستميتة لإلغاء مجانية التعليم وتكافؤ الفرص والمساواة وعدم التميز بسبب الوضع الاجتماعي للطلاب، ولقد تجلت تلك المحاولات منذ مطلع التسعينيات وتحديداً بعد الانصياع إلي أجندة البنك والصندوق الدوليين، ومع مطلع الألفية الثالثة وتحديداً مع حكومة أحمد نظيف تم الإتفاق علي تطبيق العديد من المشروعات بحجة تطوير التعليم الجامعي والعالي وما قبله وبتمويل من البنك الدولي، ولقد تجلّت تلك المشروعات في محاولة ترسيخ وسيادة مفهوم “الإدارة الاقتصادية للتعليم”، وكان ذلك في المشروع الذي تحمس له الدكتور هاني هلال والذي قوبل بالمقاومة والرفض من المجتمع الجامعي والجماعة العلمية بالجامعات. مع ثورة 25 يناير تبلورت مفاهيم أساسية هي، عيش، حرية، كرامة، عدالة اجتماعية، وكان من المنطقي أن تكون تلك المفاهيم والأهداف لثورة 25 يناير أساس العمل لأي حكومة تالية بعد الثورة، ولكن بعد استقرار الأحوال ووجود رئيس مدني منتخب يمثل تياراً سياسياً هو “جماعة الإخوان المسلمين”، تم تشكيل الحكومة الحالية والتي إتضح من ممارستها خلال الأشهر القليلة الماضية أنها تمارس نفس ممارسات النظام السابق وتخضع لنفس شروط البنك والصندوق الدوليين، وتحاول أيضاً حرمان أبناء الفقراء من حق التعليم بخصخصته والسعي نحو تسليع التعليم وجعله سلعة تباع وتشتري في السوق يشتريها من يستطيع أن يدفع كلفتها المادية. وخلال الشهر الماضي طالعنا السيد وزير التربية والتعليم د. إبراهيم غنيم وهو أستاذ تربوي وعميد سابق لكلية التربية بالسويس، بتصريح خطير أباح فيه الضرب للأطفال بالمدارس، ولكنه والحمد لله قد أكد أن الضرب يجب ألا يكون مبرحاً، ولا أعرف ما الفرق بين الضرب والضرب المبرح، هل صفع الطفل علي وجهه بحنية ضرب غير مبرح، هل ضرب الطفل علي قفاه بحنيه ضرب غير مبرح، ياسيادة الوزير الضرب ضرب، وهو حط من الكرامة الإنسانية وإمتهان لآدمية الإنسان، وما كان يجب منك وأنت أستاذ للتربية درست لطلابك أن الضرب ضد حقوق الإنسان وضد الكرامة الإنسانية ناهيك عن أنه ضد حقوق الطفل في المواثيق الدولية وفي الإسلام أيضاً. وسيراً علي نهج النظام السابق في سياسات التعليم وتسليعه وجعله خدمة تقدم لمن يستطيع أن يشتريها، تفضل السيد وزير التربية والتعليم وأكد أن من أولويات اهتمامه التوسع في المدارس التجريبية، وهي مدارس ذات مصروفات دراسية مرتفعة ولا يستطيع الفقراء إلحاق أبنائهم بها، ويعلم السيد وزير التربية والتعليم أن نشأة المدارس التجريبية في مطلع الثمانينيات كانت محاولة من الدولة الدخول في منافسة مع القطاع الخاص وسميت مدارس تجريبية بمصروفات لأنها تدرس العلوم والرياضيات باللغة الإنجليزية والتجريب قد انتهي لأن ذلك قد مر عليه أكثر من ثلاثين عاماً، ولكن استقر الرأي علي التسمية “المدارس التجريبية” لأنها مدارس ذات مصروفات عالية تقدمها الدولة للقادرين وبذلك تخل بمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، كما سبق لها أن دخلت في ذات المنافسة مع الدروس الخصوصية، وقامت بإنشاء مجموعات التقوية داخل المدارس، ولقد أكدت تلك المجموعات فشل المدرسة في القيام بوظيفتها التربوية والتعليمية وقامت بإعادة التدريس (التمدرس) مرة ثانية ولكن بمقابل مادي لذات الطلاب وبذات الأساتذة مستخدمين الأبنية التعليمية والإمكانات المتاحة للتدريس في المدرسة صباحاً. ووصل الأمر بسيادة وزير التربية والتعليم أن أعلن مؤخراً عن نية الوزارة لإنشاء فصل تجريبي بمصروفات بكل مدرسة حكومية مجانية، وكأنه في ذلك يقوم بتقليد ما أتبعه الدكتور/ هاني هلال وزير التعليم العالي الأسبق في النظام السابق بإنشاء شعب متميزة بمصروفات داخل الكليات فأصبحت الجامعة بها تعليم حكومي مجاني ردئ يقدم لأبناء الفقراء، وتعليم متميز بمصروفات مرتفعة يقدم لأبناء الأغنياء، فضلاً عن التعليم بلغات أجنبية وهو تعليم بمصروفات أيضاً. منهج النظام السابق أليس في هذا خصخصة لمنظومة التعليم والجور علي تعليم الفقراء وحرمانهم منه ودفعهم خارج أسوار المدرسة، أليس من الأحري بالسيد وزير التربية والتعليم وهو وزير في حكومة إخوانية إن يهتم بتعليم الفقراء ليحقق شعار ثورة 25 يناير عيش، حرية، كرامة، عدالة اجتماعية، هل قامت الثورة من أجل خصخصة التعليم، وهل حكم الإخوان مصر لخصخصة التعليم أيضاً وممارسة نفس النهج للنظام السابق؟! أم علينا أن نصدق كلام السيد الوزير أنه لا علاقة له بالإخوان وأنه ليس عضواً في التنظيم، وإذا كان الأمر كذلك فأنا أسأل سيادته من وراء تلك الأفكار، سيادته أم جماعة الإخوان وأسأله أيضاً من الذي أتي بالمستشار الإعلامي لسيادته وهو ناظر إحدي مدارس (الجيل المسلم) بطنطا وهي تابعة للإخوان، كما أسأله أيضاً من الذي أتي بالمهندس عدلي القزاز ليعين مستشاراً لسيادته “لتطوير التعليم” وهو ليس له أي صلة سابقة بالعملية التعليمية داخل أو خارج الوزارة سوي أنه عضو في “مجلس إدارة جمعية أصحاب المدارس الخاصة” وصاحب “مدارس المقطم للغات”، وهي مدارس تابعة للإخوان المسلمين، كما أنه والد المهندس المصري كندي الجنسية خالد القزاز شريك خيرت الشاطر نائب المرشد العام وكان من أهم كوادر حملته الانتخابية وهو مهندس العلاقات الخارجية لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة (راجع جريدة التحرير عدد 30/10/2012) هل بعد كل ذلك لم تتأخون وزارة التربية والتعليم، وإذا كان السيد الوزير ليس عضواً بجماعة الإخوان المسلمين حقاً فعليه أن يجيب عن تلك الأسئلة، هل تلك إرادته أم إرادة الجماعة وحزبها السياسي حزب “الحرية والعدالة”. شركات قابضة ولكي نمد التفكير والمنطق علي استقامته نذهب إلي وزارة التعليم العالي، ووزيرها عضو في حزب “الحرية والعدالة” وكان مسئولاً عن ملف التعليم، فقد طرح سيادته أخيراً في جريدة الشروق عدد 4/11/2012 أن الوزارة تدرس تحويل برامج الساعات المعتمدة للجامعات لشركات قابضة. والسؤال هل تملك الجامعات التي تدار بأموال دافعي الضرائب ذلك؟ وأن تنشئ شركات قابضة استثمارية؟ ألا يعلم سيادته أن نظام الساعات المعتمدة، هو نظام تعليمي تربوي سعي إليه د. هاني هلال في وزارة أحمد نظيف في إطار خصخصة التعليم وتحويله إلي سلعة، فقام تحت دعاوي التطوير والتحسين والجودة بتحويل نظام التدريس من نظام العام الدراسي إلي الفصلين الدراسيين والذي يتأسس علي أن الطالب يدفع المصروفات الدراسية في إطار مجانية التعليم الجامعي والعالي، إلي نظام الساعات المعتمدة، أي أن يعامل الطالب بالقطعة، فمثلاً الطالب الذي يدرس خمسة مقررات في الفصل الدراسي يدفع عن كل (مقرر دراسي) مبلغ 100 أو 150 جنيها، وبذلك يدفع الطالب 5_100_2 فصلين دراسيين = 1000، وكان الهدف هو تسليع التعليم وتخلي الدولة عن دورها في توفير التعليم كحق للإنسان أقرته الأممالمتحدة منذ عام 1948 وأقرته الدولة المصرية منذ ثورة يوليو 1952، نأتي بعد ثورة شعبية عظيمة هي ثورة 25 ينايرفنرتد إلي الوراء ونسلك نفس ممارسات النظام القديم الذي كان يهتم فقط بتعليم الأغنياء وترك الفقراء للجهل والمرض .. ما الاختلاف بين سياسات التعليم في عهد الإخوان وعهد مبارك؟ ما هي مكاسب ثورة 25 يناير في مجال التعليم؟ ما موقف دستور الإخوان من التعليم؟! أسئلة كثيرة ولكن الأجوبة عليها ان النظام الاقتصادي للإخوان هو إقتصاديات السوق والسوق الطليق والسعي نحو الربحية البغيضة، نحن في حاجة إلي ثورة جديدة تحقق مطالب شعبنا في تعليم جيد مجاني للجميع دون عوائق أو تميز حتي نحقق المجتمع المتعلم القادر علي المشاركة السياسية والوعي بقضايا الوطن، وحتي لا يصبح المواطن الأمي الفقير أداة انتخابية يستغلها من يلبي حاجة يومية له نظير الحصول علي صوته الانتخابي الذي يعد ضرورياً في العملية الانتخابية بعد ثورة 25 يناير.